هل ينقذ تعديل سعر صرف الدينار الأوضاع في ليبيا؟

هل ينقذ تعديل سعر صرف الدينار الأوضاع في ليبيا؟

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

يبدو ان بعض التجار يريدون من رفع سعر الصرف الي المستوي الذي اقترحه رئيس مجلس ادارة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة بأربعة دينارات للدولار ان تتوقف عملية التحديد الكمي لبيع الدولار من المصرف المركزي ، وان ينفذ البنك المركزي اي عملية شراء بالسعر الجديد ، فالتاجر يعرف انه الان يقيس الأسعار حسب سعر السوق السوداء وليس حسب السعر الرسمي ومن يورد السلع او المواد الخام بالسعر الرسمي يبيع السلع بسعر متوسط بين السعر الرسمي والسعر الموازي تحوطا لعدم حصوله علي اعتمادات من المصرف المركزي لأي سبب كان .

الدفاع الذي يساق في هذا الوضع ان علي الدولة تحويل الدعم الوحيد المباشر في الوقود الي دعم نقدي مقابل رفع الأسعار رسميا وصرف علاوة العائلة المعطل صرفها ولكن رفع الدعم عن الوقود يعني زيادة أسعار الوقود للمواطن والصناعة علي حد سواء ويعني رفع أسعار الكهرباء والنقل، وقد يكون قاسي علي المواطن في المناطق النائية اكثر من المناطق الساحلية، وفِي ظل انعدام قدرة شركة الكهرباء علي توفير خدمات مناسبة وتعثرها بسبب ما تتعرض له الشبكة من تخريب او سرقة سيكون موضوع تحصيل رسوم خدمات الكهرباء امر شبه مستحيل.

تعديل سعر الصرف رسميا يعني تعديل المستوي العام للأسعار ورفعه هذه المرة الي أضعاف مضاعفة بالتأكيد انها ستمتص اي قيمة نقدية يمكن ان تعطي للمواطن كبديل للدعم، وبالتالي قد لا تجدي هذه الفكرة البسيطة في إنقاذ المواطن من براثن الأسعار في السوق واسعار الوقود واسعار الكهرباء. ودعونا نوضح الامر بشكل أكثر عملية: مقدار دعم الوقود هو 6 مليار دينار محسوب علي أساس سعر الصرف 1.4 دينار للدولار بقيمة 4.30 مليار دولار، تعديل سعر الصرف الي مستوي 4 دينار للدولار يعني ستكون التكلفة للدعم 4.3 مليار دولار مضروبة في 4دينار وهي تعادل 17 مليار دينار ليبي والمواطن هنا سيحصل على قيمة 6 مليار دينار موزعة بالتساوي كبديل نقدي وليس 17 مليار فهل ستكفي لتغطية التزاماته الجديدة؟ وماذا عن زيادة أسعار الكهرباء واسعار النقل الجوي والبري والتي حتما ستكون أعلي أربع مرات من الأسعار الحالية!!!!

لا شك ان هناك اهدار للأموال والموارد في ليبيا سواء بوجود الدعم او بدونه، فالحل لا يكمن في ضربة سحرية واحد (تعديل سعر الصرف وتعويم الدينار) تعالج كل المشاكل الموجودة وخصوصا الإهدار والفساد الذي سيكون مستمرا ويقضي علي ما تبقي حتي مع رفع الدعم.

إذا ما حدث تعديل لأسعار الصرف لن يتمكن المصرف المركزي من تلبية اي طلب على العملة الصعبة مهما كان حجمه فذلك يعني اهدار للاحتياطيات في ظل الحالة الراهنة والفساد المستشري فيها وخصوصا ان هناك احتياجات حكومية تقدر ب 6 مليار دولار وهناك احتياجات رأسمالية لتطوير قطاع النفط والغاز والكهرباء ومياه الشرب تتطلب وجود غطاء كافي من العملة لمواجهة التردي الحاد لهذه القطاعات الان ومستقبلا هي غير مدرجة وغير محددة.

وإذا تم تعديل سعر الصرف فذلك يعني ان الحكومة عليها توفير مزيدا من الإيرادات المحلية لتغطية  الزيادة في الإنفاق بسبب تعديل سعر الصرف و زيادة العجز المتفاقم والمخالف القوانين عبر زيادة معدلات الضريبة علي القطاع الخاص وعلي المرتبات للموظفين وبالتالي ما سيعطي للمواطن من بدل نقدي  بيد سيأخذ منه باليد الأخرى وزيادة ، كما ان الفاتورة ستكون مرتفعة على القطاع الخاص التجاري والصناعي والخدمي بسبب زيادة الضرائب النوعية علي الدخل والضريبة العامة للدخل وغيرها من الرسوم التي تحتاج الي زيادة مثل زيادة الضرائب الأخرى.

ما الحل؟

هل نندفع نحو تعديل سعر الصرف وبدون حسابات دقيقة كما يطالب البعض لخدمة مصالحهم أساسا؟ ام ان لا نكترث لارتفاع الأسعار في السوق الموازي ويحدد البنك المركزي الكمية المعروضة من الدولارات شهريا؟ كما يفعل الان برغم ان التبويب للسلع غير دقيق ويحتوي مغالطات كبيرة لاحتياجات البلد من بعض السلع مثل السكر وحليب الأطفال وغيرها. كما انهالا تشمل اي مخصصات لتمويل مشروعات تنموية كبناء مصانع إنتاجية يوردها القطاع الخاص او مواد ومهمات صناعية لصناعات قائمة.

لا مجال الان للحديث عن تعديل سعر الصرف منفردا وبدون إقرار برنامج اصلاحي شامل، بل لابد ان يكون تعديل سعر الصرف نقطة الارتكاز للبرنامج الاقتصادي الاصلاحي والذي يراعي انشاء منظومة جديدة للحماية الاجتماعية للمواطنين وخصوصا ضعاف الدخل والطلاب والعجزة والمعاقين الغير قادرين على العمل. هذا البرنامج يحتاج الي حكومة قادرة على تبني برنامج اقتصادي مرسوم بدقة ومعروف كيف يمكن تحريك كل متغيراته بشكل يقود الي توازن الاقتصاد وخلال مدة زمنية محددة ويحتاج الي بنك مركزي واحد ومتحد تحت سلطة مجلس ادارة لا غبار عليه.

الاقتصاد لا يدار بالعواطف او تبعا لمصلحة فئة معينة، بل لابد

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

التعليقات: 2

  • محمد علي

    هناك جانب مهم لم يتطرق له المقال ولا الذين ينادون بتعديل صرف الدينار مقابل الدولار وهو حجم الإلتزامات القائمة والديون على الدولة الليبية لصالح دول وشركات اجنبية وتأثير تعديل سعر الصرف على هذه الديون و الإلتزامات .

  • محمد التارقي

    أنت بخمسين رأي
    مرة مع رفع سعر الصرف و توة العكس
    هذا دليل أنك تبي تكتب و خلاص

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً