تأملات في نص المادة السادسة من مسودة الدستور التوافقية 2017

تأملات في نص المادة السادسة من مسودة الدستور التوافقية 2017

“الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية مصدر التشريع”

إن من أكبر العوائق أمام من تَحمَلوا المسؤولية أمام الله والناخبين هو إيجاد صياغة جامعة مانعة تقضي بأن تكون شريعة الله هي الغالبة وأحكام الله هي المطبقة، فلا يخالفها نص أو اتفاق أو تشريع أو تصرف “والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب“.

وباستقراء قرابة 44 دستورا من دساتير الدول الإسلامية نجد أن 25 دولة مسلمة منها فقط تنص صراحة وبصيغ متفاوتة على أن الإسلام دين للدولة، أما البقية فلم تشر لا من قريب ولا بعيد إلى الإسلام ولا إلى الالتزام بأحكامه.

وهذا التفاوت أخذ صورا مختلفة، كأن يتم النص على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع أو مصدر التشريع، أو ينص الدستور على أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، أو ينص الدستور على أن الإسلام هو مصدر رئيسي للتشريع أو يكتفي بالنص على أت الإسلام دين الدولة.

وعلى العموم إن هذه النصوص الواردة في الدستور بجعل الإسلام أو الشريعة الإسلامية -مصدر للتشريع – تنصرف كلها إلى التشريع العادي الذي تصدره السلطة التشريعية ، أو التشريع القانوني الذي تصدره السلطة التنفيذية  وفي هذا يقول الدكتور عبد الحميد متولي ” كذلك فهذه النصوصُ لا تعني: “أن تكون أحكام القانون المدني وقانون العقوبات وغيرها من القوانين تردادًا لِما ورد في كتب الفقه الإسلامي، وأن معناه أن تتفق تشريعاتُ الدولة مع النصوص في القرآن والسنَّة، وهذا أمر لازم، وأن تتفق عدا ما تقدم مع القواعد الكلية للشريعة والتي يدلُّ عليها الفقهُ الإسلامي”.

ويمكن نقول أن هذا النص الوارد بمسودة مشروع الدستور – بجعل الشريعة الإسلامية المصدرَ أو مصدرًا للتشريع – يعني أن الشريعةَ تمثل مصدرًا موضوعيًّا للتشريعات اللاحقة، فهذا النص يسري على التشريعات المستقبلية، كما أنه يقتضي تعديلَ القوانين التي لا تتفق مع الشريعةِ الإسلامية.

وهنا يثار التساؤل فيما “لو تعارضت نصوص القوانين التي مصدرها الشريعة الإسلامية مع الاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها ليبيا سابقا والتي جعلتها هذه المسودة في مرتبة أعلى من القوانين العادية” حيث تنص المادة 13 من مسودة الدستور على أن ” المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها في مرتبة أعلى من القانون وأدنى من الدستور … “.  بمعنى أنها أصبحت أعلى من الشريعة الإسلامية!

ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين النص الوارد في مسودة مشروع الدستور والنصوص الواردة في الدساتير المقارنة كالنص مثلا على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فهذا  يعني أن الدستور قد حدَّد أن المصادر الأخرى للتشريع هي مصادرُ ثانوية، ولا يمكن اللجوءُ إليها إلا إذا لم يوجد نصٌّ صريح وقاطع في الشريعة الإسلامية حول التشريعِ محلِّ الصياغة ، كما أنه وبالترتيب ينبغي اللجوءُ أولاً إلى الشريعة الإسلامية لاشتقاق التشريع منها، ومن الواضح أن عبارة “الإسلام مصدر رئيسي للتشريع” تعني أن الدستورَ قد أشار ضمنًا إلى وجود أكثرَ من مصدر رئيسي، وأن الإسلامَ هو أحدُ تلك المصادر الرئيسية، وبالتالي فإنه يفتح البابَ لإمكانية تبنِّي تشريعات مدنية لا تتفق تمامًا مع الشريعة، وهذا واقع في حالة السودان التي ساوَتْ في دستورها الصادر عام 1985 بين الشريعة الإسلامية والعُرْف كمصدرين للتشريع وهذا خطأ فادح .

وعلى كل حال يمكن أن نقول أن اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور كانت موفقة جدا في هذه الصياغة، فالنص على أن الإسلامَ هو المصدر الوحيد للتشريع إنما يعني عدمَ إمكانية اللجوء إلى مصادرَ أخرى للتشريع الوضعي، وعلى أن جميعَ التشريعات يجبُ أن تطابِقَ الشريعةَ الإسلامية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً