تأمين عودة النازحين: عصا أخرى في دولاب الحالة الليبية

تأمين عودة النازحين: عصا أخرى في دولاب الحالة الليبية

د. أحمد معيوف

باحث أكاديمي ليبي

لاشك ان عودة النازحين من الامور التي يجب ان يلتفت اليها المجتمع الليبي، ويلتف حولها ويساندها حتى يتم رتق النسيج الاجتماعي الذي خلفته الحروب والاشتباكات بين ميليشيات مختلفة المشارب والنوايا، وقد تعرضت قرى ومدن كاملة للنزوح بسبب الحرب كما حدث في ككلة والعوينية، وفي نفس الوقت تهجرت العديد من الاسر في كل مدن ليبيا تقريبا، لارتباط هذه الاسر بشكل او باخر بالمنضومة القبلية او الجهوية او الايدلوجية التي تتبعها، او بسبب وقوع هذه العائلات في مناطق الاشتباكات.

وقد اقتصر النزوح في بدايات الثورة وحتى منتصف العام 2014 الذي شهد معاراك فجر ليبيا وعملية الكرامة، اقتصر النزوح على العائلات التي ارتبطت بالنظام السابق، تفاديا لعمليات الانتقام واسترداد الحقوق بصفة شخصية خارج القانون، وكان نزوح الى الخارج، او بمعنى ادق هروب أصحاب الاموال المنتفعين من النظام السابق الى مصر وتونس، وهم لا زالوا يتمتعون بحياتهم الجديدة في دول المهجر، ويعيشون حياة بدخ ورفاه يستطيع ان يراها كل زائر لتلك الدول. لكن ليس كل الموالين للنظام السابق على نفس القدر من الحظ في المكاسب المادية، لذلك نزح العديد منهم الى خارج مدن اقامتهم وقصدو مناطق وفرت لهم الامان، كالعودة الى المدن التي جاؤ منها مثل نزوح الزنتان المقيمين في طرابلس الى الزنتان ونزوح اهل مصراته المقيمين في بنغازي الى مصراته. وقد استحدثت في بدايات الثورة مكاتب تعمل تحت ادارة وزارة الشؤون الاجتماعية لحصر اعداد النازحين، ووصل العدد في مجمله الى حوالي 70 الف نازح في كل البلاد حتى عام 2014.

ادت معركة الكرامة وفجر ليبيا الى تزايد اعداد النازحين وتفاقم مشكلتهم كما تفاقمت مشكلة ليبيا بسبب هذه الحروب، فوصل اعداد النازحين الى ما يزيد عن نصف مليون شخص بمرور عام على انطلاق المعارك. شمل النازحين سكان محاور القتال في بنغازي، ومنطقة بن غشير التي يقع مطار طرابلس في اراضيها، ومعارك ورشفانة بعد حرق المطار، ونهاية بحرب ككلة التي ادت الى نزوح كامل لسكانها. وبالاضافة لعملية الكرامة والفجر، ادت حرب داعش في سرت الى تهجير شبه كامل لسكانها، وكذلك معارك الطوارق والتبو في منطقة اوبارى. طبعا هذا التهجير القصري ادى الى زيادة تكاليف الخدمات على محدوديتها للمدن التي تعرضت لاستقبال النازحين، لكن خارطة النزوح شملت كل البلاد دون استثناء تقريبا، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. ولا زالت المعارك الدائرة تزيد من معاناة القانطين بمناطق الاشتباك وتدفع الى المزيد من النزوح طلبا للامن.

ورغم ان الاتفاق بخصوص حل ازمة تاورغاء واعادت سكانها تم التوقيع عليه منذ أغسطس العام الماضي، لكن لم يفعل هذا الاتفاق حتى الان. الا ان هناك ملفات اخرى تم النجاح فيها، كعودة المشاشية الى العوينية وزاوية الباقول، وهي عودة سلمية تمت بنجاح وسلاسة دون ارتفاع وثيرة قوة السلاح، رغم اعتراض شكلي ظهر في بيان المجلس العسكري للزنتان. وكذلك عودة مهجري ككلة عقب الاتفاق الذي تم بينهم وبين الزنتان بواسطة مدينة الاصابعة.

عودة المهجرين جماعيا كما حدث في ككلة والعوينية كانت نتيجة لاتفاق مناطقي، ولم يرافقها التحجج بالحاجة الى حماية عسكرية يوفرها فصيل قد يختلف في توجهه مع فصائل اخرى مناوئة له. لكن عودة المهرجين الى طرابلس او بنغازي فالامر فيها يختلف. ذلك ان المهجرين من هاتين المدينتين تحديدا تم تهجيرهما بسبب معارك الكرامة والفجر، وهجرو افراد واسر خوفا من العمليات الانتقامية بسبب انتمائهم الى احد اطراف النزاع. ولنكن اكثر وضوح، فجر ليبيا سببت في نزوح المحسوبين على الزنتان وورشفانة من مدينة طرابلس، طبعا هؤلاء النازحين لا يقيمون في حارات معزولة او محصورة، وانما ينتشرون في كل التراب الطرابلسي. والكرامة سببت في نزوح المحسوبين على مصراته، وهم ايضا يتوزعون في احياء بنغازي. هذا الانتشار لا يُمَكن اي قوة امنية من حمايتهم ان كان هؤلاء مازالوا عرضة للاستهداف، وهو امر استبعده. وسيكون وضعهم الامني غير مختلف عن الوضع الامني لكل البلاد.

لقد استمعت كغيري الى مداخلة الرئد عماد الطرابلسي وردهشام بشر، وقد كان رد هشام بشر موضوعي جدا في رفضه دخول قوة عسكرية من خارج طرابلس، فهذه القوة التي ستدخل كيف ستتعامل مع موضوع حماية العائدين: هل ستضع فصيل امام كل عائد؟ إذا، الدعوة الى توفير قوى عسكرية تأتي من خارج طرابلس لحماية وتأمين عودة النازحين الى طرابلس يصعب الاعتقاد في برأتها. وإذا كانت مطالب الشارع الطرابلسي هي انهاء التشكيلات المسلحة، فإن ادخال اي تشكيل مسلح سيزيد من تأزم الموضوع، وعلينا ان نقيس الامر في بنغازي ايضا، فهل سيقبل الجيش الليبي بادخال قوات لحماية عودة المهجرين الى بنغازي.

إن ادخال اي جماعة مسلحة، لاي مدينة ليبية، قبل الاتفاق الكامل على توحيد الجيش وتشكيل قيادته سيكون بمثابة وضع عصى اخرى في دولاب الوضع الراهن.

والله من وراء القصد

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. أحمد معيوف

باحث أكاديمي ليبي

اترك تعليقاً