الأزمة والعبارة

الأزمة والعبارة

إن بين عبارة “الأمل: ستنتهي الأزمة”، وعبارة “اليأس: لن تنتهي الأزمة”، فرق واختلاف شاسع، فللعبارة وقع كبير على أنفسنا وواقعنا، إن حل الأزمة يبدأ بعدم فقدان الثقة والأمل بالله أن الأزمة ستنتهي بل ستزول وتختفي لا محالة، يجب أن نتداول عبارات الثقة والأمل عند الحديث عن الأزمة للتقليل من شأنها ووجودها فالاستقرار أعظم شأنا ووجودا منها والثقة والأمل بالله طريق إلى الاستقرار بإذن الله.

كلما ازداد الاكتراث بالأزمة على أنها لن تنتهي قلت الحلول الجدية لإنهائها، العبارات المتداولة عند الحديث عن الأزمة لها شأن كبير في تضخيمها أو تقنينها حسب نوع العبارات المتداولة، كالمريض الذي يدمر نفسه بحديثه لذاته كل يوم بقوله: أنا مريض ويصعب أن أشفى من هذا المرض، وتكراره لمثل هذه العبارات السيئة التي يلقيها المريض بداخله تؤدي إلى قبول عقله لعباراته السيئة واليائسة والمتكررة من عدم قناعته وثقته وأمله بأنه سيشفى من المرض بإذن الله، فتزداد نسبة حدة المرض أكثر فأكثر، وفي حقيقة الأمر هو من ساعد في ازدياد حدة المرض بعباراته السيئة التي يلقيها بداخله ويتداولها مع ذاته ونفسه مرة تلو المرة، فهو لم يبدي قناعة تامة بأن لكل داء دواء، ومهما اشتد المرض يضل محض مرض زائل وسينتهي بإذن الله، بالثقة والأمل بالله عليه فقط أن يسعى ويتوكل ويعمل على معالجة المرض وأن لا يفقد الثقة والأمل بالله، والشفاء من عند الله.

إن العبارات المتداولة بين الجميع عند الحديث عن الأزمة لها شأن كبير في ازدياد الأزمة وتفاقمها أو تقنينها وتقليل حدتها، فلنختر العبارات الحسنة عند تداول الحديث عنها، باستبدال عبارات اليأس بعبارات الأمل والثقة، ولا ينفي ذلك أهمية تحديد الأزمة وماهيتها ودراستها لوضع التراتيب اللازمة لمعالجتها وحلحلتها وإنهائها، إن الحياة أمل وثقة ولا حياة مع اليأس، نحن أملنا وثقتنا بالله ليس لها حدود، ومن هنا أقول ستنتهي الأزمة لأنها ببساطة محض أزمة عابرة، وتعالج الأزمة بعكس الطريقة التي نشأت بها، بالثقة والأمل والتوفيق بالله.

الأزمة: الأزمة مرض سواء أصاب كيان الإنسان أو أصاب كيان  دولته، وعندما تصيب الأزمة كيان الدولة يبدأ الخطر بتهديد وجودها، ويزداد تهديد الأزمة لوجود الدولة إذا ساهمنا في ازديادها ولو بعبارة، فالعبارات كما أسلفنا لها وقع كبير على أنفسنا وواقعنا، فكما أن هناك عبارة تبني هناك أيضا عبارة تهدم، لذلك يجب أن نتجنب تداول العبارات السيئة كعبارات اليأس، وأن نتداول دائما العبارات التي تحد من وقع الأزمة كعبارات الأمل والثقة، وذلك لكي لا يزيد وقع الأزمة على أنفسنا مع واقعنا، فالأنفس المستقرة الواثقة والآملة بالله لها أن تنهي الأزمة لتستقر الدولة.

نشأة الأزمة: تنشأ أزمة الدولة ببذور الخلافات داخلها وتبلغ  الأزمة ذروتها بعد انتقال طور بذور الخلافات إلى نزاعات بها، فتنضج الأزمة بمظاهر الكراهية والعدوانية والاقتتال بين معظم الأطراف بداخلها، فيصبح بذلك كيان الدولة متأزما ومهددا في وجوده، وبذلك أيضا تصبح الدولة المتأزمة هدفا سهلا أمام كيانات الدول الأخرى ممن يسعى لتحقيق مطامع وأهداف بها: (الطرف الدخيل بالأزمة)، فيستغل بذلك الطرف الدخيل بالأزمة اقتتال أطراف الدولة المتأزمة ليدخل عبرها للأزمة ويشارك بازدياد حدتها سعيا في تحقيق مطامعه وأهدافه، وهذه ليست نظرية المؤامرة، بل هي حقيقة سأصيغها لك بنظرية لنسميها (نظرية الأعداء والأصدقاء): كما لكل دولة أصدقاؤها لها في المقابل أيضا أعداؤها ولو لم يفصحوا عن ماهية بغضهم وعداوتهم لها.

تظل الأزمة محض أزمة عابرة إذا اقتنعنا بأن الاستقرار أعظم وجودا منها، وأن الاستقرار نعمة من الله لن يحرم الواثقين والآملين بالله منها، يجب أن لا نساهم بازدياد حدة الأزمة وتعظيم شأنها بعد تحديدها ومعرفة ماهيتها وأسباب نشأتها، بل أن نساهم بتقنينها وتقليل شأنها، بأن نسعى قدر المستطاع لمعالجتها وحلحلتها دون تداول عبارات تزيد من حدتها وتعظم شأنها، لتصغر الأزمة بعين الحل، فلكل محنة منحة، علينا أن ننظر للأزمة بعين المنحة لا المحنة، إن الاستقرار نعمة من الله لنا يجب أن نسعى لتحقيقه والمحافظة عليه في أنفسنا وأرضنا، ويجب أن نقتنع قناعة تامة وأن نثق بالله دائما وعند حلول أي أزمة بأن الأزمة زائلة لا محالة، ما علينا هو أن لا نفقد الثقة والأمل بالله وأن نسعى جميعا ونراجع أعمالنا لنستدرك الخطأ منها ونتوكل على الله ونعمل ونثابر لوضع تراتيب صحيحة لمعالجة الأزمة وحلحلتها، يقول الإمام الشافعي: (ضاقت فلما استحكمت حلقاتها.. فرجت وكنت أظنها لا تفرج)، ومن هنا أقول إن نهاية الأزمة إلى زوال بإذن الله علينا فقط أن نسعى ونعمل ونثابر ونسأل الله أن ينعم علينا باستقرار أنفسنا وأرضنا لننعم بالاتزان في الحياة والعمل، والتوفيق بالله لا بغيره.

– الأزمة والعبارة: (بين ازدياد مستوى حدة الأزمة وتقنينها محض عبارة، فللعبارة وقع كبير على أنفسنا وواقعنا).

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

علي بوخريص

كاتب ليبي

اترك تعليقاً