التُعساء

التُعساء

ا.د. محمد بالروين

أستاذ العلوم السياسية وعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور

التُعساء أو التعيسات هم جمع لتَعيس او تعيسة. والتعساء ببساطة شديدة هم الأشقياء. وبمعني آخر التعيس هو انسان مشؤوم، وسيِّء الحظ والحال والاختيار، وقد يملك كل شيء الا السعادة. وهو انسان مُزعج لكل من حوله، ويميل دائما للتحدث عن عيوب الآخرين بدلا من التركيز على أفكاره وأعماله وبرامجه، والأحداث التي يعيشها والتحديات التي تواجهه.

وهو إنسان يقوم بتهويل القضايا والأمور الصغيرة والتافه من جهة، ويتعامل مع القضايا والأمور المهمة والخطيرة بعين الاستهانة والاستخفاف من جهة أخري. وهو انسان يشعر دائما بالعجز والغيرة والحسد، ولا يشعر بالمسؤولية إزاء تصرفاته، ولا يقر بالخطأ عندما يرتكبه. وتجده دائما يشعر بأن المشاكل والأخطار تهدده، ليس هذا فقط بل تجده يتخيل مشاكل لا حقيقة لها، ويتصارع مع اعداء لا وجود لهم، وتجده يعمل علي تجاهل المشاكل الحقيقية والتستر عليها الي ان تتكاثر وتتفاقم ويصل به الحال إلى درجة العجز عن فعل أي شيء حيالها، وعندئذ يستحوذ عليه الشعور بأنه “ضحية،” ويكون السؤال الرئيسي في نقاشاته هو – لماذا أنا المُستهدف، ولماذا لا تتغير أحوالي والاوضاع المحيطة بي؟!

من منظور آخر يمكن وصف التعيس بأنه أنسان ليس له نفس هادية، ولا ضمير نقي، ولا قلب شريف، ولا أهداف واضحة. وليس راضِ بما هو فيه ولا بما تحصل عليه. وهو انسان يقيس النجاح والسعادة في حياته لا على أساس ما يستطيع إعطائه وتقديمه للأخرين، وانما على أساس ما يمكن الحصول عليه وامتلاكه لأشياء محدد وملموسة له وحده.

من كل ما تقدم يمكن القول وبمشاهدة واقعنا السياسي هذه الايام، بأن التعساء (وخصوصاً السياسيون منهم) كُثر في وطني! ولعل المرء لا يُبالغ إذا قال بان هذه “الظاهرة المرضية” هي من أكبر وأخطر ما يواجهه شعبنا هذه الأيام. وهي مشكلة تتطلب من الجميع مواجهتها دون تردد وبكل شجاعة وقوة.

ولعل من أهم ما يحتاجه وطننا الجريح هذه الايام هو ظهور قيادات سياسية جديدة تعمل على تخليص الوطن من هذه الظاهرة السيئة، وذلك بالعمل على إيجاد آليات ومؤسسات ديمقراطية حقيقية وشخصيات قادرة وفاعلة، تعمل جاهدة علي نشر الاستقرار وتحقق الامن والأمان لأهالينا في كل ربوع الوطن. ولكي يتحقق ذلك، على هذه القيادات السياسية الجديدة ان تدرك وتعمل على تحقيق أمور ضرورية وكثيرة لعل من أهمها الآتي:

  1. عدم السماح بأي حال من الاحوال للتعساء السياسيين باستغلال هذه الآليات والمؤسسات الجديدة وتوظيفها لتحقيق مصالحهم الخاصة بهم.
  2. ضرورة ممارسة القيادات السياسية الجديدة مبدأ “ان السعادة لا تكمن في الأخذ، وانما في العطاء.”
  3. ضرورة أن تعيش هذه القيادة الجديدة مع (وبين) الجماهير، وان يكون لها احساس حقيقي وعميق بآلام واوجاع ومُعاناة المواطنين.
  4. ضرورة أن ينصب جُل تركيز هذه القيادات على الأحداث والاهداف الضرورية والمستقبلية أكثر مما يجرى في الوقت الراهن.

وأخيرا، على الجميع ان يتذكر بانه لا مكان للتعساء بيننا، وخصوصا السياسيون منهم، وذلك لأنهم (بهذه العقلية) لن يستطيعوا بناء وطن ديمقراطي عادل، كما يقول المثل “فاقد الشيء لا يعطيه.” ومن ثم ليس على هؤلاء التعساء في وطننا الجريح إلا الرحيل، فربما   التاريخ “برحيلهم وتركهم للمشهد السياسي” سيذكرهم بخير!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

ا.د. محمد بالروين

أستاذ العلوم السياسية وعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور

التعليقات: 1

  • محمد

    ما دام السياسي والمسئول في نظر الليبيين لابد أن يكون من النخب وحاملي الشهادات العليا والمشايخ وأبناء الحجاج فلن يتغير شيء ..

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً