تأخر وقت الإصلاح الاقتصادي

تأخر وقت الإصلاح الاقتصادي

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

لم يعد بالإمكان الان الحديث عن فعالية او جدوي اي سياسات اقتصادية يمكن ان تنقذ الموقف المنهار تماما ، يبدو ان السياسات الاقتصادية والتي تشمل جملة من الأدوات النقدية التي يديرها البنك المركزي  والتي تهدف أساسا الي التحكم في مستويات التضخم والمستوي العام للأسعار عبر زيادة وتقليل عرض النقود ومعدل الفائدة والأدوات  المالية التي تقودها وزارة المالية عبر زيادة او تقليل الإنفاق العام والمتمثل في المرتبات والدعم وإقامة المشروعات العامة وصيانة القائم منها، وتحريك الإيرادات العامة عبر زيادة او خفض الإيرادات الحكومية مثل الضرائب والجمارك والرسوم الأخرى والأدوات التجارية والتي تقودها وزارة التجارة والاقتصاد عبر إقرار قواعد التجارة والاستيراد والتصدير والمنافسة والمناطق الحرة وآليات عملها وغيرها. والتي لابد ان تتكامل مع بعضها لتحقق الأهداف العامة لتلك السياسات والتي تقرها الحكومة وقد تتطلب مصادقة السلطة التشريعية لبعض أجزائها كإقرار قوانين جديدة او تعديل القائم منها. كل هذه السياسات الاقتصادية لم يعد بالإمكان ان تقدم حلا لما عليه الاقتصاد الليبي المستمر في الانهيار والسبب يكمن في تقديري في المجلس الرئاسي عبر أدواته القاصرة يحاول ان يحدث ثقب في الهواء بإقرار ميزانية عامة لمؤسسات اغلبها غير تابعة له ولا يستطيع السيطرة عليها اداريا لوجود سيطرة من نوع اخر، اما مليشياوية او قبلية او جهوية. وستكون كل محاولات الرئاسي محكوم عليها بالفشل المسبق وهو الذي يعتقد ان تحكمه بالأموال سيصنع له حصان طروادة ويخضع الجميع الي سلطته المالية، ولكنه سيكون ابعد عن تحقيق ذلك لوجود حالة من تحلل السلطة وضياع هيبة الدولة.

البنك المركزي طرابلس والذي لديه مفاتيح خزائن الأموال الليبية يراوغ المجلس الرئاسي في تنفيذ الميزانية ويتهرب من إقرار الموازنة الاستيرادية التي اقترحها ديوان المحاسبة بقيمة 15مليار دولار والتي وضع فيها ثلاث أسعار مختلفة لبيع الدولار، الاول للتوريدات والتحويلات الحكومية وهو بدون اي زيادة عن السعر الرسمي، والثاني لتوريدات التجار من السلع والمعدات بزيادة قدرها 120% والثالث لتحويلات ومشتريات المواطنين بزيادة قدرها 100% وارجاء اقرارها والخوض فيها  الي اجتماعاتهم القادمة تحت رعاية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وسفراء الدول الرئيسيّة الداعمة لمجلس الوفاق الرئاسي.

ولكنه فأجاء الجميع اقصد البنك المركزي وأرسل خطابا يعلن فيه انه قرر تخصيص 750 مليون دولار للتوريدات من السلع الأساسية للمواطن  بالسعر الرسمي باعتبار ان الحوار حول الميزانية الاستيرادية سيأخذ وقت طويل والمواطن لا ينتظر ولم يوضح كيف حدد البنك المركزي هذه المخصصات وكيف قسمها علي البنود المختلفة والتي بالتأكيد  ليست من صميم عمله، ولم يحدد  كيف سيوزعها علي المصارف التجارية او علي التجار حسب توزيعهم الجغرافي   ومن التجربة الفاشلة السابقة التي خصص فيها البنك المركزي موازنة لتوريد السلع في العام 2016 والتي كشف ديوان المحاسبة عن كارثة فساد نتنة بعمليات الاعتمادات المستندية، وها هي الكرة تعاد ولا شك   ان اللصوص الان يشحذون سكاكينهم  لهذه الوجبة الدسمة.

وفِي المقابل تجد ان حكومة البرلمان وبنكه المركزي يستمرون في بيع الوهم للمواطنين ويعدونهم بأنهم قريبا سوف يحلون مشاكل وازمات المواطن الذي ضاق ذرعا بهم وبكلامهم وبعجزهم.

كنت دوما ومنذ أكثر من سنتين انادي بتوحيد المؤسسات واقرار حزمة من السياسات الاقتصادية لمعالجة الخلل واعادة التوازن الي اقتصاد باتت تنهشه انياب مفترسة تبحث عن اي شيء تلتهمه.

لم أعد اري املا للحل الاقتصادي، الحل أصبح كسراب كلما اقتربنا ابتعد أكثر وأكثر. لن تجدي ترتيبات المجلس الرئاسي المالية ولا كرم ومرؤة البنك المركزي الذي أصبح يتعطف على الليبيين من وقت الي اخر وحسب المجاز.

لست متشائم، ولكن أساس المشكلة اننا جميعا نغمض اعيننا قصدا عن مكمن الداء، فإقصاء الاخر ورفض الحوار والتفاهم والجلوس الي بعضنا البعض ربما هو أكبر مشاكلنا، وايضاً البحث عن المغانم وما يصيبه كل منا في معركة اختلط فيها الحابل بالنابل.

ليس المخرج هو انتظار ان تصرف اموال الرئاسي ولا ما تبقى من النقود المطبوعة بدون توافق لدي المركزي البيضاء ولا اعتماد الموازنة الاستيرادية وصرفها من المركزي طرابلس، فأزمة مثل أزمة الكهرباء برغم كمية وعدد المحطات وإنتاج الغاز والوقود وقفت امام نَفَر قليل يقفلون صِمَام ولا يكترثون بعواقب الأمور. فالسلطة التي لا تفرض سلطانها لا حاجة لنا بها، والسلطة التي تستعطف من يقوم بالحرابة والبلطجة لا يمكن ان تبني او تعيد او تصلح الاقتصاد المنهار.

المال لابد ان يكرس الان لفرض السلطان وتوحيد المؤسسات ولا يهم من يكون المدير او المسؤول، إذا فقدت السيطرة على المؤسسات ضاع الوطن والمواطن.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

اترك تعليقاً