بين الستة والأربعين

بين الستة والأربعين

تمر بنا هذه الأيام ذكرى ولا كل الذكريات، ذكرى غيّرت مجرى الأحداث، ذكرى لم تكن في حلم الأحياء ولا الأموات، ذكرى قلبت الموازين في الوطن، ذكرى رفعت غطاء الخوف والبطش عن الجميع فانقشع الغبار وبان ما في الدار وما كان مخفيا خلف الستار، فيا لها من ذكرى لمن أراد الاعتبار.. هكذا هي ثورة شعب قام من جرّاء ما مورس عليه من ظلم واضطهاد وتجويع وانكسار وانهيار في سنين حالكات.

ولأننا كنا نحلم بوطن تعلوه الحرية والعدالة شارك أغلب الشعب بجميع فئاته وانتماءاته فالجميع توّاق للحرية والعدالة والتقدم والازدهار تحت ظل حكومة أو نظام يرعى جميع الليبيين دون النظر لانتماءاتهم ولا إلى قبائلهم ولا لنفوذهم، يرعى الجميع من شارك في الثورة ومن لم يشارك، من ساند الثورة ولزال ومن كان ضدّها، يرعى جميع الليبيين لأن الجميع أبناء هذا الوطن ولا يستطيع أحدٌ أن يقصي أحدا فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات. هذه هي الثورة التي شارك فيها أغلب الليبيين وهذا هو الهدف الذي نسعى إليه ويجب أن نستمر للسعي في تحقيقه.

لا شك أن الأهداف من قبيل الحرية والعدالة والمساواة وغيرها نقول آسفين لم يتحقق منها شيئا خلال فترة الست الفائتات بل نقول آسفين غير نادمين أن الوضع انحدر إلى أسوء مما كان عليه في جميع المجالات؟؟؟ ولأن الأمن هو الأساس في بناء الدول وراحة المواطن الذي من أجله تقوم ويقوم كل شيء، نقول بأن الصبغة السائدة الآن هي انعدام الأمن وانتشار الجماعات المسلحة التي لا يسيطر عليها أحدا وإن ادعت بعضها أنها تتبع الجيش أو الشرطة. الصبغة السائدة هي الخوف من المجهول الذي يشمل الخطف والابتزاز “ممتلكات وأموال” والتعذيب والقتل، فكيف لا يخاف المواطن وهو لا يدري حين خروجه من بيته أيرجع إليه أم لا يعود، كيف لا يخاف المواطن وهو يموت لأتفه الأسباب يموت وهو أمام مصرف في طابور مخز لكل مسئول عنيد لأن أحد أفراد الجماعة المسلحة التي تفرض سيطرتها على المصرف يفقد سيطرته على نفسه فبعد أن يلقى ويسمع المواطن السب والشتم ومن الألفاظ ما يندى له جبين الشائب والوليد يصاب برصاصة طائشة ترديه قتيلا!!! كيف لا يخاف المواطن وهو لا يدري أيرجع بسيارته أم تأخذ منه عنوةً وأمام أعين الجميع من قبل جماعات مسلحة ليس عليها رقيب ولا حسيب تصول وتجول في البلاد حتى أنها أصبحت تطلق على من يموت منها إنه شهيد، ألا إنه أمر عجيب!!!؟؟؟ فلا نريد المزيد فالجميع يعرف المعاناة.

أما الذين يريدون جرّنا للخلف فنقول ما قال الله تعالى: “وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” النساء: 58، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول الحق وإن كان مرا، فنحن خُلقنا أحرارا وما زالت كلمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تصدع أسماعنا فتلهمنا وهو القائل: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”، فالعبودية لغير الله مذلة ونحن نرفض العودة للذلة والمهانة التي كنا فيها. لقد حكم أربعين سنة ويزيد وهي مدة كفيلة لرئيس بأن يوضع بلاده في صفوف الدولة المزدهرة المتقدمة، أليس كذلك؟!  فانظروا إلى شوارع عاصمتنا طرابلس التي كان يعيش فيها ويراها رأي العين وغيرها من المدن وهي كلها حفر وممتلئة بالقمامة والأوساخ؟! بلدية. ألم يكن المواطن يسافر لمصر وتونس والأردن للعلاج حتى من أبسط الأمراض، ألم تخلوا المستوصفات والمستشفيات من الأدوية وغيرها من المستلزمات الصحية؟! صحة. ألم نكن نستورد تقريبا كل شيء من المنتجات نتيجة السياسة الرعناء التي يسأل عنها رئيس الدولة في المقام الأول، تجارة، زراعه، صناعه؟! هل كنتم تستطيعوا التعبير عن أفكاركم وأراءكم باستقلال وحرية كما تفعلون الآن؟! أما عن التعليم وهو الأساس فحدث ولا حرج من الابتدائي إلى الجامعة وما بعدها فتدميرٌ شامل؟؟؟!!! وغيرها كثير، فما لكم كيف تحكمون؟؟؟!!

بين الستة والأربعين ما زال الشعب يعاني الأمرّين فهما أمران أحلاهما مُرُّ، فمتى يستيقظ أقطاب القوة العسكرية والسياسية في وطننا من هذا التعنت والتعصب والعمى وحب الذات؟! ومتى يعي هؤلاء أن الذين قدّموا أنفسهم وما يملكون لم يقدموه من أجلكم ولكن من أجل الوطن؟! متى يعي هؤلاء أننا لا نريد العودة لحكم العسكر ولا نريد أن يحكمنا أنانيٌّ مهووس مريض لا يرى إلا نفسه؟! بل نريد حاكما قويا أمينا يراعي مصالحنا ويحفظ حقوقنا ويخاف الله فينا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

نوري الرزيقي

كاتب ليبي

اترك تعليقاً