مكان كالوطن.. فأين يذهب فقراء ليبيا اليوم؟

مكان كالوطن.. فأين يذهب فقراء ليبيا اليوم؟

منذ أواخر السبعينيات عانى ولا زال أغلب الليبيين يعاني قهر الفقر وضيق العيش ومذلة الحاجة والسؤال على الرغم من أننا شعب تعداده قليل بوطن كبير وهبه الله من الخيرات والثروات الطبيعية والنعم ما كان يكفينا لنعيش حياة كريمة وفي رخاء وازدهار بكل المقاييس.. نعم كان هذا ليتحقق لليبيين لو أنهم امتلكوا وطنهم وأصبحوا سادة فوق أرضه أحرار.. ولكن شاءت الأقدار أن هذا لم يتحقق لهم خلال حقبة مضت من الزمن وفي ظل سيطرة وهيمنة حاكم على ليبيا حمل كراهية مقيتة لشعبها وعمل على خداعه وتضليله لعقود واهما الجموع من الشعب الليبي بأنه يملك وطنه وبيده السلطة والثروة والسلاح وأنه يعيش في كنف مجتمع اشتراكي حر سعيد.. نعم كان حاكم مخادعا من الطراز الرفيع على المستوى المحلي لم يتهنى الليبيون في ظل حكمه برغد العيش وبالأمن والأمان الاقتصادي والاجتماعي فقد ظل الليبيون على مدى عشرات السنين يلهثون ويكدون ويمارسون أبسط المهن من أجل فتات العيش..

لا أريد سرد القوانين الماكرة و الظالمة في مقالتي هذه التي أصدرت على فترات من أجل بقائهم فقراء محتاجين ,فهي لم تستني الا عدد قليل  من الليبيين والعائدون من كانوا في فلكه يتزلفون و هذه حقيقة مرة مرارة الزقوم لا ينبغي على الليبيين اليوم نسيانها أبدا مهما كانت الدوافع والظروف والأحوال والأسباب التي نعيشها اليوم ..فقد حرم الليبيون من ثروات وطنهم ومن أموالهم ومن ثروات وطنهم وخيراته على مدى عقود وليبيا لم تكن يوما لليبيين وكأن الحاكم الظالم أراد لهذه الثروات والنعم والخيرات التي يزخر بها وطننا أن تكون نقمة دائمة لا نعمة على الشعب الليبي في حين استطاعت فئات محدودة ورموز وشخصيات معروفة لكل الليبيين في مدن وأرياف وقرى من المجدين والحذاق اشتهرت بالمهارات وبالدهاء والتملق والتزلف والنفاق من الاستيلاء على الاموال والثراء على حساب الشعب المغلوب على أمره والمسكين أبان تلك السنين ويا لها من سنين !!! فقد تغيرت وتبدلت فيها أحوال الليبيين الطيبين البسطاء الصادقين الى الأسوأ وظهر الفساد على مختلف الأصعدة وأثَّر  تأثيرًا سلبيا على  الحياة العامة والاجتماعية والسياسية وأخذ في الانتشار بجسد المجتمع وفق سياسات مرسومة بمكر وخبث شيطاني كالنار بالهشيم فتولدت الأحقاد معه والضغائن بين الليبيين وفسدت الأخلاق وتوغل الحسد في الوجود بين الناس وصار المال غاية وهدف عمل العديد والكثير من المتملقين والأنذال على حيازته وامتلاكه بأبخس الوسائل وأنذل السبل على حساب مصلحة الشعب الليبي المغلوب والمسكين ..فالفساد الذي توارثه الليبيون أصبح سبب بلائنا أجمعين وثقافته هي من أوصلتنا لهذه الأوضاع  اليوم..

نعم هذه حقيقة مأساة الشعب الليبي الذي حرم من ملكيته المقدسة لوطنه ولثرواته ولأمواله ومن خيرات أرضه على مر عقود في ظل حكم الطاغوت ودولة الحقراء.. هذه حقيقة مأساة الشعب الليبي الذي لا زال محروما حتى هذه الساعة من امتلاك حقه المقدس في وطن وهبه له الخالق الرزاق الواحد الديان وهذه حقيقة الفساد الذي اصاب الحياة السياسية والذي عمل على بقاء أغلب الليبيين حتى اليوم محرومين من ثروات وطنهم وخيرات أرضه رغم كل ما عانوه وما قدموه خلال هذه الأحداث من خسائر وشهداء ورغم التضحيات.. لا زال أغلب الليبيين فقراء ولا زال عدد فقراء ليبيا يتزايد صباح كل يوم بوطن جريح مسلوب في ظل صراع نخب وأشباه ساسة ومجرمين لا هدف لهم الا السلطة والوصول لخزائن الدولة والاستيلاء على أموال الليبيين ظلما وعدوانا.. هذه حقيقة مأساة الشعب الليبي وأنها ورب الكعبة حقائق مزرية ومهينة لنا وواقع مؤسف يؤلم كل ليبي له قلب حي وضمير وايمانا بيوم الحساب.. يوم لا ينفع مال ولا بنين الا من أتى الله بقلب سليم.. هذه حقيقة مأساة ليبيا وطننا حضن الجميع ولا مكان كالوطن فأين يذهب فقراء ليبيا اليوم…؟

لا شك أن هذه السياسات الحالية المتخلفة البالية والرجعية  للقوى السياسية المريضة الهادفة لا عادة تكريس الدكتاتورية بثوب جديد وفرض الوصاية على الشعب والسيادة على ثروات وطنه وأمواله وخيرات أرضه لا تحترم ولا تعترف بتضحيات الشهداء ولا تخدم الشعب الليبي في شيء ولا تحقق حريته ولا كرامته و لا تبشره بغد أفضل ولا بمستقبل زاهر للأجيال بل أنها ستطيل من أمد معاناته وتزيد في قهره وذله .والقول بأن الدولة ستنجز وعودها بتحقيق النهضة والرخاء للوطن والحرية والكرامة  للشعب  قول لا وجود لأي ضمانة لمصداقيته من الناحية الواقعية والدلائل كثيرة لا تعد ولا تحصى وتجربة الشعب الليبي بعد انتفاضته ليست عنا ببعيدة  غنية بالبراهين على زيف هذا الادعاء الباطل المخادع وبالتالي فانه من الأجدر بالليبيين اليوم تحري الحقيقة واليقظة وادراك حقيقة أن أي استفتاء على هذا الدستور الذي لا ينص على فصل المال عن السلطة وعلى رفع صلاحيات السلطة السياسية عن أموال الشعب لن يقود الليبيين الا الى مزيدا من الفقر والذل والمهانة والاحتقار للشعب الليبي ولن يقود ليبيا الا للهاوية بكل ما تحمله هذه الكلمة من مدلولات مادية وسيقود العديد من ضعفاء النفوس المرضى والطامعين الى مزيدا من الصراع السلبي المدمر على السلطة والحكم.. هذه حقيقة يعلمها أعضاء لجنة الستين وعهدي بهم أساتذة ومثقفين وقد أعتقد أغلب الليبيون بأنهم أحق وأجدر بهذه الأمانة وأهل لإنجاز هذا الاستحقاق الدستوري وهذا الواجب الوطني الخطير وانهم وطنيين وشرفاء أخيار وبأنهم أحرار الارادة تقدموا الصفوف لخدمة الشعب فوهبهم ثقته وأنتخبهم وحملهم هذه الأمانة. فهم يعلمون علم اليقين بأن الشعب لن يكون سيدا في وطنه الا بامتلاكه لثرواته وأمواله وهم يعلمون علم اليقين بأن أولى الخطوات الصحيحة نحو دولة الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية هي فصل المال عن السياسة وهم يعلمون أن اهم قواعد الديمقراطية وأسسها السليمة تؤكد بأن الشعب هو صاحب الحق والأرض والمالك الشرعي لثرواتها فلماذا حرصوا على صياغة الباب التاسع من الدستور وفق ثقافتهم ومفاهيمهم المغلوطة  ونواياهم الظالمة والسيئة وبمكر سياسي يهدف لسلب الشعب سيادته على ثروات وطنه ولتنازله عنها لصالح مؤسسة الدولة هذا المصطلح المجازي؟

لا يسعني المقام ولا المقال الا لتوجيه دعوة عاجلة لرئيس وأعضاء لجنة الستين بمناظرتي أمام كل الليبيين بالحجة والعقل ولغة الفكر والبيان والايمان بالله رب العالمين … فما صاغوه في مسودة دستورهم لا يعبر الا عن كراهية و حقد دفين على الليبيين ما  يقومون به من محاولة لفرض قناعتهم وأفكارهم المظلمة وقواعدهم الظالمة على الشعب الليبي اليوم لا يختلف عن ما أرتكبه القذافي من جرائم في حق الليبيين  ولا يعد الا مؤامرة دنيئة  لخداع الشعب الليبي و عبثا وعهر سياسي ما بعده عهر وخيانة ما بعدها خيانة للوطن الجريح ولهذا الشعب الطيب الكريم المغلوب على أمره و المسكين..

كم تمنيت أن تحققت أمال الليبيين وطموحاتهم وأحلامهم التي طالما اشتاقت عيونهم لرؤيتها حقيقة لا خيالا.. كم تمنيت أن لم يلحق الوطن أي أذى ولا دمار وأقبلت السنين بعد انتفاضة البسطاء وتدخل الغرباء بالإصلاح والأمان والرخاء وبالخير على ليبيا والليبيين.. كم تمنيت ألا يتدخل بعد اليوم أحد من الغرباء أو العرب الأشقاء في أمرنا الا انحيازا لنصرة حقوقنا العادلة والشرعية يساند وحدة صفنا في هذا الوجود..  كم تمنيت أن لم يكن هناك قتال بين أبناء الوطن الواحد ولا دم قد سال ولا اقتتال وكم أتمنى أن يؤلف الله بالحق بين قلوبنا اليوم.. كم تمنيت أن من تولوا أمرنا ما خانوا أمانة ولا عهدا وما سرقوا مالا ولا ذهبا ولا تخاصموا ولا تفرقت السبل بصفوفهم والغايات …  كم تمنيت أن أرى من يعارضون معي اليوم استمرار حرمان الشعب الليبي من ثروات وطنه ويرفضون استمرار مسلسل التضليل والخيانة والخداع وهذا العبث والعهر السياسي والفساد وضياع الوطن ومهانة العباد.. كم تمنيتهم يناضلون سلميا صفا واحدا من أجل نصرة قضاياهم العادلة والشرعية في هذا الوجود..

كم تمنيت أن يثور  الليبيون ليحرروا عقولهم من ثقافات الضلال والطغيان والفساد ويتعوذوا من شرور أنفسهم ومن سيئات أعمالهم ويتوبوا لله توبة نصوح ليتخلصوا من أحقادهم وأضغانهم ومن فرقتهم وخبثهم ومكرهم وأطماعهم الدنيئة ويدركون جيدا الحقيقة الكبرى وأن الحياة الدائمة بعد الممات .وأن الخلود والعزو والكبرياء لله وحده خالق هذا الكون والوجود…كم تمنيت ان كانت لنا مواقف وطنية بطولية مشرفة وحقيقية لخوض غمار ثورة ثقافية والانتصار على  الأنا والذات ..كم تمنيت أن أصبحت عقولنا مضيئة مستنيرة بنور ثقافة بديلة عن ثقافاتنا البالية الرجعية ثقافات التقليد الأعمى والتبعية والجمود والخنوع والهوان … ثقافة بديلة  منبعها ديننا الحنيف وتراثنا الأصيل المحمود  وزادها الفكر والعقل والايمان تقود شعبنا لحاضر أفضل ولغد مشرق ومستقبل زاهر للأجيال .. كم تمنيت أن أحترم الساسة قواعد اللعبة الديمقراطية وغلبوا مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية والقبلية والحزبية القزمية.. كم تمنيت أن صدقت نوايانا تجاه الوطن وصدقت نوايا من تسلقوا واعتلوا مراكز الحكم والسلطة والجاه والمال والنفوذ والسلطان..

كم تمنيت أن اكتملت فرحة الشعب الليبي العظيم بعودة الحق لأصحابه وأمتلك الليبيون وطنهم وثرواتهم وأموالهم وعاشوا الوئام والسلام ورغد العيش في نهضة ورخاء وبكرامة حقيقية.. كم أتمنى من الخير الكثير لليبيا ولليبيين وأنا أتابع ما يعانيه الشعب من أزمات وما يحدث في وطني اليوم من جرائم قذرة ومؤامرات دنيئة في حق الشعب وفي حق قيمنا النبيلة ومثلنا الانسانية وأنا أتابع ما يحدث على المسرح السياسي من مهازل ونفاق وترهات. فحسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ويبقى السؤال لا مكان كالوطن. فأين يذهب فقراء ليبيا اليوم؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً