الانقلاب الكبير

الانقلاب الكبير

يمثل الإعلان عن قطع العلاقات السعودية والإماراتية مع قطر، وحصارها البري والجوي والبحري خطوة متقدمة في استراتيجية غرفة العمليات التي تدير العمل عكس إرادة شعوب المنطقة، وتتفنن في وأْد أي إرادة للشعوب نحو التحرر، والفكاك من القيود التي تفرضها أنظمة القمع والاستبداد، منذ عدة عقود.

الإمارة الثامنة

تشير السرعة التي اتخذ بها القرار، والممهدات التي سبقته، والتي كانت مفاجأة إلى حد بعيد، إلى أن القرار السعودي بات تابعا بدرجة كبيرة لقرار ولي عهد أبو ظبي، التي يتصرف وكأنه الرئيس الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

لاحظ كثير من المراقبين أنه عند مجيء الملك سلمان إلى عرش المملكة العربية السعودية تقلص النفوذ الإماراتي على القرار السعودي، بعد أن تخلص من المجموعة التي أحاطت بالديوان الملكي في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، خاصة في سنوات حكمه الأخيرة.

غير أن نفس المراقبين عادوا لفرضية سيطرة الإمارات على القرار السياسي السعودي، خاصة من حيث المتعلق بالسياسة الخارجية، وتعامل السعودية مع تداعيات ثورات الربيع العربي؛ فبعد أن استطاعت الإمارات لي ذراع السعودية رسميا في اليمن من خلال دعمها التمرد على الرئيس الذي تدعمه السعودية ويقيم فيها، عبد ربه منصور هادي، فها هي تحقق ما عجزت عنه سنة 2014 وترغم السعودية على قطع علاقاتها مع قطر، وفرض حصار بري وبحري وجوي عليها.

بغض النظر عن مدى عمق، ومآلات الأزمة الحالية فإنها لم تدع مجالا للشك في استعادة الإمارات زمام السيطرة على القرار السعودي حتى يمكن اعتبار الرياض الإمارة الثامنة من الإمارات العربية المتحدة التي تديرها أبو ظبي. وهو ما يعني أن السعودية ستعود للانخراط في الحرب على التيار الإسلامي المعتدل، وتعيد رسم خطوط سقف الحريات المسموح بها في العالم العربي.

هل ستكون نكسة ثالثة؟

تعرضت غرفة عمليات الثورة المضادة التي تنفث سمومها من أبو ظبي، يرعاها ولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، تعرضت منذ انطلاق عملها إلى ثلاث نكسات؛ كانت أولاها على يد الثوار الليبيين الذي أوقفوا العملية في ليبيا بإطلاق عملية فجر ليبيا التي توجد مؤشرات عدة على انزعاج أبو ظبي منها، مثل التهم التي وجهت إلى بعض الليبيين الذي اعتقلوا في الإمارات لفترة طويلة.

أما النكسة الثانية فكانت بإفشال الشعب التركي للمحاولة الانقلابية التي استهدفت الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان ونظام حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم تركيا منذ قرابة عقد ونصف.

لقد أشارت الكثير من الوثائق والتسريبات إلى ضلوع أبو ظبي في التخطيط والتمويل لعملية الانقلاب الفاشل التي شهدتها تركيا منتصف 2016، وهو الفشل الذي فرض اتخاذ خطوة إلى الوراء في الحرب على الثورات العربية، وإرادة الشعوب.

فهل سيكون الفشل في الحرب على قطر ومحاصرتها هو النكسة الثالثة لغرفة العمليات؟ من الواضح لحد الساعة أن قطر رفضت الرضوخ للإملاءات الإماراتية، ونشرت حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي معروفة بمصداقيتها، منها حساب مجتهد، أن ولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي للإمارات وبخ مدير مخابراته، وكذا فعل قصر الحكم السعودي، بفعل التقديرات المبالغ فيها لحجم تأثر الدوحة بحصار أشقائها الخليجيين، ذاك الحصار الذي يعد سقوطا أخلاقيا لا قاع له، وقد يمهد لسقوط فعلي في المستقبل القريب جدا، ما لم يتدراك القوم قبل الفوات.

الخلاف الصلب

يشكل دعم حماس، وقطاع غزة، وجهود مقاومة الانقلاب الحوثي في اليمن، ورفض الحكم العسكري في ليبيا نقاط خلاف جوهرية بين السياسة الخارجية لكل من الدوحة وأبو ظبي، وليس من المتوقع أن يغير أي من البلدين موقفه في القريب العاجل نظرا لارتباط الملفات أعلاه برؤية استراتيجية لكلا البلدين؛ فالإمارات تنظر إلى التيارات الإسلامية التي توجد لها ثوة سياسية بهذه البلدان على أنها نقيض وجودي لها، كما أنها تنظر إلى أن بعض هذه البلدان في حال استقر يشكل منافسا اقتصاديا، واستراتيجيا لدول الإمارات، وموقعها الاقتصادي في المنطقة.

كما أن قطر التي راهنت في رؤيتها السياسية على التيارات المدنية السياسية؛ إسلامية وغير إسلامية، وعلى دعم الاستقرار لا يتوقع أن تقبل التبعية لسياسة دولة الإمارات التي تعد على النقيض منها تقريبا، في تحالفها مع الأستبداد من خلال الأنظمة العسكرية، ومحاولة عرقة ثورات التحرر التي تخوضها شعوب المنطقة.

وما من شك في أن الأقرب إلى نبض الشعوب في هذه البلدان، والتيارات الأقرب إلى نبض الشارع العربي كلها في صف قطر في المعركة الحالية. وأن النخب العسكرية، والمرتبطة بالعسكرية كلها، أو جلها مع دولة الإمارات، مما يعني صلابة أسس الانقسام في رؤية البلدين.

لا يخفى أن قطر ستتأثر، على المدى القصير، بالحصار خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، لكن لا يتوقع أن تغير قطر سياساتها التي منحتها قوة تأثير كبيرة واعتمدتها منذ أكثر من عشرين سنة، وهو ما قد يشكل هزيمة جديدة لغرفة عمليات الثورة المضادة.

[su_note note_color=”#ededad” text_color=”#000000″]هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر عين ليبيا[/su_note]

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • عبد الله محمد

    يروج كاتب المقال الى فرضية سيطرة إمارة قزمية على قرار المملكة العربية السعودية أكبر قوة عسكرية وسياسية واقتصادية بين دول الخليج واستخفافا بعقول الليبيين يحاول إقناعنا بأن ردة فعل 3 دول خليجية و 5 دول أخرى على التدخل القطري السافر في شؤونها الداخلية هو بمثابة انقلاب على الديمقراطيه؟ يحاول ترويعنا بخرافة الثورة المضادة التي إستعملتها الأحزاب الليبية المتأسلمة بعد خسارتها انتخابات 2014 فزجت غرب ليبيا في مسلسل العنف والحرق والدمار بحجة انقلاب حفتر المزعوم بعد أن نصبه البرلمان المنتخب قائدا لجيش شرق ليبيا، تناسى الكاتب أن السعودية هي التي تقود الحرب على الحوثيين الأنقلابيين بمشاركة فعلية من حليفتها دولة الأمارات أما قطر فمشاركتا المشكوك فيها طلب منها التوقفـ أخيرا، يجهل الكاتب أن الذي أعطي إمارة قطر القوة الفعلية لتغدر بجيرانها حلفاء الأمس هو وجود أكبر اسطول جوي أمريكي خارج أراضيها في قاعدة العديد القطرية مع 10 الاف جندي أمريكي رهن الأشارةـ حقيقة يجهلها الكثير من المغيبين بشعارات الأسلام السياسي.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً