تعديل سعر صرف الدينار بين الواقع والممكن

تعديل سعر صرف الدينار بين الواقع والممكن

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

ماذا يعني تعديل سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية؟

يشتد الصراع والتجاذبات حول تعديل سعر الصرف للدينار الليبي في ظل تردي قيمته في السوق الموازي وعدم قدرة البنك المركزي على مواجهة الطلب عليه، وأودّ أن استعرض مسالة تعديل سعر صرف الدينار من عدة أوجه:

التعديل من وجهة نظر البنك المركزي:

تعديل سعر الصرف يعني الحاجة الي تعديل ميزان المدفوعات والذي يكون سالب بمعني ان قيمة الواردات أكثر من الصادرات ويكون هذا العجز متراكم لعدد من السنوات، فيكون تعديل سعر الصرف حتى تكون كمية الدينارات التي يقاس بها الدولار أكثر من السابق. كما ان انهيار أسعار الصرف بالسوق السوداء وتحكمه بسعر الصرف وضعف قدرة البنك المركزي على مجابهة الطلب العالي على العملة الأجنبية يقود للتفكير في تعديل سعر الصرف في الظّروف الاعتيادية.

تعديل سعر الصرف يعني ان البنك المركزي سوف يطلب دينارات أكثر لبيع الدولار وهذا ينعكس على الموازنة العامة للحكومة بزيادة تكلفة الواردات الحكومية من الخارج بمعني زيادة الإنفاق العام.

ومن ناحية اخري يعني زيادة تكلفة الواردات الغير حكومية والتي تنعكس بالإضافة الي الواردات الحكومية في ارتفاع الأسعار وبالتالي زيادة معدل التضخم وخصوصا مع وجود القرار الجديد القاضي برفع الرسوم الجمركية بنسبة 100% والتي لم يراعي فيها الصناعات المحلية ولا الاتفاقيات الدولية ولا القوانين التي تمنح بعض الاعفاءات وربما علي ارض الواقع لن يجد طريقه للتطبيق وقد تعترضه إجراءات قانونية تطيح به.

لذلك يطلب البنك المركزي من الحكومة إقرار برامج اقتصادية مثل إلغاء الدعم او استبداله بدعم نقدي مباشر، وترشيد الإنفاق العام للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم المصاحبة لا ارتفاع معدلات البطالة، خصوصا ان البنك المركزي الليبي غير قادر علي التحكم في عرض النقود عبر استخدام معدل الفائدة كونه معطل، لذلك يلجأ الي الخيار الوحيد المتاح وهو استخدام سحب النقد المحلي عبر بيع الدولار في محاولة لا إرجاع جزء من النقد المتواجد خارج الإطار المصرفي.

ارتفاع النفقات العامة الحكومية يعني حدوث العجز في الموازنة العامة والتي في الوضع الليبي الحالي ليس لها حل الا عبر تدخل البنك المركزي وتمويل العجز وذلك يعني ان عليه التصرف في جزء من احتياطياته بالعملة الأجنبية وتحويلها إلى دينارات للحكومة أو أن يقوم بطباعة أوراق   نقدية جديدة ويتوسع في عرض النقود وهذه مشكلة أكبر.  فالإيرادات العامة تأتي من بيع النفط في الغالب وهي بالدولار والبنك المركزي يضع هذه الإيرادات في حساب الحكومة لديه بسعر الصرف الجاري بالدينار ويحتفظ بالدولار ليبيعه لمن يريد لتوفير الدينارات اللازمة لتغطية حساب الحكومة.

تعديل سعر الصرف يعني ان المركزي سيوفر الدولارات لمن يريدها بالسعر الجديد والذي غالبا ما يقترب من سعر السوق الموازي وهذا يعني انه في ظل أزمة السيولة الخانقة الحالية وتركزها خارج البنوك، فان الإقبال على شراء وتحويل الدولار سيكون شديد وربماسيحتاج البنك المركزي لضخ كميات كبيرة لتلبية الطلب على العملة الأجنبية وفِي ظل محدودية الإيرادات السنوية من النفط يعني السحب من الاحتياطي الذي أصبح أكثر ضعفا من قبل.

وبالتالي تعديل سعر الصرف بالنسبة للبنك المركزي ومقابلة الطلب عليه سيكون صعب دون وجود قيود على الشراء، كما ان القول ان ذلك يحل أزمة السيولة قد يكون غير دقيق، فكلما عرضت دولارات سيدخل للبنوك دينارات ولكن سيتم اعادة تدوير الدينارات مرة أخرى في شكل نفقات عامة الي الطلب مرة اخري على الدولار ويستمر دائما الطلب على الدولار مالم تستقر الأوضاع الاقتصادية بشكل عام وتكون اليات السوق تعمل معاً.

تعديل سعر الصرف من وجهة نظر التجار:

تعديل سعر الصرف بالنسبة للتجار يعني تلبية طلبهم من العملة الصعبة والقضاء علي اي برنامج حكومي لدعم للسلع وغيرها وبالتالي يقضي علي التشوهات واحتكار القطاع العام لتوريد بعض السلع ، ويفتح أمامهم الباب مشرعا لتوريد ما يريدون ودون خوف من منافسة القطاع العام ، بل القضاء على القطاع العام الانتاجي والخدمي المترهل بتكدس الموظفين العموميين به، كما انه يكشف قدرة القطاع الانتاجي والخدمي شبه الحكومي ويجعله غير قادر على المنافسة مع القطاع الخاص ويخرج من دائرة الانتاج إلى البيع والتخلص منه لصالح القطاع الخاص لاحقا، وذلك يحدث دون وجود قواعد اقتصادية مستقرة وسياسات اقتصادية واضحة ترسم علاقة واضحة بين الأطراف المتداخلة في الحياة الاقتصادية وتراعي العواقب الناجمة من التغيير الحاد دون وجود سياسات وآليات للحماية الاجتماعية والعدالة.

يقترح طيف واسع من التجار والمهتمين مسالة تحويل الدعم الي دعم نقدي مباشر للمواطن سواء للسلع الغذائية او للمحروقات وربما حتى الكهرباء وهذا جيد ولكن مالم يكن لدينا نظام مستقر وبرنامج لخصخصة القطاع الحكومي وشبه الحكومي سيكون هناك صعوبات كبيرة وسيكلف الدولة أموالا لتغطية عجز القطاع الحكومي وشبه الحكومي الصناعي والخدمي والتجاري. كما أن آليات حماية المستهلك وقوانين وقواعد المنافسة بين أطراف القطاع الخاص تحتاج إلى ترتيب وتطوير لضمان العدالة والحفاظ على حقوق الدولة، فتخلي الدولة عن دعم هذه الأنشطة وترك المجال للقطاع الخاص يتطلب تنظيم وتطوير النظام الضريبي والجمركي والأداءات والرسوم المحلية المختلفة وسبل الجباية على مستوى الدولة وعلى المستوى المحلي، فسياسة الاعفاءات وتحفيظ معدلات الضريبة في السابق لغرض تحفيز الاستثمار لن تكون مفيدة في الظروف الحالية.

لا شك أن الفساد المستشري في ظل ضعف قدرة الدولة ومؤسساتها المالية والرقابية والقضائية يلقي بثقل كبير جدا إضافي على ابقاء سعر صرف الدينار بدون تغيير وهذا ما ينادي به طيف واسع.

ولكن يبقي السؤال الأهم هل تعديل سعر الصرف يأتي قبل اعادة التوازن للاقتصاد عبر وجود حكومة واحدة قادرة علي فرض سيادة الدولة أم أنه أصبح السبيل الوحيد الممكن حاليا في ظل تلاشي دور وقدرة الحكومة على القيام بأي برنامج اصلاحي واسع يعمل على تحريك عجلة الاقتصاد الحقيقي المعطل؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

اترك تعليقاً