سيف الإسلام هل سيساهم في الحل أم في زيادة التعقيد

سيف الإسلام هل سيساهم في الحل أم في زيادة التعقيد

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

الاخبار المتداولة بشأن إطلاق سراح السيد سيف الإسلام القذافي صحيحة، فأنا اجزم أنه يعيش حياة عادية ليس كسجين في بلدة الزنتان منذ مدة، أقرب ما يقال عنها انه تحت الإقامة الجبرية لدواعي أمنية!  لكن الإعلان رسميا انه أصبح طليقا من قبل المجموعة المسلحة التي كانت تحتجزه ببلدة الزنتان، جاء لاعتبارات سياسية واجتماعية تتوافق مع متغيرات إقليمية ودولية! وبقدر ما يهمنا التئام شمل كل اسرة ليبية كتب عليها التفرق والشتات نتيجة الاحداث العاصفة التي اجتاحت ليبيا منذ 2011، يغمرنا أمل كبير بأن يتم العفو العام واطلاق سراح كل المعتقلين الليبيين بدوافع وتوجهات سياسية، لتكون بداية حقيقية لمصالحة وطنية شاملة نحن في مسيس الحاجة لها الآن بعد حوالي سبع سنوات من التقاتل والتناحر والخلافات، والتي هزّت بقوة كيان المجتمع الليبي وجعلته في حالة من الفوضى والتخبط، نسأل الله ان تنتهي قريبا.

ان مطالب الليبيين التي بلغت سقفا عاليا ابان بداية احداث فبراير ،2011 ووصلت حد تغيير النظام سبيلا لتغيير الأحوال بما هو افضل، اصطدمت وللأسف بصخرة الفوضى والعبث التي فرضها من كانوا مصنفين كمعارضين للقذافي، وعلى رأسهم دعاة التيار الإسلامي المتشدد، الذين انتهزوا الفرصة وتقدموا الصفوف واحكموا بمساعدة اجنبية مباشرة سيطرتهم على جميع مفاصل الدولة الاقتصادية والعسكرية، ونظرا لافتقارهم للخبرة الإدارية عجزوا عن إدارة البلد ودفعوا بها الى اتون الهاوية والانهيار، فعمّت الفوضى وانفلتت الأمور وانقلب حال الليبيين الى الأسوأ حتى تقلّصت المطالب الى الحدود الدنيا فلم تتجاوز طلب الأمن ولو بالحد الأدنى من مكنة العيش الأساسية!

بقدر ما كان سيف الإسلام جزء من المشكلة التي لحقت بالليبيين، كونه ركن من اركان نظام ابيه معمر القذافي، بقدر ما يؤمل منه ان يكون جزء من الحل لهذه المشكلة، التي طالت وتعقدت أكثر، فهل سيكون إطلاق سراحه بداية لمساهمته في حل المشكل أم في زيادة تعقيده؟! هل ستكون عودته للحرية التي فقدها طيلة 6 سنوات دافعا له للاعتراف بأخطاء ارتكبها عن غير قصد أو قصد والده في حق الشعب الليبي؟! وهل يمتلك سيف الإسلام شجاعة الاعتذار للشعب الليبي عما فات من مخالفات حسبت على نظام ابيه؟! ليخط بذلك أول سطر في صفحة جديدة للتصالح بين الليبيين جميعا، ويستنهضهم للعمل سويا من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن ينهار ويتشظى؟! أم هل سيكون إطلاق سراحه بداية لفصل جديد من فصول ممارسة الحقد والانتقام التي يعيشها المجتمع الليبي منذ 2011 وحتى الآن؟!

إن تجربة سيف الإسلام في الحكم الى جانب ابيه ليست قصيرة، كما أن تجربته في السجن أيضا ستعطيه براحا واسعا في أسلوب وكيفية التعامل مع مقتضيات الأحوال، اذا ما تجرد من عقلية العارف والخبير والقائد الأوحد التي تأصلت في الثقافة السياسية خلال فترة حكم والده، فإذا ما تمكن من إدارة ازمته أولا بطريقة سليمة، يمكنه أن يكون مساهما في إدارة الازمة الليبية ثانيا، بالطريقة المناسبة التي تستند الى معطيات الواقع وتغوص في ظروفه بدرجة كبيرة من التعقل والحكمة ومراعاة المصلحة العامة، لبلد ينهار بعيدا عن الروح الذاتية والعقائدية الموجهة التي تتناقض اليوم مع متطلبات إعادة التوازن لجسم الدولة الليبية، الذي يترنح ولا يقوى على الثبات والاستقرار نتيجة عوامل كثيرة تعصف به وتكاد تسقطه !

ان أي دور محتمل في المعترك السياسي الليبي لسيف الإسلام، بعد ان اصبح طليقا، لا يمكنه أن يكون مؤثرا قبل ان تتم تسوية وضعه مع محكمة الجنايات الدولية، لذلك ستكون الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي مثول سيف الإسلام امام المحكمة الجنائية الدولية، والتي أتوقع انه سيخرج منها بصك البراءة، يسنده في ذلك قانون العفو العام الذي اخرجه من سجن المحاكم الليبية الى براح الحرية، ودعم بعض الدول النافذة المهتمة بالملف الليبي له، حينها يمكن له الدخول في المعترك السياسي الليبي مستندا الى حجم التأييد الشعبي لأبيه والذي يمثله هو الآن، لكنه يدرك انه في هذه المرحلة، لا يمتلك القوة العسكرية، ولا أي من مقاليد السلطة في البلد، وأن ثمة تيارات على الأرض تستحوذ على مصادر القوة والسلطة وبالتالي إمكانية الاصطفاف مع أي منها!.

أن غالبية الشعب الليبي الآن، يمكن القول انهم صاروا يؤيدونه أو يرون فيه رمزا ارتبط بذاكرتهم التاريخية السياسية، وهم حين يرون ذلك يستندون الى حالة مقارنة جبرية تخترق عقلية الليبيين، قياسا على ما وصلت الأمور اليه من حالة الضنك والمعاناة وبؤس العيش، الذي طال اغلب الليبيين ويتفاقم مطلع كل يوم جديد بالمقارنة مع ما كان في عهد أبيه، لذلك فإن الدور الأساسي الذي يمكن ان يلعبه الآن لا يتعدى دعوته للمصالحة الوطنية وتهيئة أنصاره لذلك وتغيير نمط تفكيرهم المنغلق امام خصومهم، الى نمط اكثر واقعية وانفتاح، واقناعهم بأن عهد الجماهيرية قد ولى، وأنه لا مناص من قبول الوضع الجديد الذي يراعي خيارات كل الليبيين دون استثناء!  فهل يكون سيف الإسلام رافدا أساسيا من روافد الحل للمشكل الليبي ام أنه سيزيد الأمر تعقيدا ويزيد من خلط الأمور بأكثر مما هي فيه الآن؟!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً