فلتسقط دولة الهـيدقة

فلتسقط دولة الهـيدقة

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

“الهيـدقـة”، مصطلح شعبي ليبي يعني الفوضى وقلة الانضباط والعشوائية، وهذا ما تعيشه ليبيا منذ سقوط نظام القذافي وحتى الآن إثر انتفاضة قام بها الشباب المتعطش للتغيير في فبراير 2011 م، ليبيا التي مثلها مثل سوريا واليمن تحولت فيها انتفاضات ما يسمى بالربيع العربي الى نكسات بعد ان خرجت عن طابعها المدني السلمي وانقلبت الى مواجهات مسلحة اريقت فيها الدماء وانتشر على إثرها الدمار والخراب!  فالربيع لم يكن مزهرا، بقدر ما كان صيفا قائضا، وخريفا كالحا اشهبا، اتى على الأخضر واليابس، فخلّف ركاما ممزوجا من الحجر والبشر، بشر طحنته آلة الحرب القذرة بين قتلى وجرحى ومبتورين! وركام اسود من بقايا الدمار اختلطت به احقاد وضغائن صارت تتورم مطلع كل يوم جديد.

ليبيا الدولة الشاسعة المترامية الأطراف، الغنية بمواردها الاقتصادية وخاصة من النفط والغاز، في لحظة قدر رهيبة وجدت نفسها أسيرة عملية خطف كبيرة!، شاركت فيها العديد من دول العالم من قريب عبر جامعة الدول العربية، ومن البعيد عبر منظمة الأمم المتحدة وحلف الناتو ، لقد استغلت رغبة الشباب الجامحة في التغيير الى الأفضل، مسنودة بوهج الانتفاضة في البلدين الجارين تونس ومصر، وتداعت اجندات الشر تترى، حول القصعة الليبية، فمن اجندات غربية تكن عداء صريحا ومبطنا للقذافي، الى اجندات تتخذ من الدين ستارا لطالما كانت ترى في القذافي عدوا بحجم طاغية، وجب التخلص منه، الى اجندات قبلية وجهوية ترى في نفسها انها الأولى بحكم ليبيا، والاستفادة من ثرواتها.

كل تلك الاجندات هي واقعيا مختلفة ومتباينة الى درجة العداء لكنها اجتمعت وتوحّدت في هدف وحيد، وهو التخلص من القذافي! ولذلك اتخذت من أسلوب الغاية تبرر الوسيلة منهجا لها، لتنفيذ مآربها، فتجاهلت تماما تبعات ونتائج ما بعد التداعي، الذي وللأسف خلّف مأساة ومعاناة بكل ما تعنيه الكلمة من معاني، ذاق بها الشعب الليبي ذرعا، وكانت النتيجة الحتمية لذلك التداعي خلق جو من الفوضى المستمرة التي لا كابح لها، بل صارت الفوضى عنوانا دائما لكل مجريات الاحداث في ليبيا، ومنهاجا متبعا في إدارة دفة الواقع من قبل شخوص اغرار لا يفقهون ابجديات الحكم والسياسة جاءت بهم الصدف في غير ترتيب او توطئة.

انه ليس ابلغ من وصف الوضع الليبي بعد كل تلك السنين البائسة بـ “الهيــدقــة”! وهي تعني قمة الفوضى والعبثية واللامسئولية وما زادها سوء وبؤسا هؤلاء “الهـواديق” وهم القاصرون فكرا وعملا! الغير منضبطون، المتلبّسون بنرجسيّة حادّة موغلة في زوايا الطمع، “الهواديـق” من الذين تولّوا مقاليد الحكم في ليبيا بعد 2011 وحتى الآن، والذين يجهلون ابجديات السياسة في ابسط صورها، أولئك الذين حكموا البلاد بعبثيّة وقلة حياء! حتى اوصلونا الى ما نحن فيه من تردي وانهيار في كافة أوجه الحياة، ويدفعون بليبيا الى حافة الإفلاس المالي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني.

أيها “الهوادـيق” كفى عبثا واستهتارا، فلم يعد ممكنا تحمل سفهكم، والاستمرار في المهزلة! فدولة الهيـدقة بحول الله الى زوال!  وبعد كل هذه السنين الكالحة السواد، والتي أتت على الأخضر واليابس، وادخلت البلد في دوّامة من العنف والإرهاب والفوضى، أما آن لليل ان ينجلي، وللصبح ان ينبلج؟! اما آن للقيد ان ينكسر، وللقدر ان يستجيب؟! حتما سينتفض الشعب ويثأر لكرامته التي ديست! حتما سينتصر الشعب الذي صابر وكابد وصمد، حتما سيهتف الجميع: تسقط دولة الهيـدقة.. تسقط دولة الهواديـق!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • غوط الرمان

    الهيدقة ، الهواديق ، التهديق ، هذه تعني انهم أبرياء ، لأنه لا يؤمل من الهيدوق الا الخسارة والتسيب وهو مصطلح شعبي ليبي ويعبر عن ذلك الانسان بالهيدوق عندما يكون قاصرا وكسول و وغير قادر و. هنا في ليبيا الان القصة مختلفة فهولاء حداق وخبثاء يقومون بأفعالهم بقصد لصالح غيرهم في سبيل منفعة شخصية مؤقتة ومحدودة مقابل وطن يدمى ويتمزق ويغرق. هذه الرؤية ليست نظرية المؤمرة التي ينبذها البعض لكنها واقع ملموس نراه كل يوم وخاصة في الليل ! عموما اشكرك على هذا التشخيص لكننا في حاجة لوصفة العلاج.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً