المساواة في الحقوق أساس الحريّة والعدل

المساواة في الحقوق أساس الحريّة والعدل

رغم ما يعانيه المجتمع الليبي من تفكّك وتمزّق بعد السابع عشر من فبراير وما لحق بالوطن من دمار هائل على كل الصُعد! لازال هناك من يدعو للعزل السياسي وإقصاء الآخر لاحتكار المشهد السياسي والإنفراد بالسلطة!

نحن نستغرب ما صرّح به الدكتور “بوبكر بعيرة” عضو “مجلس النواب” وعضو لجنة حوار “الصخيرات” الذي قال فيه أنه: (لا يُوافق على عودة أنصار النظام السابق..) والسؤال: هل الدكتور “بعيرة” لا يعد من رجال النظام السابق ولم يعمل فيه؟!.. وهل هو في وضع الآن يمكنه من منع عودة رجال النظام السابق ليساهموا في إعادة بناء ما تهدّم من وطنهم؟! ما كنا نتوقع أن يُفكّر الدكتور ” بعيرة ” بهذه العقلية الإقصائية التخوينية التي يفكر بها: (الصلابي وصوان والسويحلي وبوسدرة ومحمود عبد العزيز الورفلي) وغيرهم من دعاة العزل السياسي الجائر الذين يُريدون أن يحتكروا المشهد السياسي وينفردوا بالسلطة! وأنا أسأل الدكتور “بعيرة” هل في دولة “فبراير” الفاشلة ومنذ العام 2011 وحتى الآن مسئول واحد في مستوى: الأسير (بوزيد دوردة أو جاد الله عزوز الطلحي أو عبد العاطي العبيدى)؟! “طبعاً لا”!

ما كنا نتوقع أن الدكتور “بعيرة” من دعاة قانون العزل السياسي الجائر الذي صدر تحت تهديد السلاح وأسقطه “مجلس النواب” والدكتور “بعيرة” هو أحد أعضائه البارزين! وأصبح هذا القانون سيء الصيت والسمعة من الماضي! ونحمد الله أن الدكتور “بعيرة” لم يكن رئيسا لـ”مجلس النواب” وإلاّ كان اختياره كارثة أخرى تضاف لكوارث الوطن..

إن الذى يجب أن يفهمه “بعيرة” أنه لن تتم مصالحة وطنية حقيقية ولن يعاد بناء ما تهدم في غياب أبنائه من رجال النظام السابق وأنصاره وعودة المهجرين والنازحين إلى أرض الوطن وإلى مساكنهم فالوطن للجميع وبالجميع وأمر لا يخضع للمزاج!

القضية ليست قضية تقلد منصب أو وظيفة ولا أعتقد يوجد بين رجال النظام السابق من لديه الرغبة في تقلد منصب أو وظيفة وأن يعمل وسط هذا الخضم العفن الذي يسوده الدم والفساد! ولكن القضية هي في الحقد والكراهية التي سادت المجتمع الليبي والتي تولّد عنها الفكر الإقصائي التخويني الذي جعل من الليبيين يُقصون بعضهم بعض ويُخوّنون بعضهم بعض ويعزلون بعضهم بعض ويقتلون بعضهم بعض!!

إن الدكتور “بعيرة ” يُريد أن يعيدنا على نقطة الصفر، لم نكن نتوقع أنه من دعاة قانون العزل السياسي..  رؤية “بعيرة” رؤية ارتيابية يريد من خلالها إقصاء رجال النظام السابق عن المشهد السياسي وتخوينهم وطنيا ووضعهم في دائرة الإتهام من منطلق الريبة والتخوين بما يزيد من حدّة الشقاق والتنافر بين أبناء المجتمع الليبي المأزوم!

الذى يجب أن يفهمه دُعاة العزل السياسي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص ولا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل فعل لم يكن القانون قد نُصّ عليه صراحة حين اقترافه، بمعنى أنه لا يجوز إدانة أي شخص بسبب ارتكابه أو الامتناع عن فعل لم يكن يعتبر وقت وقوع الفعل أو الامتناع ” جريمة يعاقب عليها القانون ” سواء في القانون الوطني أو الدولي! إن التكليف للقيام بمهام مشروعة أو تقلّد مناصب وظيفية إبان النظام السابق لم يكن جريمة يعاقب عليها القانون، وبالتالي لا المجلس الانتقالي ولا المؤتمر العام ولا السيد “بعيرة” يملك أي من هؤلاء أن ينشئ جريمة عن فعل لم يرد نص قانوني بتجريمه! فضلا عن كونه يتعارض مع ” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” حيث جاء في مادته الأولى: (يولد جميع الناس أحرار متساويين في الكرامة والحقوق..) وجاء في مادته الثانية: (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز..) فضلا عما تقدم: فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي.. فقد جاء في المادة   21الفقرة -ثانيا-: (لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد..) كذلك فإن المساواة في الحقوق هو أساس الحرية والعدل، والإنسان هو الرقم الأهم في معادلة الوجود، والسمة الأساسية للإنسان هي إنسانيته!

لذلك فإن التفكير بهذه العقلية المافيوزية الإقصائية تجاهل صارخ للميثاق العالمي لحقوق الإنسان وتجاوزا لمنطق الحرية والعدالة وإنسانية الإنسان هي عقلية متخلفة مافيوزية قامعة لحرية الإنسان! إن هذه العقلية المافيوزية المتخلفة قد شكلت عقوبة صارمة لكل الذين عملوا مع النظام السابق والذين احتسبوا عليه وتجاوزت الجانب المهني أو الوظيفي وتعدته إلى الجانب الأخلاقي والاجتماعي وما يترتب على ذلك من ضرر مادى ومعنوي يلحق بالمقصيين وأسرهم! ولقد تطرقت إلى هذا الجانب في مقالي: (شخصنة الوطن وإلغاء الآخر) الذى نشر في ديسمبر 2011 وكانت الضرورة الوطنية تستوجب في ذلك الوقت التركيز على موضوع العزل السياسي الجائر والتصدي له! ولكن الذي لم أتوقعه هو أن يُثار مُجددّا حتى بعد أن أسقطه “مجلس النواب” ومِمّن؟! من عضو “مجلس النواب وعضو ما يسمى بلجنة الحوار الوطني”!

أن القوانين في المجتمعات المتخلفة يضعها المتحكمين أو المسيطرين التي غالبا ما تُراعي مصالحهم وأطماعهم وعقائدهم السياسية! ومن أجل الوصول للسلطة والمال لا يتورعون عن الدوس على كل القيم الإنسانية دون رادع من ضمير!!

إن “العدالة حق مشروع للإنسان وليست منة شخصية من أحد” وهي من أكثر الموضوعات قدسة وشيوعا في السلوك الاجتماعي، فهي ترتكز على الإنصاف في الحقوق الفردية وصولا لبناء مجتمع سليم ينعم فيه أفراده بالحرية.. مجتمع يطبق فيه القانون وتتحقق فيه العدالة ويسوده الأمن والأمن والأمان..

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً