المجالس المحلية جسر العُبور إلى سُلطة الكيانات

المجالس المحلية جسر العُبور إلى سُلطة الكيانات

المجالس المحلية المؤقتة فكرة جاءت لإدارة المجتمع فى الظروف الطارئة التى تستدعى تواجد حلقة الوصل بين الإدارة العامة للدولة إن وجدت والمدن والقرى والمناطق فى ظل غياب أى نظام ثابت وحتى تستقر الأمور ويستتب الأمن ، فمنذ تفجير الثورة فى 17/2/2011 تنادى البعض من الوطنيين فى الساعات الأولى بالمناطق المحررة وبطريقة عفوية وإنتماءاً وطنياً فى كل مدينة وقرية وشكّلوا فيما بينهم شبه إدارة مُصغرة لتسيير الأمور وخُصوصاً ما يندرج فى إطار التبرعات الإغاثية اللوجستية والإشراف على الخدمات العامة من صحة وتعليم ومياه وصرف صحى وبريد وكهرباء وإمدادات علاجية وغيرها من الخدمات التى يتطلبها المواطن ويحتاجها فى حياته اليومية وكذلك التنسيق مع الجهات المسؤولة عن الأمن والأمان بقدر المُستطاع علماً بأنه ما يسمى (المجلس الإنتقالى ) فى تلك الفترة لم يرصد أى ميزانيات لتلك المجالس المحدودة التى تكونت بالمنطقة الشرقية نتيجة للتخبط الذى سيّطر على الوضع العام بالرغم من توارد وإنسياب التبرعات المالية من العديد من الدول ولم يصل للمجالس المحلية الدعم الكافى إلا عن طريق أهل الخير والمؤسسات الرياضية والإجتماعية.

غير أن البعض من الوطنيين والمثقفين والواعين لما يدور فى تلك الفترة أخذوا خطوة للخلف نتيجة للتيارات التى كانت تتلاطم فيما بينها وكان من الصعب شرح الموقف للكل خوفاً من تصادم قد يُضعف الجبهة الداخلية ونتيجة كذلك لتواجد سماسرة ولصوص وسرّاق النظام السابق الذين حاولوا أن يجدوا لهم موقع قدم لأنفسهم فى إنتفاضة الشعب الليبى بالرغم من أنهم مكروهون من الجميع ، وكما قلت سابقاً أن  أول من شعروا من أن هناك أجندات خطيرة وتدخلات مشبوهة غير واضحة هم الوطنيون والمثقفون حقاً ، وهنا تم تسابق البعض على الدخول فى المجالس المحلية ممن كان لديهم أهداف حزبية ويبدو أن هناك أوامر قد صدرت لهم من إدارات أحزابهم للتواجد بين الناس لإقناعهم بأفكار يؤسسون عليها للوصول إلى السلطة وفعلاً هذا ما توقعه البعض فى العديد من المدن والقرى ، فتنادى أولئك الأشخاص كان نتيجة لمحاولة تحقيق أهداف لا يعلم  المواطن البسيط عنها شيئاً. فبينما كان الثوار الأبطال على الجبهات وكان الشرفاء الوطنيون يؤدون مهام خطيرة لصالح الثورة بدول الجوار لحماية الوطن من أى تداعيات يخطط لها النظام السابق وحيث كانت جثامين الشهداء تصل تباعاً إلى أجدابيا وبنغازى والبيضاء ودرنه وطبرق كان البعض يخدم فى إطار مصلحته ومصلحة كيانه السياسى من إخونجيا وعلمانيين وشيوعيين وليبراليين وغيرهم … وهذا يؤكد أن أولئك الأشخاص يرفعون شعار (مصائب قوم عند الكيانات والحزبيين  فوائد) فالتاريخ لن يرحم أحداً وسيكتب البعض صفحاته قريباً البيضاء والضبابية  ساعة بساعة ويوم يوم لتعرية أصحاب الأجندات الحزبية الخفية.

فى البداية لم يكن أحد يرغب فى عضوية تلك المجالس نتيجة للأخطار التى كانت تُحيط بالوطن وما صاحب ذلك من تحديات وصلت إلى حد الإغتيالات أحياناً ، غير أن المواطنين شعروا بخطورة الموقف وبدأوا بتكوين جمعيات المجتمع المدنى والتى جُلها جمعيات إغاثة ودعم إنسانى وهى التى نجحت حقيقة فى هذا الدور الذى لعبته بجدارة وإقتدار وتولى الثوار الحقيقيون تأمين المدن والقرى علماً بأن ما يسمى المجالس المحلية لم تكن فى مستوى المسؤولية بدعم مؤسسات المجتمع المدنى لسيطرة أصحاب الأجندات عليها ، بل كانت تُشكل عثرة فى تأسيسها وفى أداء أعمالها الإنسانية ، وما أن بدأ يلوح فى الأفق بعض من الأمن والأمان والإستقرار وتجاوزت ليبيا مرحلة الخطر الفعلى بعد تدخل القوات الدولية فى 19/3/2011م لصالح الشعب الليبى وبتفوق أبنائها فى الأمم المتحدة الذين إستطاعوا إقناع العالم بالقضية الليبية وأن الشعب الليبى يتعرض للإبادة الجماعية حتى بدأ الليبيون فى الخارج يتوافدون على الوطن ويُستقبلون برعاية المجالس المحلية التى كانت تُسيطر عليها أفكار الكيانات السياسية المُندسة !! ولو لم يتدخل المجتمع الدولى حينها لما شاهدنا من نشاهدهم اليوم فى المجلس الوطنى العام نواب ووزراء وغيرهم ممن قفزوا على السلطة بدون إستئذان ، وحقيقة وللتاريخ فقد كان الفضل بعد الله تعالى لكل من السيد / عبدالرحمن شلقم والسيد إبراهيم الدباشى الذين سيذكرهم التاريخ لدورهم فى إنقاذ الشعب الليبى من أيدى النظام المستبد ولأبطال الجبهات الذين أجهضوا تقدم قوات النظام ومرتزقته قبل الدخول إلى بنغازى.

كان من المفترض أن يقوم المجلس الإنتقالى منذ الأسابيع الأولى للثورة بتنظيم عمل المجالس المحلية وإعطائها الصلاحيات التى تؤهلها للقيام بإدارة مناطقها لتقديم كافة الخدمات للمواطنين ، ولكن فشل المجلس الإنتقالى فى العديد من قراراته وعدم تجانس أعضائه ، جعلت من هذه المجالس عبارة عن أدوات لا قيمة لها وتحولت هذه المجالس إلى (مجموعة) من المُستقبلين للزوار لا أكثر ولا أقل الذين يتوافدون من الخارج على المدن والقرى وخصوصاً الذين لديهم أجندات حزبية لنشر أفكارهم ، وفعلاً نجحوا فى ذلك فلم يمر أسبوع وحتى تُعقد جلسة طارئة فى فندق خمسة نجوم لإستقبال (هذا الدكتور البطل أو ذاك) فيُحاضر فى الناس البسطاء ويشتت أفكارهم بمصطلحات لم يسمعوا عنها من قبل حتى يُقال عنه (من أين هذا العلامة ؟) وعادة ما يكون مُحاطاً ببعض من أعضاء المجلس المحلى وبعدها يأمر بتجهيز بوفيه من الحلويات النادرة والمشروبات (الخارقة للعادة) ثم يهمس فى آذان مُريديه عن طريق من إستقطبهم وإحتضنهم من أعضاء المجلس المحلى نماذج الإنتساب لحزبه ليحظى بعدد من البسطاء ليعبُر من خلالهم إلى المؤتمر الوطنى العام وهذا ما حدث فعلاً ، وهكذا تحولت المجالس المحلية إلى أبواق لأصحاب الأجندات الحزبية فلم يخلوا يوماً أى إجتماع من بضع أعضاء المجلس المحلى الذين همهم الأول التدافع على مكبرات الصوات لينالوا شرف الكلمة فى تقديم الشكر والتهليل للزوار ولكى يعرضون أنفسهم وقدراتهم الخطابية والثقافية لعل وعسى يتحصلون على وظيفة فى طرابلس العاصمة وهذا ما حدث بالفعل فى زمن غاب فيه الإنتماء الوطنى وطغت فيه المصلحة الشخصية وما أتفه الإنسان عندما يكون تابعاً بلسانه وقلمه وحتى قلبه.

أنا لم أتحدث من فراغ فكل ما ذكرته حقيقة شاهدتها بأم عينى وكنت أشاهد الفرحة فى عيون أعضاء المجلس المحلى عندما تأتيهم الإتصالات من طرابلس أو بنغازى بأن (السيد فلان) سيزوركم لإلقاء كلمة فيتحولون إلى خلية نحل للإستعداد للقائه والوقوف طابوراً فى إستقباله وإعداد كل ما يلزم وكأنهم تحولوا إلى مجموعة الإستقبال فى فنادق خمسة نجوم المهم كل واحد منهم يفوز بكلمة أمام مواطنى مدينته لينال بعض من التصفيق وبمجرد إنهاء كلمته يتغامزون عليه وأنتم تعلمون ماذا يقولون ؟!!.

وللأسف وبعد مدة تجاوزت الأشهر حيث شعر الساسة الجدد بأن فكرة المجالس المحلية لابد من تطويرها بأن تكون أكثر ديمقراطية حتى يحترمها الناس لأنهم بدأوا يشككون فى جديتها وإعتبروها ضحكاً على الذقون ومجرد أداوات تُستخدم من أجل أهداف محددة … ولكن عندما بدأ إنتخاب هذه المجالس عن طريق صناديق الإقتراع كانت المفاجأة التى تؤكد بأن الشعب الليبى ليس ساذجاً ولا بسيطاً أو يمكن الضحك عليه ، فلم ينتخب إلا نسبة ضئيلة لا تُقارن بعدد سكان كل مدينة أو قرية ، وهى ملاحظة كان على الساسة الجدد أن يُراوعها ويدرسوها جيداً ويغيروا كيفية التعامل مع الشعب الليبى فقد ولى عهد الإستخفاف به ..والتطاول عليه  وإننى أستغرب كيف لآى شخص يتواجد فى ما يسمى المجلس المحلى ويعتبر نفسه مسؤولاً على حياة الناس وأمنهم وآمانهم وإستقرارهم وخدماتهم وهو لا يملك من الصلاحيات شيئاً سوى إستقبال الهواتف والرد على الإستفسارات لمجرد أن تقع الحوادث الطارئة من سرقة بالإكراه أو تهديد حياة مواطن أو الإعتداء على طبيب فى مستشفى  فهل من لديه قيمة وإحترام لنفسه وعائلته وقبيلته أن يضع نفسه فى هذا الوضع الذى ربما سيُعرضه ويُعرض أسرته لأمور قد تطاله مستقبلاً قانوناً وعرفاً.

ولذلك أقول … إما مجالس محلية صاحبة سيادة وصلاحيات تُنتزع إنتزاعاً من المؤتمر الوطنى العام ، واضحة ومُحددة ومحمية بقوة القانون وأدواته التنفيذية وإما رفع الراية البيضاء للدولة إذا كانت موجودة أصلاً .. فرحم الله إمرئ عرف قدر نفسه فوقف دونها من أجله هو ومن أجل المواطنين ، فليس عضوية المجلس المحلى تشريفاً أو تكليفاً بل توريطاً فى زمن فُقدان الأمن والصلاحيات فمن إختلسوا الثورة من كيانات سياسية مشبوهة وأحزاب قزمية ومُستقلون إسماً فقط هم من يتحملون تبعات هذه المرحلة الخطيرة ، ونسأل الله تعالى أن يحمى ليبيا من خطر قد يُداهمنا فى أى وقت ، وهنا لزاماً عليا القول .. هل ستبقى يومها الكيانات وأصحاب الأجندات وأصحاب المصالح داخل الوطن .. أشك فى ذلك !!  لأن جوازات سفرهم بتأشيرات مفتوحة وصالحة للإستخدام طول العام وخصوصاً فى الحالات الإستثنائية !! والله على ما أقول شهيد.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً