هكذا وصل بنا الحال

هكذا وصل بنا الحال

ليلة قبل الماضية برفقة بعض الأصدقاء ونحن جالسين في أحد  المقاهي بطرابلس وبالتحديد جادة عمر المختار مع نسمات البر والظالم الدامس نتيجة انقطاع الكهرباء ومستمر بهذه الحالة بعد مضي أربعة ساعات من انقطاعه وهي عادة شبه يومية ونحن نحتسي فنجان القهوة ونتحدث جميعا ونناقش بمختلف المواضيع وخاصة ما يتعلق بشأن المواطن الليبي وهو يمر بمختلف الازمات شبة يومية من نقص في السيولة من البنوك وانقطاع الكهرباء والمياه ووقوف في طوابير على محطات البنزين نتيجة توقف السياقين سيارات النقل عن العمل لهم مطالب يردون تحقيقها.

وتحدث أحد الأصدقاء عن وقوف في طوابير يوميا امام البنوك من الصباح الباكر وأحيانا يتفرشون الأرض حتى الصباح لأخد دورهم والوصول الى شباك الصراف ان توفرت السيولة بذلك اليوم او يرجع الى اسرته مكسور الخاطر لان لديه اسرة تنظر بقدومه لتوفير مستلزماتها اليومية من مآكل وملبس ودواء.

وتحدث اخر عن ازدحام بمحطات الوقود نتجه اضراب السياقين عن العمل والوقوف السيارات في طوابير وساعات طويلة.

وعن انقطاع الكهرباء لفترات طويلة تصل أحيانا الى ثمانية ساعات حدث ولا حرج ومعاناة هذا المواطن نتيجة لخلافات بين الساسة الليبيين وما ذنب المواطن البسيط الغلبان بهذه الخلافات.

على اية حال ما يهمنا بكتابة هذه المقالة عن مسألة اسرة وما حدث لها بموت والدتهم نتيجة غلاء المعيشة اليومية ونقص في السيولة بالبنوك وكذلك تدني في الرواتب لغالبية المواطنين وخاصة شريحة المتقاعدين والتي لا تتعدي رواتبهم 400 دينارا مع ارتفاع الأسعار ورفع قيمة العملة الموازنة اذ يقترب سعر الدولار الي سبع دينارا.

هذه الاسرة تتكون من ثلاثة أبناء اكبرهم تجاوز من العمر أربعون سنة قامت والدتهم بتربيتهم ورعايتهم بعد فقدان زوجها وهم صغار ووصلتهم الى مرحلة الرجولة بعد ما كبروا وهم تحت أحضان والدتهم وتزوجوا وأصبحوا لديهم أطفال وعائلية وكل واحد منهم يشق طريقة في الحياة أحدهم مدرس يتقاض راتب شهري اقل من خمسمائة دينار والأخر صاحب سيارة نقل والأخر يعمل مع احد التجار مقابل راتب بسيط وامهم تعاني من مرض الضغط ويتطلب منها اخد العلاج يوميا ومراجعة الطبيب من حين الى اخر والكشف عليها وصرف وصفة طبية ان لازم الامر.

إحدى العائلات بالحي التي تقتن به هذه الاسرة لديهم مناسبة اجتماعية يتطلب من تلك الوالدة القيام بالواجب لزياتهم ومشاركتهم بتلك المناسبة ودار الحديث بين النسوة عن الغلاء المعيشة في كل متطلبات الحياة اليومية من مأكل وملبس وكذلك الدواء وهذه الوالدة كبيرة في السن لا تعرف ما يدور بخارج بيتها من تلك الحالة التي تعيشها اغلب الاسر الليبية من الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار في كل شيء قررت هذه الام في نفسها ولم تبوح به لاحد من أهلها او من حولها حيث قررت ان ثمن الدواء يحق ويصرف على احفادها بدل ان يشتري دواء لها لأنها عاشت واخدت نصيبها من الدنيا وعلى أولادها ان يفكروا بأبنائهم والعناية  أولى منها ووصل بها الحال ان تضع علبه الدواء امامها وتخبر احد أولادها بأن الدواء اشتراه اخوك وعندما  يدخل عليها  الاخر تخبره أن اخوك اشتره وتبلغ الواحد بعد الاخر بأن الدواء متوفر لديها القصد منها توفير قيمة الدواء لصرف قيمته على احفادها بدل بأن يشتروا لها الدواء حتي ارتفع لها الضغط ووصلت حتى الاغماء وفارقت الحياة وضحت بحياتها من اجل احفادها.

وعند مراسيم الدفن علم جميع الأبناء بان والدتهم كانت تخفي عليهم هذا السر هذا ما صنعته في نفسها ووصل بها الحال الى فقدت الحياة من اجل أولادها واحفادها.. بأن الدواء لديها وكانت تخبر كل واحد بان اخوك قد اشتري لي الدواء وعند الدفن بالمقبرة يصيح أحد أبنائها بأعلى صوت..

امي ماتت من الفقر.. امي ماتت من الفقر.. امي ماتت من الفقر

هكذا وصل بنا الحال..

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • عبدالحق عبدالجبار

    مفتاح الحل معرفت لماذا … و ان نكون صادقين مع أنفسنا … و ان لا يكون كلام الحق وجاع… هل حان لكل ليبيا ان يعرف من نفسه لماذا

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً