رحيل كوبلر وتعديل اتفاق الصخيرات

رحيل كوبلر وتعديل اتفاق الصخيرات

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

حتى الآن لا يوجد أي بديل في الساحة الليبية عن اتفاق الصخيرات، وبالرغم من تعثر آليات ذلك الاتفاق، وعمليات الشد والجذب والمماطلة والمناورة، من طرفي النزاع الرئيسين، وهما المؤتمر الوطني العام وخليفته مجلس النواب، الا ان الشأن الليبي يبقى معلقا على أعمدة ذلك الاتفاق، في انتظار اللحظة التاريخية الحرجة التي يتفق فيها الفرقاء بصفاء ومصداقية، ويقررون إعادة الحياة في جسم دولتهم التي انهكتها صراعاتهم المسلحة وغير المسلحة، وفوضى الانفلات الأمني وانعدام الانضباط التي يرعاها انقسامهم وتفرقهم.

لقد حاول كوبلر ان يفعل شيئا، بعد استلامه مهام البعثة الأممية لدى ليبيا خلفا لليون، لكنه فشل في تحقيق الحد الأدنى من التوافق بين الليبيين، فهو وان كان مندفعا راغبا في التوصل الى حل ينهي الانقسام الليبي، لكنه لم يتمكن من فهم وقراءة الحالة الليبية بعين الواقع، ويبدو انه اعتمد على تقارير مستشاريه من البعثة الأممية في ليبيا، الذين للأسف لم يقوموا بدراسة حقيقية للوضع الليبي، واكتفوا فقط بتلقي التقارير والمعلومات من مصادر بعضها يفتقد المصداقية، وأكثرها بدوافع منحازة لهذا الطرف او ذاك، وهذا ما ترك ضبابية وعدم وضوح اثرت سلبا على حقيقة الوضع الليبي التي بنى عليها كوبلر سياسته في التعامل مع الاحداث في هذا الشأن، ومن خلال مسيرة اكثر من سنة قضاها كوبلر مبعوثا امميا لدى ليبيا يمكن ارجاع اخفاقه للأسباب التالية:

  1. انطلاقه مرتكزاً على خبرته السابقة في مناطق أخرى من العالم، واهماله لاختلاف ثقافات الشعوب حال دون استقرائه عن كثب لحقيقة الوضع الليبي.
  2. اعتماده بشكل كبير على رؤية مستشاريه، الذين لم يكونوا قادرين على فك شفرة التعامل مع الوضع الليبي، واستندوا في كثير من تعاملهم على معلومات غير دقيقة وتفتقد المصداقية، حيث كانت مصادرها بعض الأطراف الليبية الغير مؤهلة بإدراك حقيقة الأمور، لعدم معايشتها الحقيقية للواقع الليبي، بل ان البعض كان يجيّر المعلومات لصالح ذلك الطرف او هذا لأغراض ذاتية بعيدة عن النزاهة والمصداقية.
  3. إفراطه في اتباع سياسة الباب المفتوح، في محاولة منه للتواصل مع كل الأطراف، ما اوقعه في تجاوزات قانونية واخلاقية بالمفهوم السياسي، عندما توجّه الى المدعو إبراهيم الجضران في مقره، واجتمع معه وهو لا يحمل أي صفة شرعية ولا قانونية لا رسميا ولا اجتماعيا، كونه خارجا عن القانون والشرعية بتعطيله لتدفق ثروة البترول المصدر الأساسي لقوت الليبيين!
  4. عجزه بالنتيجة عن تحريك الوضع الليبي في اتجاه التفعيل الإيجابي، لرفض البعض التعامل معه، بل يمكن القول انه أصبح عثرة في طريق التوصل الى وفاق ممكن بين الأطراف!

لهذه الأسباب وغيرها كان لابد ان تكون النتيجة رحيل كوبلر، ولهذا قرر الأمين العام للأمم المتحدة استبداله بآخر، وهو الذي يفترض ان يستلم مهامه خلال شهر مارس القادم، لقد بات في حكم المؤكد ان تجرى بعض التعديلات على اتفاق الصخيرات حتى يمكن الدفع بالعجلة الى الامام وتحريكها من حالة المراوحة والدوران الى حالة الانطلاق، ان ذلك يعني لملمة الوضع الليبي بما يحقق الحد الأدنى من التوافق المطلوب، لتفعيل العمل بما تضمّنه الاتفاق، الذي تجمّد بعد مضي اكثر من سنة، ان التعديلات ستشمل بالدرجة الأولى، إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وقد يكون من رئيس ونائبين حسب ما ورد في المسودّة الرابعة، كما تشمل التعديلات أيضا تحديد واضح لتبعية الاجسام السيادية وخاصة قيادة الجيش العليا والتي تتجه التكهنات بأنها ستكون ثلاثية الابعاد، بمعنى ان تشمل الاجسام الثلاثة المنبثقة عن الاتفاق وهي، مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي، واغلب الظن انها ستكون بهيئة رئيس يمثله رئيس البرلمان ونائبين للرئيس يمثلهما كل من رئيس مجلس الدولة ورئيس المجلس الرئاسي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً