في ذكرى 17 فبراير، رسالة إلى وطن يتعافى

في ذكرى 17 فبراير، رسالة إلى وطن يتعافى

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

تطل علينا الذكرى السادسة لانتفاضة 17 فبراير، والقوم من هول الصدمة سكارى وماهم بسكارى! فبين نشوة جامحة، يعيش مريدوها مفتونين بحب التسلط وهمجية الحرية المطلقة، وبين حسرة يلفها ندم عميق، يعيش مريدوها زمن متاهة لا قرار له!، ومن ثنايا هذا الواقع لا يمكن لمواطن عاش اجداده وإباؤه ويعيش هو الآن على أرض وطنه المعطاء، ان لا يستشعر الاخطار التي تحدَق بوطنه وشعبه، ولأني مواطن ليبي ينبض قلبي حبا لوطني المغدور، افتخر بانتمائي لهذه الارض الطيبة، الارض التي تفتحت عيوننا على طيف طبيعتها الزاهي، في جبالها وسهولها، هضابها ووديانها وشعابها، شواطئها وصحاريها ، وعانقت ابصارنا زرقة سمائها وهي صافية، وغيومها وهي مكفهرَة.. هذه الارض التي تنفسنا عليل هوائها، وتنسَمنا عبير عطرها، فهي التي لنا ولأولادنا ولأحفادنا اما رؤوما حاضنة، ونبعا لا ينضب بالخير رقراقا، هي الطيب، رضعنا حبها عطفا وإخلاصا نتوارثه جيلا عن جيل.

هذا الوطن، كيف لا نستشعر ما يواجهه اليوم من محن وصعاب؟!  ولا نحس ما يلحق به من اذى يعتصر القلوب؟!، وجحود من بعض بنيه فاق العقوق!، لقد استشعرنا خطر وحجم التحدياَت بعد انتفاضة فبراير، وكان الأمل كبيرا أن يقف الجميع موقفا وطنيا صادقا بعيد انتهاء النظام السابق مباشرة، فيكون ميعاد الاعلان عن انتهائه، هو نقطة الفصل بين ماض ولَى وانتهى، وحاضر جديد يخطو الى المستقبل الواعد حثيثا مسرعا، لكن من قفزوا واستغلوا نشوة التغيير، كانوا لأمالنا بالمرصاد!، أولئك الذين في زحمة الاحداث تسلَلوا، والى مواقع السلطة وصنع القرار تسلّقوا!! وعلى مصادر القوة استحوذوا، ثم شرعوا يكونون فيالقهم الخاصة من الميليشيات المسلحة، تحت مسمَيات برَاقة بسم الثورة، فتوزَعت الأدوار من اجندات دينية اسلامية، الى اجندات قبليَة الى اخرى جهويَة ومناطقيَة!، وكلها منحت الشرعنة الصوريَة في مرحلة المجلس الانتقالي الهزيل وخليفته المؤتمر العام العابث الانتقامي.!

ولقد ساعدهم في تنفيذ اجنداتهم الخبيثة، تلك الاعداد الهائلة من القوة الشبابية، التي كانت تعيش حالة من البطالة والتهميش!! فقبلت الانضمام إليهم طلبا للرزق وطمعا، من خلال مرتبات ومكافئات تسيل اللعاب، افتقدوها خلال عقود! أجل فحماسة الشباب وتوقهم للعيش في حال أحسن، جعلهم يتدافعون لشغل تلك الوظائف العسكرياتية ليجدوا أنفسهم وقد زج بهم في متاهات الحروب الثأرية والانتقامية بين أبناء الوطن الواحد، تلك الحروب والمعارك الدامية التي راح ضحيتها الالاف بعد ما تم اعلان اسقاط النظام السابق، ما كان لها ابدا ان تكون لو كان في الساسة وارباب السلطة العبثية ذرة من وطنية!، تلك الحروب التي خلفت جروحا نازفة المّت بالنسيج الاجتماعي ووسّعت من ثقوبه الدامية فأخرت بذلك الشفاء والتعافي وضاعفت التكاليف!

ان مسيرة ست سنوات من العبث والفوضى كفيلة بأن تخلق وعيا جمعيا للشعب الليبي ونخبه، على مختلف اطيافها لتنطلق في مرحلة جديدة من التغيير الإيجابي، نحو إعادة اعمار ما خرّبته تلك السنون العجاف، وبداية إعمال التفكير، الباعث للنظر الى ما هو ابعد من الماضي والحاضر، فلم يعد ممكنا ان تتغوّل مدينة او قبيلة وتحتكر السلاح، وأن تتكاثر الميليشيات المسلحة وتفرّخ، تحت اغطية من القبلية والجهوية والعقائدية، فذلك هو الانحراف التنظيمي ، الذي آن وقت تصحيحه، بعزيمة الشعب وإرادة المخلصين، اذ يحضر تماما ان تتعدد المسئوليات الامنية وينتشر السلاح، خارج منظومتي الجيش والشرطة في دولة واحدة.

لقد أوجبت علينا نتائج سنوات الفوضى الشروع في مرحلة جديدة من التفكير بعين الوطن، بعد تضحيات بشرية وماديّة جسيمة ما كان لها ان تكون! لقد فرضت علينا تجربة تلك السنين المريرة وشدة المعاناة وضنك العيش صحوة، وان كانت متأخرة، مسنودة بإجماع دولي على ضرورة وحدة واستقرار ليبيا، في تقاطع للمصالح كان بمثابة “الرمية بغير رام”، ستثمر الجهود المخلصة بحول الله، وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ وطن شارف على الانهيار، يقودها الاوفياء لليبيا الوطن والشعب، فاستعدوا وابشروا أيها الليبيون، فالوطن ينهض ويتعافى.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً