الأزمة الاقتصادية في ليبيا الأسباب والمعالجات (دراسة وصفية تحليلية)

الأزمة الاقتصادية في ليبيا الأسباب والمعالجات (دراسة وصفية تحليلية)

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

كثر الحديث هذه الأيام على ما يعانيه الاقتصاد الليبي من أوضاع متردية وصلت حد التأزم، وينعكس ذلك جليا على مظاهر الحياة الاقتصادية في ليبيا حيث بدأت تتكشف مظاهر الازمة مع منتصف العام 2014 وصارت الحال تشتد كل يوم جديد الى أن وصلت الى ما فيه الآن من شبه انسداد مالي واقتصادي، للأسف الشديد ان ظلال هذه الازمة القاتمة قد القت بثقلها على المواطن العادي حيث اصابته في محور معيشته الأساسي مما جعله يعاني بشدة من اثر ذلك وانعكس بوضوح على مستوى عيشه البسيط حين وجد نفسه شبه عاجز على مجاراة الانحدار الخطير في قيمة الدينار امام العملات الأجنبية والارتفاع السريع في أسعار السلع الضرورية التي ما عاد قادرا على ملاحقتها.

1- نبذة عن الاقتصاد الليبي

لقد تشكل الاقتصاد الليبي بصورة واضحة بعد الاستقلال وتأسيس الدولة الليبية، ولقد كان في بداية الخمسينات ضعيفا ويعتمد بالأساس على بعض المنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية بالإضافة الى العوائد الضريبية والجمركية، ومع اكتشاف النفط وبداية تصديره شهد الاقتصاد الليبي انتعاشا ملحوظا، غير انه يمكن القول انه ومنذ ذلك الحين بدأ الاقتصاد الليبي يتجه الى الاعتماد شبه الكامل على النفط باعتباره المصدر الأساسي للدخل، وهذا ما جعل الاقتصاد الليبي اقتصادا ريعيا وغير متنوع المصادر الذي يشكل في الواقع مجازفة خطيرة على مستوى الاقتصاد الوطني محفوفة بالمخاطر فارتهان اقتصاد البلد بمصدر النفط فقط يجعل تأثير الازمات التي يتعرض لها انتاجا وبيعا تأثيرا كبيرا يرتبط بمستوى الأسعار الذي يتأرجح انخفاضا وارتفاعا مما يتوجب توظيف ثروة النفط لفتح مصادر جديدة موازية تدعم الناتج المحلي وهو مع الأسف ما لم يتم توظيفه خلال العقود الماضية بعد عقد الستينات بداية الإنتاج الفعلي للنفط في ليبيا وبمعدلات اقتصادية مجزية. ويكفي ان نشير الى ان نسبة مساهمة النفط في الميزانية العامة للدولة الليبية تتراوح بين 91% الى 95% من اجمالي الميزانية وان نسبة النفط من اجمالي الصادرات الليبية قد بلغت حوالي 97% في بعض السنوات

2- موجز الإيرادات والمصروفات الفعلية خلال السنوات 2010-2016م (بالمليون دينار ليبي)

فيما يلي عرض للإيرادات والمصروفات الفعلية خلال السنوات 2010-2016 بالمليون دينار ومنها يتضح جليا أن الإيرادات الكلية قد بلغت ذروتها عام 2012 حيث وصلت الى حوالي ( 70.13) مليار دينار وبدأت في التناقص خلال الأعوام التالية 2013 و2014 و 2015 و 2016 وبلغت حدا ادنى حوالي 8.595 مليار دينار فقط. كما يلاحظ أيضا معدل الانحدار الكبير في الواردات غير النفطية والتي كانت في سنة 2010 حوالي 5.79 مليار دينار لتتراجع الى 1.9 مليار دينار فقط خلال سنة 2016 .

اما المصروفات فقد بلغت ذروتها في العام 2013 حيث وصلت الى حوالي 65.28 مليار دينار أي بزيادة حوالي 10 مليار دينار عن سنة 2010 ، ان الملفت هو حجم الانفاق الكبير في بند المصروفات التسييرية اذ تضخم بشكل كبير ففي حين كان حوالي 15 مليار دينار فقط عام 2010 وصل الى حوالي 42.5 مليار في عام 2013 بما نسبته حوالي 65% من اجمالي المصروفات !! وهذا ما يؤكد على عشوائية التصرف والأداء الغير منضبط والذي يفتقد للتخطيط والدراسة من قبل الحكومات المتوالية. الجدول رقم (1) يوضح موجزا للإيرادات والمصروفات الفعلية بالمليون دينار ليبي خلال السنوات (2010-2016).

جدول رقم (1) موجز الإيرادات والمصروفات الفعلية للدولة الليبية بالمليون دينار ليبي خلال (2010-2016)

البنود 2010 2011 2012 2013 2014 2015 2016
1- الإيرادات الكلية

  • إيرادات نفطية
  • إيرادات غير نفطية
61,503.1

55,713.0

5,790.1

16,813.3

15,830.1

983.2

70,131.4

66,932.3

3,199.1

54,763.6

51,775.7

2,987.9

12,543.3

19,976.6

1,566.7

16,843.4

10,597.7

6,245.7

8,595.2

6,665.5

1,929.7

2- المصروفات الكلية

  • التسييرية
  • التحول
  • الدعم وموازنة الأسعار
  • الميزانيات الخاصة
54,498.8

15,121.3

23,729.4

8,019.7

7,628.4

23,366.5

17,580.1

00.00

4,414.4

53,941.1

36,733.0

5,500.0

11,708.6

65,283.5

42,598.5

13,276.5

9,408.5

43,814.2

26,892.0

4,482.4

12,439.8

43,178.9

29,196.1

4,411.9

9,570.9

28,788.4

21,315.8

1,398.3

5,723.8

المصدر: وزارة المالية

العملة المتداولة لدى الجمهور (بالدينار الليبي خارج المصارف) خلال السنوات 2006-2016

بالنظر الى الجدول رقم (2) نلاحظ ان حجم العملة المحلية بالدينار الليبي المتداولة خارج المصارف قد تدرجت خلال الفترة من عام 2006 الى 2016 بشكل تصاعدي طبيعي حتى العام 2010 ولكن الامر اختلف مع سنة الاحداث 2011 حيث قفز حجم العملة المتداولة خارج المصارف من حوالي 7,6 مليار دينار عام 2010 الى حوالي 14,8 مليار دينار في عام 2011 أي بمقدار الضعف ثم عاد للتقلص قليلا خلال عامي 2012 و 2013 ليرتفع مجدد حتى وصل حوالي 27 مليار دينار في عام 2016 وهذه الزيادة الضخمة في حجم العملة المتداولة سببت بالطبع في سحب كميات كبيرة من العملة لدى المصرف المركزي والمصارف العاملة الى حد استنزف كل العملة الموجودة فعليا وهو ما دفع المصرف المركزي الى طبع كميات إضافية كبيرة من العملة المحلية فاقت 10 مليار دينار خلال سنوات 2014 و2015 و2016 . طبعا هذه مؤشرات تشوه واضحة في الاقتصاد الليبي لازالت قائمة وتحتاج الى معالجة ، الجدول رقم (2) يوضح ذلك.

جدول رقم (2) العملة المتداولة خارج المصارف بالمليون دينار خلال السنوات (2006 -2016)

السنة العملة المتداولة بمليون دينار ليبي السنة العملة المتداولة بمليون دينار ليبي
2006

2007

2008

2009

2010

2011

3,932.9

4,581.2

5,608.3

6,962.9

7,609.0

14,840.1

2012

2013

2014

2015

2016

13,391.1

13,419.9

17,174.9

23,007.3

27,103.2

المصدر: المصرف المركزي

الميزان التجاري لليبيا خلال الفترة 1991 – 2015 (بالمليون دينار ليبي)

المقصود بالميزان التجاري هو الفرق بين قيمة الصادرات والواردات للدولة، ونلاحظ ان الميزان التجاري الليبي خلال الفترة من 1991 وحتى 2016 احتوي بعض المؤشرات المتذبذبة التي يتسم بها الاقتصاد الليبي ولعل أبرز المؤشرات هو التصاعد التدريجي في القيمة الكلية للميزان التجاري عبر السنوات فمثلا كان اجمالي الميزان التجاري الليبي عام 1991 يساوي 750 مليون دينار ليبي الا انه سجل تراجعا في عام 1993 حيث كان فقط 35 مليون دينار ثم عاد للتصاعد من جديد لغاية 1997 حين بلغ 1,039.0 مليار وتسعة وثلاثون دينار ليبي ليتراجع الى 182 مائة واثنان وثمانون مليون دينار عام 1998 ثم استمر في التصاعد الكبيراعتبارا من العام 1999 الى ان وصل مداه عام 2008 حيث كان 51,089.0 واحد وخمسون مليار وتسعة وثمانون مليون دينار. وسجل تراجعا كبيرا اثناء احداث الانتفاضة والحرب عام 2011 حيث وصل الى فقط 9,590 تسعة مليار وخمسمائة وتسعين مليون دينار الا أن أسوأ المؤشرات هي العجوزات في الميزان التجاري والتي حدثت في أعوام 2014 و2015 و2016 وهذا راجع الى حالة الحرب واغلاق الحقول والموانئ.

 

السنة الميزان التجاري

(مليون دينار)

السنة الميزان التجاري

(مليون دينار)

السنة الميزان التجاري

(مليون دينار)

1991

1992

1993

1994

1995

1996

1997

1998

1999

750.0

750.0

35.0

329.0

955.0

915.0

1,039.0

182.0

1,148.0

2000

2001

2002

2003

2004

2005

2006

2007

2008

4,054.0

2,515.0

3,798.0

10,334.0

14,872.0

27,153.0

39,467.0

40,028.0

51,089.0

2009

2010

2011

2012

2013

2014

2015

2016

18,816.0

29,777.0

9,590.0

44,650.0

15,199.7

-14,120.7

-7,687.6

-20,259,012.601

المصدر: المصرف المركزي

الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الليبي نتيجة احداث الانتفاضة واقفال الموانئ النفطية

لأن الاقتصاد الليبي يعتمد كليا على مصدر واحد وهو النفط والذي يشكل حوالي 95% من الإنتاج المحلي لذلك يكون طبيعيا تأثره المباشر والجوهري بأي تأثير يطرأ على انتاج النفط وحيث ان الإنتاج الطبيعي للنفط خلال السنوات 2006 -2010 متوسطه كان تقريبا بمعدل 1.65 مليون برميل يوميا فقد تأثر هذا الإنتاج في العام 2011 نتيجة احداث الانتفاضة وانخفض الى حوالي 0.5 مليون برميل فقط ثم ارتفع في 2012 حتى وصل الى 1.5 مليون برميل يوميا ونتيجة لاستمرار الفوضى واندلاع الصراعات الاهلية في البلد انخفض معدل الإنتاج الى 1.0 مليون برميل يوميا في عام 2013 ثم تسبب اغلاق الموانئ والحقول النفطية في الربع الأخير من عام 2013 من قبل ميليشيات مسلحة تدعي انها من حرس المنشآت الى تدني معدل الإنتاج حتى وصل الى حوالي 350 الف برميل يوميا تقريبا خلال أعوام ( 2014 و2015 و2016)

وبحساب بسيط فان مقدار ما فقدته ليبيا من كميات النفط نتيجة الاقفال خلال تلك الثلاثة اعوام يقدر بحوالي 365 مليون برميل سنويا الذي يقدر بإجمالي 1095 مليون برميل،  واذا اضفنا الى ذلك مقدار العجز الذي حصل في 2013 البالغ تقريبا 0.5 مليون برميل يوميا أي بمعدل حوالي 180 مليون يرميل سنويا واذا اضفنا أيضا مقدار العجز الذي طرأ في احداث الحرب عام 2011 وهو تقريبا مليون برميل يوميا أي 365 مليون برميل ، فإن اجمالي الفاقد خلال كل تلك السنوات (1095+ 180+ 365 = 1640مليون برميل)،  واذا ما اخذنا متوسط سعر البرميل خلال الفترة 2011 – 2016 وهو تقريبا 65 دولار للبرميل يكون قيمة ما فقدته الدولة الليبية من عوائد ثروة النفط يعادل تقريبا (1640 * 65 = 106,600 مليار دولار وهو ما يعادل تقريبا 149,240 مليار دينار ليبي)

إيرادات ومصروفات العام 2016

يلاحظ ان مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة خلال 2016 كان موزعا بين ما نسبته 23% من الموارد النفطية و 70% سلفة من المصرف المركزي، وهذا بدوره يعطي مؤشرا سلبيا عن حقيقة الوضع المالي الصعب للدولة الليبية ، أن يصل العجز في تمويل الميزانية الى ما نسبته 70% من الميزانية العامة للدولة يعني ان الموارد الأساسية للتمويل وهي النفط تحتاج الى تركيز واهتمام خاص وطبعا الأسباب معروفة وهي عدم القدرة على التصدير نتيجة الإيقاف المتعمد من بعض الميليشيات زائد الانخفاض الحاد في أسعار النفط مقارنة بالسنوات السابقة، كما يتضح أيضا القصور الواضح في مستوى الإيرادات الأخرى من ضرائب ورسوم جمركية وغيرها.

البيان الإيرادات المحققة بالدينار الليبي
صافي الإيرادات النفطية

إيرادات الضرائب

الرسوم الجمركية

رسوم الخدمات العامة

الاتصالات

مبيعات المحروقات المحلية

اجمالي الإيرادات النفطية والسيادية

تمويل من بواقي ارصدة الميزانيات السابقة

تمويل من حساب الاحتياطي العام

اجمالي موارد الخزانة العامة

سلفة مصرف ليبيا المركزي

اجمالي الموارد

6,665,450,922

716,985,271

64,335,774

348,007,132

214,933,005

580,049,794

8,589,761,898

5,506,109

250,000,000

8,845,268,007

20,676,560,601

29,521,828,608

المصدر: تقرير ديوان المحاسبة لعام 2016

الأسباب الرئيسة للأزمة الاقتصادية في ليبيا والنتائج المترتبة عليها

لقد تباينت الآراء حول مسببات الازمة الاقتصادية وهناك من يخلط بين الأسباب والنتائج وهنا كان العجز واضحا من المسئولين في القطاع الاقتصادي والمالي على مواجهة الواقع والافصاح عن حقيقة ما أصاب البلد من تدهور وتدني في مركزها المالي ووضعها الاقتصادي مما يثير الشكوك بأنهم غير آبهين بحجم المشكلة وغير مدركين لتداعياتها الحاضرة والمستقبلية على الشعب الليبي وعلى المركز المالي للدولة الليبية ومن خلال متابعة لمجريات الاحداث عن قرب ودراسة ما احتوته التقارير الاقتصادية والمالية المتعلقة بالوضع الليبي الصادرة عن وزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة يمكن حوصلة أسباب الازمة المالية والاقتصادية وكذلك النتائج التي ترتبت عنها فيما يلي:-

أولا: أسباب الازمة المالية والاقتصادية

  1. بالنظر الى ان المصدر الأساسي الوحيد للدخل في ليبيا هو النفط, فإن تدني انتاج النفط الليبي وتصديره بشكل ملحوظ نتيجة العمليات العسكرية التي رافقت انتفاضة فبراير2011 ، أثر مباشرة عن الوضع الاقتصادي حيث افقد الميزانية الليبية خلال سنة 2011 مقارنة بالسنة السابقة 2010 ما يقدر بحوالي (61-16=45) خمسة واربعون مليار دينار مع الاخذ في الاعتبار ان متوسط سعر البرميل خلال 2011 اعلى بقليل من متوسطه سنة 2010.
  2. بالرغم من انتهاء العمليات العسكرية الفعلية مع نهاية العام 2011 الا ان الفوضى المسلحة أدت مع نهاية عام 2013 الى التعدي على الحقول والموانئ النفطية والتحكم فيها من قبل ميليشيات مسلحة ثم الى اقفال اغلبها نهائيا ومنع تصدير البترول وهو ما زاد من حدة الازمة الاقتصادية والمالية للبلد حيث تراجع مستوى الإنتاج والتصدير من ما يقارب 1.5 مليون برميل يوميا الى حوالي 300,000 برميل يوميا فقط أي بانخفاض وصل الى خمس الإنتاج الفعلي السابق!
  3. ضعف وتدهور الأداء الحكومي ما بعد 2011 على مستوى صناعة القرار حيث توالت على البلد حكومات تفتقر لأبسط متطلبات الإدارة الرشيدة في التخطيط المالي والاقتصادي ما انتج جملة من الإجراءات والقرارات العبثية الغير مدروسة والتي أثرت مباشرة في الوضع المالي والاقتصادي على المدى القريب والبعيد مثل قرارات التعيينات العشوائية الجديدة، والايفاد للخارج، والعلاج، والمنح، وكلها حمّلت الميزانية العامة للدولة أعباء إضافية كبيرة، زد على ذلك قرارات زيادة المرتبات لبعض القطاعات الحكومية بدون دراسة مثل أعضاء الجهات التشريعية والقضائية وديوان مجلس الوزراء والوزارات( وزراء-وكلاء- مستشارون) و الرقابة الادارية وديوان المحاسبة وغيرها
  4. تدني أسعار النفط في الاسواق العالمية التي وصلت في عام 2012 حوالي 110 دولار للبرميل بينما انخفضت في الاعوام 2013 – 2014 – 2015 -2016 الى متوسط سعر حوالي 45 دولار للبرميل
  5. عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة للسلع المدعومة مثل المحروقات وبعض المواد الغذائية الأساسية مما شكل استنزافا ظاهرا للثروة الليبية يقدر بملايين الدينارات يوميا وعلى مرأى ومسمع من الجميع سواء في المنافذ البحرية او البرية!
  6. تضخم حجم التحويلات بالنقد الأجنبي المستعملة في الواردات حيث بلغت حوالي 23 و43 و38 و22 مليار دينار ليبي في سنوات 2012 و2013 و2014 و2015 على الترتيب مقابل تناقص تدريجي في ميزان المدفوعات الليبي حيث سجل عجزا مقداره جوالي -14 مليار دينار في 2014 وحوالي -7 مليار دينار في 2015
  7. التوقف شبه الكامل لتحصيل الأموال من المصادر الأخرى المساندة مثل الضرائب والجمارك ورسوم استهلاك الكهرباء والمياه وبعض الخدمات مقابل الزيادة الملحوظة في حجم الاستهلاك نتيجة الطفرة العشوائية في البناء والانشاءات الجديدة
  8. استمرار الفوضى والانفلات الأمني وتغول بعض الميليشيات واستعمالها للقوة في الحصول على مطالبات مالية غير شرعية مما أربك المنظومة المالية والإدارية وخلق تشوهات اجبارية فيها
  9. الانقسام السياسي ما بعد عام 2014 وما ترتب عنه من وجود أكثر من جهة تشريعية وحكومة واحدة في وقت واحد والى الآن ما أثر على الأداء المالي للمصرف المركزي وأربكه وأضعف كذلك من قدرات الأجهزة الرقابية والمالية

ثانيا: النتائج المترتبة على الازمة المالية والاقتصادية

لقد ساهمت تلك الأسباب مجتمعة في التأثير على الوضع الاقتصادي والمالي للدولة الليبية سلبيا وترتب عن ذلك جملة من النتائج أهمها:

  1. عجز كبير في الميزانية العامة للدولة الليبية اعتبارا من سنة 2014 وحتى الآن وصل الى ما نسبته اكثر من 70% مما هو مقدر وفق ميزانية العام 2016
  2. تضخم كبير في حجم ميزانية الباب الأول المتعلق بالمهايا والمرتبات حيث قفز الرقم من حوالي 11 مليار دينار ليبي مع نهاية عام 2011 الى حوالي 23 مليار دينار ليبي بين عامي 2012 و2013 وهذا التضاعف يعتبر خللا فاضحا ولا مبرر له وفقا للمؤشرات الدولية الاقتصادية والمالية!
  3. تدني حجم التدفقات النقدية في المصرف المركزي وعجز المصرف المركزي على التمويل المناسب في الوقت المناسب لتغطية متطلبات الميزانية العامة في بنودها المختلفة مما اضطره للجوء الى الدين العام وتقديمه لسلف مالية لغرض معالجة العجز الكبير
  4. بسبب الانقسام السياسي وعدم وجود آلية اتخاذ القرار الموحد على مستوى الدولة، جعل المصرف المركزي يقوم بدور كل الاجسام الأخرى التشريعية والتنفيذية العليا في الدولة، فيما يتعلق باتخاذ بعض القرارات السيادية والتي هي أصلا تخص وزارتي المالية والتخطيط، مثل إعادة تصوير الميزانية وفق المتاح لديه، وكذلك لجوء المصرف المركزي لتقديم سلفة مالية من الاحتياطي العام لديه لتغطية العجز في الميزانية العامة للدولة وهذا يخضع وفق القانون لموافقة السلطة التشريعية العليا التي هي منقسمة وغائبة !
  5. تآكل الاحتياطي النقدي للدولة الليبية سواء من العملة المحلية أو الأجنبية بالنظر الى ان حجم الواردات اقل بكثير من حجم المصروفات وهو ما يشكل تشوها ملحوظا في بنية الاقتصاد الليبي خلال هذه السنوات.
  6. منع توريد العملة بالنقد الأجنبي لدى المصرف المركزي منذ عام 2013 لاعتبارات منع تمويل الإرهاب التي اتخذها مجلس الأمن، جعل المصرف المركزي يعجز عن الوفاء بحاجة السوق الليبي من المواد المستوردة والتي كانت تصرف من خلال فتح اعتمادات للتجار، وهذا ما أدى الى نشوء حالة حادة من المضاربة وتدهورا كبيرا في قيمة الدينار أمام العملات الأخرى، حيث لجأ بعض التجار الى شراء العملة الصعبة من السوق الموازي لتلبية الطلب على السلع التي يوردونها
  • زيادة الطلب على استعمال النقد المحلي وتداوله نتيجة ارتفاع أسعار السلع المختلفة، توازيا مع تدهور قيمة الدينار امام العملات الأخرى، ما أدى الى سحب كميات كبيرة من النقد المحلي من المصارف وتحولها في ايدي التجار وتداولها خارج المصارف (28 – 30 ) مليار دينار، وهذا أدى الى نقص في السيولة المالية النقدية لدى المصارف ونشوء مشكلة عدم توفرها للمواطنين
  • بروز ظاهرة الابتزاز المالي وخطف واحتجاز أصحاب رؤوس الأموال من قبل عصابات إجرامية منظمة، مقابل الحصول على فدي مالية مجزية! الامر الذي فاقم من ازمة عدم توفر السيولة نظرا لخوف أصحاب الأموال من الابتزاز وفقدانهم الثقة في التعامل مع المصارف نقديا وبالتالي عزوفهم عن الإيداع النقدي في المصارف.

المعالجات المقترحة

امام هذا الوضع المتدهور للاقتصاد الليبي، واخذا في الاعتبار جملة الأسباب والنتائج سالفة الذكر، يمكن اقتراح المعالجات التالية والتي وان كان بعضها قاسيا، فهي ضرورة تقتضيها المرحلة وتكون مؤقتة خلال فترة زمنية محددة، وتنقسم هذه المعالجات الى معالجات طارئة تبدأ فوريا خلال مدة لا تتجاوز 3 شهور، ومعالجات متوسطة وطويلة الأمد قد تستغرق سنوات ومن هذه المقترحات ما يلي:

المعالجات الطارئة:

  • الغاء مرتبات النواب وأعضاء المؤتمر ولجنة الدستور والوزراء والوكلاء وما في حكمهم ومعاملتهم ماليا حسب درجاتهم الوظيفية فقط
  • إعادة المرتبات في القطاع العام الى ما كانت عليه في العام 2011 وتجميد كل الزيادات التي اقرت فيما بعد والتي شملت بالخصوص قطاعات معينة مثل الشركات العامة كالاتصالات والاستثمارات وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية والهيئات القضائية وغيرها
  • تجميد كل التعيينات التي صدرت بعد 2011 في القطاع العام وتشكيل لجان مختصة لدراستها واعادة تقييمها وفق المتطلبات والمعايير الوظيفية والاحتياج
  • الشروع الفوري في استبدال الدعم للسلع الأساسية والوقود بالدعم النقدي ووضع آلية سريعة ومضمونة لانتفاع المواطن الليبي بالمبلغ المحدد لكل فرد عن طريق صرف بطاقات الكترونية تشحن كل ثلاثة اشهر بقيمة الدعم المحدد للفرد وتسلم لكل رب اسرة من خلال الرقم الوطني قبل سريان رفع الدعم بشهرين على الأقل

المعالجات متوسطة المدى

  • صرف علاوة الأبناء بصورة منتظمة لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة التي تعانيها البلد حاليا تحقيقا لمبدأ العدالة في الاستفادة من الثروة
  • التعجيل بإصدار قانون عام للمرتبات يلغي التمايز الكبير الذي حدث في الآونة الأخيرة في المرتبات ويكون منصفا ومرتكزا على سنوات الخبرة وفق التدرج لسلم الدرجات الوظيفية
  • إعادة هيكلة القطاع العام وفق الإمكانيات المتاحة ومراعاة الاحتياج الفعلي من العناصر بما يتناسب مع حجم العمل ومستويات الاداء المطلوبة لإنجاز المهام المطلوبة
  • انشاء صندوق خاص لدعم المشروعات الصغرى والمتوسطة لتشجيع القطاع الخاص وإيجاد فرص عمل جديدة
  • انشاء صندوق للعمالة الزائدة في القطاعات العامة يتكفل باستمرار مرتباتهم الحالية لحين تسوية أوضاعهم اما بالتقاعد الاختياري أو بإيجاد فرص عمل لهم بالتنسيق مع صندوق دعم المشروعات الصغرى والمتوسطة
  • تحديد حصة سنوية موزعة شهريا لكل مواطن من التحويلات بالعملة الأجنبية وحفظ حقوق المواطنين بالتمتع بها بالمساواة
  • الاتجاه الى خصخصة القطاع العام بصورة تدريجية وضمان عدم تأثر ذوي الدخل المحدود من خلال برامج دعم منضبطة لهم بالخصوص

[su_divider top=”no” size=”1″]

المراجع

  • التقرير السنوي لديوان المحاسبة لسنة 2016
  • النشرة الاقتصادية- الربع الرابع /المصرف المركزي 2016
  • دراسة اصلاح دعم المحروقات/ وزارة التخطيط 2017
  • موجز الإيرادات والمصروفات الفعلية في ليبيا للسنوات من 2010 الى 2016 / وزارة المالية
  • المؤسسة الوطنية للنفط

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً