حفتر يستحضر أشباح القذافي

حفتر يستحضر أشباح القذافي

قدّم العرض العسكري في حضور الجنرال الليبي خليفة حفتر مناسبة جديدة لتذكير الليبيين بالزعيم الراحل، السيئ الذكر، العقيد معمّر القذافي فالعرض لم يُقم لأسباب يمكن لليبيين أن يجتمعوا على الاحتفال بها، من قبيل تذكر مناسبة الاستقلال عن إيطاليا أو ذكرى الثورة ضد الطاغية، بل جاء في مناسبة عسكريّة محضة مركّبة على حجم الجنرال نفسه وهي الذكرى السنوية الثالثة لبدء الحملة على مدينة بنغازي، العاصمة الشرقيّة لليبيا، مع القفز على واقعة مهمة هي أن المدينة لم «تحرّر» بعد وأن هناك مناطق فيها ما تزال تحت سيطرة خصوم حفتر.

الوظيفة الأخرى للحشد العسكري كانت شكلاً من أشكال عروض القوّة في وقت كان الليبيون فيه يحاولون نفخ الحياة في اتفاق حكومة «الوفاق الوطني» المدعومة من المنظومة الدوليّة مع قوّة الأمر الواقع التي يمثّلها حفتر ومن ورائها حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي ابتعث رئيس أركانه محمود حجازي أول أمس الأربعاء إلى شرق بنغازي في زيارة ذات دلالة لا تخفى تستكمل المعاني التي يريد العرض العسكري أن يشير إليها.

الرسائل التي أراد حفتر توجيهها واضحة وهي تمثّل استمراراً لنهج متصلّب يرتكز على أس كبير، هو أنه زعيم ليبيا القادم، ولا زعيم آخر غيره، وبالتالي فهو يمثّل إلغاء تامّاً لفكرة الثورة الليبية على الطاغية الراحل، ورفضاً لأي شكل من أشكال التسوية ناهيك عن أي شكل من أشكال الحكم المدني أو الديمقراطي.

أداة تحقيق هذه الرغبة الجارفة لدى الجنرال هي التحالف مع نظام السيسي، وهو ما يعني، الآن ولاحقا، تبعيّة ليبية كاملة للقرار المصريّ، وانسجاماً مع الأجندة الإقليمية والعالميّة لهذا التوجّه، الذي يلقى هوى لدى روسيا وأطراف عربية وغربيّة ويوفّر مظلّة سياسية – عسكريّة لمطامح الجنرال.

يلاقي هذا التوجّه صعوبات لا يُستهان بها، سياسياً وعسكريّاً، أوّلا بسبب طابع الغطرسة الشخصية للجنرال الذي يذكر الليبيين بمرحلة ضحّوا بدمائهم للخلاص منها، وثانياً بسبب الاختلاف الإقليمي والعالمي على الأجندة الكارثية التي يحملها، وثالثاً بسبب الشرعيّة السياسية الدولية التي تمتلكها حكومة «الوفاق» وبقواها العسكرية التي فرضت مصداقيتها من خلال إنهاء دويلة تنظيم «الدولة الإسلامية» والذي كلّفها مئات الأرواح، ورابعاً بسبب تكرّر جرائم الحرب التي ارتكبتها قوّاته وأصبحت من الوقائع المثبتة ضده.

لقاء حفتر برئيس حكومة «الوفاق» فايز السراج مؤخرا في العاصمة الإماراتية أبو ظبي لم يكن غير إشارة لدالّة الدولة الخليجية عليه، ولم يستطع هذا اللقاء تغيير ما لا يتغيّر في شخصية حفتر الذي قاتل مع القذافي ثم انقلب عليه مفترضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعيده على ظهر بارجاتها أو دباباتها حاكماً.

لقد كان اجتماع ضباط من جنوب وغرب ليبيا الذي عقد مؤخراً في مدينة زوارة غربي العاصمة طرابلس تعبيراً عن اهتراء ظاهرة حفتر وانكشافها، فالضباط وصفوا الجنرال بمجرم الحرب وأصروا على أن يتولى «الضباط الشرفاء» إعادة بناء جيش ليبيا وتأسيسه.
كما كان مثيراً للسخرية وشديد الدلالة في الوقت نفسه أن تقوم قوات حكومة «الوفاق» بالهجوم على قاعدة براك الجوّية بعد يوم واحد من استعراض القوّة والجبروت العسكري لحفتر في بنغازي.

وكان استيلاء قوات حفتر على قاعدتي البراك وتمنهنت الجويتين إعلاناً صريحاً عن وهم الجنرال، الذي لا يستطيع الفكاك عنه، وهو أن بإمكانه السيطرة بالقوّة على كامل ليبيا كما أنه أدّى لانكشاف كذب شعار مكافحة «المتشددين الإسلاميين» الذي رفعه فحكومة «الوفاق»، على عكس الجنرال، هي التي قاتلت تنظيم «الدولة» وأنهت وجوده في ليبيا.

غاب القذافي ولكن أشباحه ما زالوا يقاتلون

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً