سياسة عرض النقود في دول الخلافة الإسلامية: ق 1\3

سياسة عرض النقود في دول الخلافة الإسلامية: ق 1\3

د. نوري عبد السلام بريون

المستشار الاقتصادي، ومدير إدارة الرقابة على المصارف الأسبق لمصرف ليبيا المركزي

1) مقدمة

من ضمن السياسة النقدية لأي مصرف مركزي هو إختيار وحدة نقدية قادرة أن تحكم بالعدل بين الناس كما يقول العلامة محمد أبو حامد الغزالي، ولذلك يعتبر الشيخ الغزالي كنز الذهب والفضة وحبس عملات التداول في البيوت، بمثابة حبس القاضي وإبعاده عن الحكم بالعدل بين الناس، كما هو السائد في ليبيا هذه ألأشهر. ولكن للأسف مر العالم بتجارب  كثيرة من قاعدة الذهب إلى قاعدة التغطية  الجزئية بالذهب، إلى قاعدة التغطية بالدولار والعملات القابلة للتحويل، ثم أصبحت التغطية جزئيا بالنقد الأجنبي، وآلباقي يتم غطاؤه بسندات وأذنات خزانة على الدولة ، مما ساهم في إضعاف الثقة  بين دول شركاء التجارة،وزاد من تراكم الديون بين تلك الدول حتى أثرت في تقليل حجم  التجارة بينها.إذن  وجبت العناية  بدقة إختياروحدة النقود القابلة للثبات وآلإستقرار في المدة الطويلة، مما ستكون هي الوحدة النقدية المثالية التي ينتظرها  العالم ،وإن نجحت سيشيد بها المحلل ألإقتصادي. ومن جهة أخري، رأيت أن دول الخلافة ألإسلامية، قد إستمرت أكثر من ألف سنة ، تستخدم قاعدتي الذهب والفضة، ألا يجب التمعن في دراستهما، وتبيان محاسنهما ومساوئهما، وإن صلحتا، يمكن الرجوع إليهما، مع أخذ الحيطة وجميع سبل الرعاية، للمحافظة على ثبات وآستقرار قوتهما الشرائية في السوق،وإن تحقق ذلك للنقدين حٌق لنا أن ننشد  ما  أحلى الرجوع إليهما، ما أحلى الرجوع إليهما.

2) التعريف  بالدينار الذهبي والدرهم الفضي:

من أشهر النقود المتداولة في مكة كان الدينار الذهبي الذي قامت بسكه ألإمبراطورية البيزنطية قبل الميلاد وحدد وزنه  بمقدار 4.25 غرام من الذهب الصافي، كما كان يتداول الدرهم الفارسي في مكة الذي قامت ألإمبراطورية الفارسية المجاورة للبلدان العربية بسكه من الفضة الصافية. وبما أن مدينة مكة تعتبر مزارا مرغوبا للسكان العرب في البلدان المجاورة،والسكان غير العرب من البلدان ألأخرى، ألأمر الذي جعل مدينة مكة تتوفر فيها نقود مختلفة بأوزان مختلفة هي ألأخرى، لذلك كان أهل مكة يتعاملون بهذه النقود وزنا وليس عدا، إذ تعامل أهل مكة في الجاهلية بالدينار الذهبي والدرهم الفضي وفق ألأوزان التي كانوا يرونها ملائمة، سواء كانت نقودا مضروبة، أو كقطع وسبائك غير مضروبة من الذهب والفضة.(القرضاوي-فقه الزكاة – 1969- ص 240).

وبعد بداية انتشار تعاليم الإسلام وجد المسلمون الدينار الذهبي البيزنطي والدرهم الفضي الفارسي عملتين رئيستين يتداولهما أهل مكة وأهل  المدينة المنورة، ووجد أن تداولهما في السوق كمقياس للقيمة يساعد وينشط تسريع التجارة والنشاط ألإقتصادئ، فتم إقرارهما كنقدين شرعيين بعد الحديث: عن إبن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة) رواه أبو داوود،والنسائي، ذلك لأن أهل المدينة يمتهنون الزراعة وذو خبرة جيدة بأحوال المكاييل، بينما أهل مكة يمتهنون التجارة وذو خبرة فائقة بالموازين .(جوجل-17\7\2017-س19). وكان سعر الصرف بين العملتين قبل ظهور ألإسلام وبعد إنتشاره بمدة طويلة يصمد ثابتا دون تغيير عند عشرة دراهم فضية لكل دينار ذهبي صافي( 24 قيراط). علما أن ألإمبراطورية البيزنطية قبل الميلاد قد سكته بوزن 4.25 غرام من الذهب الصافي، وبالتالي تكون قيمة الدرهم تساوي 425 ملليغرام (4.25÷10= 0.425 غرام) من الذهب الصافي. وهنا وجب القول إن سياسة دولة ألإسلام النقدية خلال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما بعده، قد تبنت عملتي الدينار والدرهم اللتين لا تمتان إلى الإسلام بصلة ،ضمن عرض النقود لدولة إسلامية , ولكن كيف نعرف حجم وزن الدرهم الفضي؟   يتحقق هذا بوجود النسبة بين حجمي النقدين مباشرة أو بحساب القوة الشرائية من سلعة معينة لكل من النقدين مختلفة عنهما مثل الشعير أو الخردل. إذ جاء في كتاب (القرضاوي- فقه الزكاة- 1969 –ص257) (ذكر المقريزي أن قدماء اليونان الذين وضعوا وزن الدرهم والدينار قدروه بحب الخردل لدقة حجمه وعدم إختلافه باختلاف ألأمكنة، فقدروا الدرهم بـ4200 حبة خردلة، والدينار بـ6000 حبة خردلة.) وبقسمة القوة الشرائية للدرهم على القوة الشرائية للدينار تكون النسبة بين حجمي الدرهم والدينار هي (4200 ÷6000 =0.7 ، أي وزن الدينار من الذهب يساوي وزن سبعة دراهم من الفضة )،علما أن المقريزي هو مؤرخ مسلم مصري (766-845هج) (1364-1442م) والمعروف بإسم تقي الدين المقريزي( أحمد بن علي المقريزي).(جوجل- المقريزي- 3\8\2017).

1- دينارذهبي وزنا=10 دراهم ، أي سعر صرف الدرهم = 0.425 غرام ذهب.

2- 7 دنانير ذهب = 10 دراهم، وزنا غرام فضة.

3- 7×4.25 غ ذ =  10 ×س غ ف، ومنه:

4- يكون (س)= وزن الدرهم بالفضة = ( 4.25 ÷10 )×7 = 2.975   غرام فضة.

يلاحظ من (4) أن وزن الدينار ذهبا أكبر من وزن الدرهم بالفضة  ، أي أن (2.975 ÷4.25 =0.7 ، أي نسبة وزني الدرهم/الدينارهي (7) إلى (10) ،بينما النسبة بين القيمتين هي (1) إلى (10) أي (0.425 )÷(4.25)=0.1.

ذلك لأن سعر الصرف بني على أساس وزن الذهب. لكن لو بني سعر الصرف على أساس وزن الفضة،لتغير إلى ما يلي:

5- بما أن قيمة دينار ذهبي= 10 دراهم=10×2.975 =29.75 غرام فضة،إذن سعر صرف دينارذهبي بالفضة=  29.75  وزن غرام فضة.

6- بما أن وزن الدرهم =2.975 غرام فضة من(4)،إذن سعر صرف الدينار الذهبي بالفضة=( 29.75÷2.975 =10 دراهم فضية. فحصلنا على نسبة وزني الدرهم والدينار 1 إلى 10 وهو يمثل سعر الصرف بين النقدين على أساس وزن الفضة، كما هو الحال عند حسابها على أساس وزن الذهب فقط. أما بالنسبة لحساب نسبة وزني الدينار بالذهب  وبما يساويه وزنا من الفضة فتكون النتيجة (29.75÷4.25=7)  أي 1 إلى 7.

وهذا يعني أيضا أن قيمة واحد غرام من الذهب الصافي تساوي سبع غرامات من الفضة، وبما أن وزن الدرهم=2.975 غرام فضة، وقيمته تساوي 0.425 غرام ذهب فإن سعر غرام الفضة يساوي (0.425÷2.975)=0.142857 غرام من الذهب الصافي، ونحصل على نفس الإجابة لو قسمنا 1/7=0.142857 غرام من الذهب الصافي، باعتبار نسبة وزن الدينار بالذهب (4.25) إلى وزن ما يساويه من الفضة (29.75) هي ( 1 إلى 7 ). وكذلك إن نسبة وزن الدرهم بالذهب (0.425) إلى وزن ما يساويه من الفضة (2.975) هي أيضا (1 إلى 7). وهذا يعني أن غرام من الذهب يساوي سبع (7) غرامات من الفضة،وغرام واحد من الفضة يساوي ُسبع (1\7) غرام من الذهب أي(0.143 غ ذ) .لا شك أن هذا الربط المزدوج المحكم بين النقدين (الدرهم والدينار)،بآلإضافة إلى ألإرادة السياسية، قد ألبس سعر الصرف بين النقدين صفة الثبات في المدة الطويلة. وإن كان الفضل يرجع إلى قدماء اليونان في إكتشاف هذه المعادلة،فإن ألإسلام قد تبناها فيما يعرف بمعيار عمر إبن الخطاب (ر ل ع) من حيث تناسب ألأوزان (7 د ذ =10 در) أي ( د ر\د ذ = 0.7 ).

كان معدنا الذهب والفضة يمثلان العملة المتعارف عليهما في وقت ظهور ألإسلام،كما ظهرت نقود أخرى للعرب تم سكها فيما بعد من المعادن الرخيصة، مثل النحاس ،والتي يطلق عليها إسم ( الفلوس). يقال أن عبد الله إبن الزبيرهو أول من إستعمل الدراهم المنقوشة.(بريون – كيف يكون النظام المصرفي في ألإقتصاد ألإسلامي – دار مكتبة الفكر –ص 36 – ط 1 – 1972). كما تفيد بعض المصادر القديمة أن الروم والفرس هم الذين أدخلوا العملة المعدنية في البلاد العربية ،فأصبحت الدنانير الرومية والبيزنطية،والدراهم الفارسية يتداولها التجار العرب في ذلك الوقت، أي أن الذهب والفضة هما النقدان اللذان كان لهما القبول العام في المبادلات المحلية والخارجية مع ألأصدقاء والأعداء. علما أن ألإسلام لم تكن له عملة مميزة في أول عهده ،وإنما كانت الدراهم الفارسية والدنانير الرومانية، هي التي سادت السوق الإسلامية آنذاك،حتى إعتبر المؤرخون العهد ألإسلامي عهد الرواج ألإقتصادي بسبب تحرير المكتنز من الذهب والفضة سواء التي كانت عند الفرس أو عند البزنطيين، ذلك لأن رجوع النقدين إلى التداول قد أدى إلى تنشيط التجارة بين الشرق والغرب بعد ركودها لمدة طويلة .إلا أنها خلال القرون ( 10-12 ) رجع الركود مرة أخرى إلى المنطقة ألإسلامية بسبب وجود العجز التجاري مع المناطق ألأوربية،بآلإضافة إلى أن الحكومات ألأوربية تضايقها النقوش ألإسلامية فلجأت إلى تذويبها وسكها من جديد بنقوش رومانية. بالرجوع إلى حديث الرسول (صلعم) بشأن المكاييل وآلأوزان المذكور أعلاه ، وبعد إنتشارالنقدين بشكل واسع في الولايات ألإسلامية، تم إحتضانهما كعملة إسلامية، وقرر الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية عبد الملك بن مروان (646-705م)(26-86هج) إصدارأول عملة معدنية موحدة الوزن ، وهي الدينار الذهبي الذي حافظ على نفس وزن الدينار البيزنطي(4.25 غرام ذهب صافي) في عام 696 م ( 77هج). وأسس دارا للسكة أو دار الضرب لإدارة ومتابعة إصدار النقدين، كما يقال بأن الخليفة عبد الملك بن مروان أمر الحجاج التقفي بإصدار الدرهم الفضي في العراق.

كما نكرر القول إن الخليفة عمر إبن الخطاب هو أول من قرر  وعزز العلاقة بين وزني الدرهم والدينار بنسبة سبعة إلى عشرة، والمحافظة على ثباتها لضمان ألإستقرار ألإقتصادي . وهذه هي الخطوة الثانية تؤكد إهتمام ألإسلام بدقة هذه العملة رغم أنها لا تمت إلى الإسلام بصلة،بعد إقرارها من قبل الرسول (صلعم) في حديث ألأوزان، حتى أن المسلمين إهتموا بإثبات تلك العلاقة الثابثة (سبعة مثاقيل = عشرة دراهم)، فوجدوا وزن المثقال من الذهب الصافي (72) حبة من الشعير الوسط، ووزن الدرهم من الفضة (50.4) حبة من الشعير الوسط .وكانت النسبة كما كانت عند قدماء اليونان (50.4 ÷72 =0.7 أي وزن سبعة مثاقيل يساوي وزن عشرة دراهم. كما انه من الممكن ربط العلاقة الوزنية بين الدينار والدرهم الشرعيين بالطريقة ألإستقرائية ألأثرية التي ذكرها الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه فقه الزكاة، وخاصة أن هذين النقدين لم يتغيرا في الجاهلية والإسلام، ومنها يتم متابعة أوزان النقود المحتفظ بها في متاحف لندن ومدريد  وبرلين وباريس لتقصي حقيقة مقدار الدرهم والدينار الشرعيين للتوصل إلى النصاب الشرعي للزكاة والدية والمهر. أعنقد أن العلاقة من حيث الوزن والقيمة محكمة جدا،إذا حددت الدولة قيمة الدرهم بعُشر الدينار( 0.1)حسب الوزن الذهبي،فيكون سعر الدرهم  بالذهب 0.425 غرام، أي 0.1428571 غرام ذهب لكل  غرام من الفضة، وإذا كان هذا يتلاءم مع سعر السوق الحرة في ذلك اليوم، فيجوز للدولة تنفيذ تلك المعادلة لمدة ملائمة،إذا كانت أولويتها ألإستقرار ألإقتصادي الكامل، أو الإعتماد الكلي على وحدة القياس الذهب فقط، ويترك معدن الفضة  لسعر السوق الحرة حسب  ظروف الطلب والعرض. أعتقد أن الرأي ألأخير هو الذي أخذ في الحسبان عندما تمت مناقشة حول نصاب حد السرقة.

ثبت في الصحيحين من حديث عائشة (ر ل ع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا) رواه البخاري(6789) ومسلم (4494)،ومنه يشير الحديث بأن ربع دينار هو الحد ألأدنى فيما يوجب قطع يد السارق، ولا قطع على من سرق أكثر من 2.5 درهم إلا أن تبلغ قيمتها يوم السرقة ربع دينار، لأن أصل التقدير بني على أساس المحتوى الذهبي في الدينار، وليس على أساس المحتوى الفضي في الدراهم. وإذا تفاوتت قيمة الدرهم،فإنها تقاس إرتفاعا أو إنخفاضا بقيمة الدينارفي يوم السرقة، لو بلغت قيمة ربع دينارقطعت يد السارق.وعلى هذا ألأساس يحمل حديث إبن عمر (ر ل عليهما) (قطع النبي صلى الله عليه وسلم في مجَمًة ( درع ) قيمته ثلاثة دراهم) متفق عليه. (جوجل- الحدود والتعزيزات-30\8\2017).

وبدون شك لا بد أن ثلاثة دراهم تساوي في ذلك الوقت ربع دينار=1.0625 غرام من الذهب، أي ان قيمة الدرهم قد إنخفضت من 0.425 غرام ذهب، إلى (1.0625 ÷3)=0.35417 غرام ذهب، أي بنسبة إنخفاض بلغت نحو 16.67%.وإذا كان سعر غرام الذهب الخام في مدينة طرابلس ب 300 دينار فإن قيمة نصاب  حد السرقة هو (1.0625 ×300 =318.75 دينار ليبي كحد أدنى لنصاب حد السرقة في ليبيا.وبالتالي فإن حديث إبن عمريوافق حديث عائشة (ر ل ع ) لأن ثلاثة دراهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده يساوي ربع دينارسواء زادت قيمة الدرهم إلى ربع دينار( 4 دراهم=1 دينارذهبي) أو إنخفضت إلى ( 20 درهما=1 دينارذهبي)، فالنصاب هو ربع دينار، أي غرام ذهب واحد وربع الربع من الغرام.

أما الخطوة الثالثة فقد إهتم الخليفة عبد الملك بتعديل وزن الدونق، لأنه وجد الدراهم في عصره ما بين درهم كبير يساوي 8 دوانق، ودرهم صغير يساوي 4 دوانق، فجمعهما وجعلهما متساويين يزن كل منهما ستة دوانق، بينما حافظ على المثقال وقيمته تساوي عشرة دراهم .( القرضاوي- 1969- ص 253 ) .كما أشار القرضاوي بأن الدرهم الشرعي هو ستة دوانق ، والدانق يساوي إثنتان وثلثا حبة خروب ، أي ( 2.2\3)، ومنه يكون وزن الدرهم=(6×2.2\3 =16 حبة خروب، وأشار القرضاوي مرة أخرى إلى د. عبد الرحمن فهمي صاحب كتاب (صنج السكة في فجر الإسلام) بأنه بعد تجارب وصل إلى أن متوسط وزن حبة الخروب يساوي 0.194 من الغرام، ومنه يزن الدرهم ما يساوي ( 0.194×16) =3.104 غرام، مما يعني أن الدرهم الشرعي يقترب من وزن الدرهم العرفي، ويصغره بمقدار 0.016 من الغرام، أي بنسبة 5.13%، ومع ذلك إن تقدير الدرهم بستة دوانق وبستة عشر قيراطا غير متفق عليه.

يقول بعض المؤرخين بأنه إستمر الدينار يسك من قبل كل خليفة حتى إنتهى مع إنتهاء الخلافة العثمانية عام 1918 م، وأشاروا (أن الدراهم والدينار لم يبقيا على الوضع الذي إستقر عليه ألإجماع في عهد عبد الملك،وصار أهل كل بلد يستخرجون الحقوق الشرعية من نقودهم بمعرفة النسبة التي بينها وبين مقاديرها الشرعية).

(القرضاوي – 1969 – ص- 254). لكن للضرورة أحكام، وخاصة عندما  تكون علاقة وزني المثقال والدرهم قد إتسعت بنسبة كبيرة جدا لتصل إلى الضعف أو أكثر، مع عدم إستقرار أسعار الذهب الدولية، حتى يفقد الذهب صفته كوحدة لقياس سعر الصرف ، عندئذ وجب إعادة النظرفي هذه العلاقة لتتلاءم مع الظروف القائمة في النشاط ألإقتصادي.

وفي الغالب يلاحظ أن عملتي الدينار والدرهم المصدرة خلال مختلف العصوركانا على شكل قرص يكتب على وجه شعار ديني مثل (لا إله إلا الله) ،وعلى الوجه ألآخرإسم الأمير وتاريخ الإصدار. كانت تسك تلك الدنانير بوزن 4.25 غرام من الذهب أو بخلاف بسيط بين سالب وموجب في الخلافة ألإسلامية ألأموية والعباسية والفاطمية،ثم إتسع الخلاف أكثر في عهد الخلافة العثمانية.

أما الخطوة الرابعة في ألإهتمام بالسياسة النقدية في ألإقتصاد ألإسلامي هو إستكمال سيادة الد ولة ألإسلامية بالتحكم في تداول النقدين ضمن النشاط ألإقتصادي، بعد أن أمر الخليفة الخامس عبد الملك بن مروان بسك النقدين بنفس المقاديرالتي إعتادها المواطنون مع إستبعاد التواريخ وجميع الرموز ألأجنبية، وآستبدالها بتواريخ هجرية ورموز دينية من القرآن والحديث.علما ان هذه الخطوة تساعد الدولة على زيادة نشاطها الإقتصادي، بزيادة سكها للنقود،بدلا من مواجهة صعوبة إستيرادها عند الحاجة. إذ من ضمان إستقرار ألإقتصاد أن تتحكم الدولة في عرض النقود.

وهنا تجدر ألإشارة إلى التسامح ألإسلامي وآنفتاحه على ألأمم ألأخرى بأنه قبل وحدات القياس النقدية ألأجنبية حتى التي تنتمي إلى أعدائه ،لأنها وحدة قياس تؤدي إلى العدل من جهة،وإن قيمتها في ذاتها من ذهب وفضة من جهة أخرى.أضف إلى ذلك أن هذه النقود عند تداولها داخل البلاد، تكون تحت إشراف الدولة ألإسلامية. لكن لو كانت تصدر النقود الورقية في ذلك الوقت ( حتى لو كان وراءها رصيد ذهبي) تحت سيطرة المصدر ألأجنبي فلا أعتقد قبولها لدي الدولة ألإسلامية،لأن الدولة يجب أن تشرف وتسيطر على النقود المتداولة في حرمها. ومع ذلك في حالة الصداقة يمكن التعاون في إطار إتفاقية خاصة.

عند تقديرنا للأونصة الذهبية بآلمقدار 32.15 غرام ، فإنه بآلإمكان أن نحسب قيمة الدينار ألإسلامي بالنسبة للأونصة (أوقية) الذهبية عيار 22 بالمعادلة التالية:

(جوجل –ما الدينار وما الدرهم 29\7\2017).

(1/7.98396)=(32.15 /1000غ)×(22ع/24ع)×4.25 =

(0.125251)= (0.03215)×(3.895833)= (0.125251).

أما بالنسبة للأونصة الذهبية عيار 24 التي نشأت على أساس وحدة حقوق السحب الخاصة (ح.س.خ.)،والتي نشأت هي ألأخرى على أساس الدولار ألأمريكي القديم الفعال في عام 1969م، وهو المستوى الذي حدده صندوق النقد الدولي بالقيمة الذهبية المعتمدة من قبل الحكومة ألأمريكية ( =0.888671 غرام من الذهب الصافي للدولار الواحد ). علما أن ألأونصة الذهبية  على ألأساس النقدي قد إعتمدها صندوق النقد الدولي ضمن إتفاقية إنشائه في عام 1944 م لتكون ( 35$×0.888671 =31.103485 غرام من الذهب الصافي،أي تكون قيمة أوقية الذهب النقدي كمعيار ثابت هي 35 دولارا. وبما أن و(ح س خ ) تعتبر وحدة حسابية، وبالتالي نفترض أن الدينار الذهبي ألإسلامي هو ألآخر وحدة حسابية، فيكون معياره هو 24 قيراط، (ورق ذهبي)، ومنه تكون قيمة ألأوقية من الذهب تساوي ( 31.103485÷4.25 =7.3185 دينارذهبي إسلامي = 35 دولارا أمريكيا قديما ،أي الدينارالذهبي ألإسلامي =4.7824 دولار أمريكي قديم ، ويساوي أيضا  4.7824 وحدة (ح س خ)، وحيث إن الدينار الليبي مقوم بوحدة ( ح س خ ) بالمقدار ( 0.5175 = د ل واحد)، منذ عام 2003، وهذا يعني أن الدينارالذهبي ألإسلامي يساوي (4.7824÷0.5175)= 9.241353 دينار ليبي. أي الدينار الليبي يساوي رسميا بالورق الذهبي نحو(4.25÷9.241353=0.459889) أي نحو 0.460 غرام ذهب ورقي مقابل مستواه السابق في مارس 1986 البالغ (2.48828 غرام ذهب) قبل أن يبدأ الدينار الليبي سلسلة التخفيضات الموجعة للفقراء والمساكين وذوي الدخول الثابتة ، لتكون محصلة تلك التخفيضات فقدان نحو (4.41) أربعة أضعاف و41% من قيمة الورق الذهبي المذكور أعلاه (2.48828غرام ذهب ورقي للدينار÷0.460 =5.4093 ) أي أن الدينار إنخفضت قيمته على أساس الذهب بنسبة 441%. وبعبارة أخرى إن قيمة الدينار الليبي قد هبطت بأكثر من أربعة أخماس قيمته الحقيقية، أي بنسبة 81.5%، وبقي منها أقل من الخمس أي نحو 18.5% ( 0.5175 ÷2.8 ) باعتبار أن الدينار الليبي يساوي 2.8 وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة منذ إقرارها في عام 1969 لأنها تساوي الدولار وحتى مارس 1986 عندما تم إنفكاك الدينار من الدولار،وتم ربطه ب و(ح س خ ) بدلا منه . وبالتالي ستكون قيمة الورق الذهبي الباقي في الدينار الليبي بآعتبار (د ل = 1.932367 و(ح س خ) نحو (1.932367×0.185=0.357488) 357 درهما ليبيا، وقوتها الشرائية أقل من ربطة جرجير(أي أقل بنسبة 29% من قيمة ربطة جرجير، ونحو ثلث (1\3 ) كيلو دلاع، أو نحوربع( 1\4 ) كيلو قلعاوي، وجميع السلع الضرورية أصبحت قوتها الشرائية تتجاوز أضعاف القوة الشرائية للدينار الليبي. الدولة الواعية يجب أن تأخذ تدهور الدينارالليبي في الحسبان وتضع سياسة نقدية شديدة تلائم  ألإقتصاد الريعي، وذلك باعتبار ما تملكه الدولة من عملة صعبة لدي مصرف ليبيا المركزي هي ملك للشعب الليبي كأفراد بالتساوي، وليست ملكا لأصحاب العملة الليبية المخزنة في البيوت غير الشرعية. ذلك لأن رصيد ألإحتياطي من النقد ألأجنبي لم يتراكم من إقتصاد إنتاجي ساهم فيه كل الشعب، مما وجب على المسئولين توزيع رصيد النقد ألأجنبي بالتساوي من خلال توفير السلع الضرورية فقط، وليس حسب كمية عرض النقود التي يحتفظ بها المواطن الليبي. يتبع القسم الثاني الذي يوضح العملة المتداولة في دول الخلافة الإسلامية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. نوري عبد السلام بريون

المستشار الاقتصادي، ومدير إدارة الرقابة على المصارف الأسبق لمصرف ليبيا المركزي

اترك تعليقاً