محاولة لانتشال الاقتصاد الليبي

محاولة لانتشال الاقتصاد الليبي

مؤشرات مزعجة تحمل الكثير من التحذيرات عن تفاقم الوضع الإقتصادي الليبي الذي يعد على شفا الانهيار، فالليبيون اليوم يعيشون أسوأ أزمة إقتصادية منذ أربعة عقود ونيف والخطر الاقتصادي أصبح محدقاً بالوضع المعيشي للمواطن الليبي من كافة الاتجاهات وخصوصاً الاجتماعية منها والأخلاقية، والأزمة تتعاظم أكثر فأكثر مقارنة بهيكلة الإقتصاد الليبي الذي تكاد تنعدم فيه القاعدة الإنتاجية لتنحصر فقط في نشاط إقتصادي شبه وحيد وهو استخراج وتصنيع النفط الذي يعد المصدر الرئيسي للدخل والعملات الصعبة.

وكون أن الإقتصاد الليبي هو في الأساس إقتصاد مفتوح ونامي وينفرد بصغر حجم السوق المحلي المرتبط بضاءلة حجم السكان وعدم فعالية عنصر الإنتاج كمياً ونوعياً بحيث تشكل إيرادات النفط نحو 96% من الإيرادات العامة للدولة، بالإضافة إلى عدم إستقرار وكفاءة السياسات الإقتصادية للدولة وخاصة التنموية منها وهيمنة القطاع العام على مجريات الأنشطة الاقتصادية الحيوية محلياً، وبالتالي فإن ليبيا تعتمد اعتماداً كلياً على التجارة الخارجية تصديراً واستيراداً لتلبية الحاجيات والمتطلبات اليومية للمستهلكين على جميع فئاتهم.

فكان من البديهي أن تتفاقم الأزمات المعيشية لليبيين خلال ثلاثة السنوات الأخيرة علي خلفية الاضطرابات الأمنية التي صاحبها تدهور سياسي واقتصادي للبلاد لتواجه ليبيا أسوأ أزمة مالية واقتصادية خانقة وخسائر فادحة في مصدر دخلها الوحيد وهو النفط، وأصبح الإنفاق الحكومي إنفاق إستهلاكي ينحصر فقط في مجال توفير الدعم والمرتبات بينما الشق التنموي لم يصرف عليه شيء مع النزيف المستمر من حساب الإحتياطي الذي هو في الأساس حساب ينمو من إستقطاع أموال مجنبة من عائدات النفط لإستخدامها في أوقات الأزمات الاقتصادية كتعويض النقص في العوائد الناتجة عن إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية مثلاً .

فليبيا هي بحاجة الآن دون تأخير لكيلا نحصد نتائج كارثية لا تحمد عقباها تهدد الأمن والسلم الاجتماعي إلى السير على نهج استراتيجيات ثلاثة لا مناص عنها وهي:

  • استراتيجية استعجالية طارئة (انتشالية) لتخفيف معاناة المواطن الليبي في الداخل والخارج اقتصاديا قصيرة الآجل (3 – 9) أشهر.
  • إستراتيجية إصلاحية محددة الأهداف ومدروسة النتائج تهدف إلى تنفيذ إصلاحات شمولية داخل المؤسسات الاقتصادية للدولة على مختلف الأصعدة: القيادية، الثقافية، المهنية متوسطة الآجل (6 – 18) شهر.
  • إستراتيجية تنموية شاملة لإنعاش الاقتصاد الوطني والعودة به إلى وضعية الاستقرار وتخفيف الاعتماد المخيف على واردات النفط تكون طويلة الآجل (6 – 36) شهراً.

كما أنه يمكن القول بإن المرحلة تتطلب القيام بإجراءات وتدابير جريئة للتعامل مع الوضع الإقتصادي المتردي حالياً تهدف إلى انتشاله وإنعاشه قدر الإمكان وبكافة السبل والإمكانيات المتاحة في استراتيجية استعجالية طارئة لتعود زمام السيطرة المطلقة للدولة وأجهزتها التنفيذية وفق آليات عملية لرؤية خماسية الأركان تتضمن الآتي:

أولاً: مواجهة تكاليف الدولة الاقتصادية والبشرية وإعادة الأمن والخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلاد لخلق طمأنة نسبية وتمهد لبداية توطيد الثقة في الحكومة المتفق عليها، مع العمل بجدية لتوحيد المؤسسات السيادية للدولة الاقتصادية والمالية.

ثانياً: تسخير موارد الدولة النفطية بنجاح وإنشاء نظام شفاف ذو حدين محلي ودولي لمنع الصراع عليها وتجنيبها أية أضرار تحول دون الإستمرار في إنتاج وتصدير النفط.

ثالثاً: حشد الفرص لتعاون دولي وإقليمي لوضع وتنفيذ خطط استراتيجية فعالة لإنعاش الاقتصاد الليبي على المدي القصير، والبدء داخلياً في تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة للتغلب على تركة السياسات الاقتصادية للحكومات السابقة والتي اتسمت بالاعتماد المفرط على إيرادات النفط والسحب من الاحتياطي المركزي للدولة.

رابعاً: معالجة اختلال النقص في التعليم التقني والتدريب المهني من خلال إشراك الجهات التابعة للمؤسسة الليبية للإستثمار لتقديم فرص حقيقية لسد العجز المهني لموظفي القطاعات الإقتصادية داخلياً التي لها تأثير مباشر في مداخيل الدولة المالية.

خامساً: رسم استراتيجية واضحة ومحددة المعالم تهدف إلى التوظيف الأمثل لعوائد النفط لتوسيع القاعدة الإنتاجية للدولة نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط.

ينبغي علي الحكومة التي تسعي بجدية حالياً لإثبات وجودها وفعليتها في إنتشال وإنعاش الأوضاع الاقتصادية المتردية داخل البلد وضع أُطر عامة جديدة لسياسات مالية تؤسس على فهم وإدراك سليم ومحاكاة منطقية لوقع الدولة ومؤسساتها الاقتصادية في ظل الإنقسام المؤسسي الحاصل والذي ساهم بشكل كبير في تردئ الخدمات الأساسية للمواطن،  خصوصاً وأنه حسب التوقعات المالية الصادرة عن بيوت الخبرة والاختصاص المحلية والإقليمية أن إيرادات النفط الليبي خلال هذا العام 2017 ستكون في حدود 18 مليار دولار والتي ستؤثر تأثير كبير وفارق في الوضع الاقتصادي الداخلي للبلد بالإضافة إلى ما سيفرج عنه جزئياً من أموال مجمدة لأرصدة بنكية لمؤسسات ليبية لدى البنوك الأوروبية المهتمة بالشأن السياسي والاقتصادي الليبي في حل الوصول إلى حل سياسي توافقي داخلي للأزمة الراهنة.

وخلاصة القول أن ليبيا تحتاج إلي تنفيذ منظومة إصلاحات شمولية داخل مؤسساتها الاقتصادية المحلية والخارجية بالبدء في توحيد مؤسساتها السيادية الاقتصادية منها والمالية وتلك التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصالح المواطن الليبي، والعمل سريعاً على إصلاح وترميم ثقافة قيادة هذه المؤسسات وبناء قدراتها بناءاً صحيح بعيداً عن المحصاصات المناطقية والجهوية مرتكزةً فقط علي القدرة المهنية والعلمية في مواجهة الأزمات و كيفية التعامل معها، وكرؤية شخصية بحثية من الممكن أن تساهم بشكل كبير في إنتشال الوضع الإقتصادي المنهار للدولة والسعي لإنعاشه في خطوات محددة الأهداف ومدروسة النتائج تلخصت لدينا في الآتي:

أولاً: تشخيص واقعي منطقي بعيداً عن الآمال والطموحات البراقة يُبني على محاكاة علمية مهنية للواقع لتحديد بنية هيكلة الأزمات التي يعاني منها الإقتصاد الليبي الحالي من خلال فريق مختص مهني متمرس ملم بمجريات الأحداث داخل البلد وفق إطار زمني مناسب وصلاحيات محددة تتناسب وطبيعة المرحلة.

ثانياً: فرز الأزمات الاقتصادية وتجزئتها إلى انتكاسات جزئية مصنفة إلى: انتكاسات سياسية (ديمُقراطية)، انتكاسات اقتصادية، انتكاسات مالية، انتكاسات اجتماعية، انتكاسات ثقافية، انتكاسات أمنية، انتكاسات تعليمية، انتكاسات صحية، انتكاسات إنسانية، ويجري تقييمها من ناحية فعالية التأثير وجدوى الحل عبر فرق فرعية مختصة أيضاً ومتمرسة في كل قطاع من قطاعات الانتكاسات، ليتم تحديد الأولويات العلاجية لها وفق ما هو متاح كل إنتكاسة على حدة.

ثالثاً: تقدم آليات وسُبل معالجة كل انتكاسة ومدي تأثيرها على المواطن بما يتلاءم والإمكانيات والبدائل المتاحة للدولة تكون مبرمجة في خطط زمنية قصيرة أو متوسطة الآجل بحيث تعطي ثمارها في مدة قياسية يتغير معها الوضع الحالي إلى وضع أفضل ولو نسبياً، فالمواطن الآن محتاج إلى قشةً يتمسك بها لتعبر به ولو بطيئاً إلى بر الأمان.

رابعاً: التنفيذ الجدي والصارم من قبل أذرع الدولة التنفيذية للآليات والسبل التي تعالج كل انتكاسة دون النظر إلى مكاسب فردية أو مكاسب سياسية تقف حجر عثرة أمام تخفيف معاناة المواطن الاقتصادية والمالية بالدرجة الأولي حتى نتمكن من ملامسة تغير إيجابي في الحياة المعيشية داخل البلد حتى ولو كان قيد أنملة تتعاظم نتائجه وفق جدولة زمنية تزداد فيها ثقة الشارع في مؤسساته المسؤلة أمامه عن حالته اليومية.

خامساً: إنتهاج سياسة المتابعة والتقييم المستمر لخطوات معالجة الانتكاسات للسيطرة على إي إنحراف أو خلل يشوب دون تحقيق الأهداف المنشودة وتفتيته للقضاء عليه بالقوة الناعمة، ولعل من أهم تلك الأهداف معالجة الإنتكاسة الإقتصادية المتمثلة في تقديم الخدمات الأساسية للمواطن الليبي بمختلف فئاته وتوجهاته.

ويظل ما تقدمنا به مجرد رؤية تناسب البعض وقد لا تناسب البعض الآخر..

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً