تحرّروا من قيود سبتمبر وفبراير والبسوا عباءة ليبيا

تحرّروا من قيود سبتمبر وفبراير والبسوا عباءة ليبيا

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لا أحد ينكر الشرخ الكبير الذي سببته انتفاضة فبراير 2011 في بنية المجتمع الليبي الاجتماعية والسياسية، ولا أحد يمكنه تجاهل نتائج ذلك الشرخ الكبيرة التي القت بتأثيرها الواضح على المجتمع الليبي الذي انقسم على نفسه بين مؤيد لفبراير ومؤيد لسبتمبر، ولا يمكن لعاقل ان يتجاهل مدى التأثير العميق الذي احدثه ذلك الانقسام على مناحي الوضع الليبي اجمالا وخاصة ما يتعلق بالجانب الأمني وهو ما عشناه من تقاتل بين الليبيين تحت غطاء ذلك التأثير سواء كان بمنطلق سياسي او جهوي او قبلي!

ان من نتائج ذلك الانقسام هو تردي الجوانب الأمنية ومن ثم الاقتصادية والتي اثرت سلبا على حياة ومعيشة الليبيين فجعلتهم يعانون الأمرين ويقاسون معبشة ضنكى فاقت كل تصور، ان انهيار كيان الدولة الليبية في مؤسساتها العامة هو نتيجة حتمية لذلك الانقسام والصراعات التي تولدت عنه، اليوم بعد مضي حوالي سبع سنوات من عمر الانتفاضة تبدو ليبيا الدولة منهكة كجسم مريض، اخذ منه المرض كل نضارة وحياة، جسم هزيل لا يكاد يقوى على مجرد القعود فما بالك بالوقوف قائما! لكن اليس غريبا ان يكون الوطن في هذه الحال من الاهتراء والمرض وابنائه يتفرجون عليه دون حراك؟!، فلا أنصار فبراير انتبهوا وأعترفوا بما هم فيه من فوضى وخراب، ولا أنصار سبتمبر اقتنعوا بما حدث من تغيير وتخلّوا عن حالة عنادهم المستحيل!

هذا الوطن الجريح الذي يهوي امام ناظرينا وتترصده الموت، اليس جديرا بأن نحس به ونستشعر معاناته؟!، ونهب لانقاذه ونساعده على الشفاء من علّاته التي نحن السبب فيها!؟ اليس جديرا اليوم بكل الليبيين من سبتمبريين وفبرايريين من مراجعة أنفسهم والوقوف امام الحقيقة بشجاعة والتزام؟! اليس جديرا بالليبيين اليوم من الاعتراف بذنبهم وما اقترفوه في حق وطنهم حتى وصل الحال الى ما عليه الآن!؟ الا من وخزات في الضمير تعيد الحياة اليه حتى ينتبه الجميع ويفيقوا من غفلتهم!؟ الى متى يستمر عمى البصائر وحجب نور الحقيقة؟! اليس لزاما الآن الالتفات الى حال الوطن ومحاولة إنقاذه؟! هذا الوطن الذي ينهار ويتهاوى مطلع كل صبح جديد، الم يحن الوقت لمداواته ونحن الليبيين الداء والدواء؟! هل من مستجيب لصرخة استغاثة تطلقها نساء عاجزات وشيوخ هدهم فعل السنين، وأطفال تغتال برائتهم؟! هل من مغيث لليبيا التي ما بخلت على أبنائها يوما ولاتزال رغم محنتها بكل خير تجود!؟

فاين المروءة والشهامة والفزعة الليبية؟! أينها لإنقاذ الوطن المكبّل الجريح؟، لقد طال عمر المعاناة واشتد الحال على الليبيين بؤسا وشقاء، فهلمّوا أيها الخيّرون من الطرفين، (سبتمبريين وفبرايريين) لإنقاذ وطنكم ومستقبلكم، هلمّوا نضمّد جراح الوطن سويا، انزعوا عنكم عباءة سبتمبر وفبراير يل احرقوها، تحرّروا من قيود سبتمبر وفبراير وأكسروها! انطلقوا بصفاء جديد، يد بيد لاعادة بناء بلدكم الذي خربتموه بايديكم، انسوا احقادكم وجدّدوا الأمل في قلوبكم، واحضنوا بعضكم، السنا اخوة في الأرض والدم؟! انفضوا عنكم ركام ضغينة وكراهية جهلاء، لا مكان لها بين الاخوة الاشقاء، اوقدوا شعلة الامل في قلوبكم، وتطلعوا الى غد مشرق، ايها الليبيون ما فات مات، وما هو آت اجعلوه بالخير آت!

هيا نحكّم العقول ونصفي النوايا، فالاولوية الحتمية اليوم لإنقاذ جسد الوطن المنهك الممدد وبأي ثمن، واعلموا ان ثمن ترياق الوطن غال باهظ الثمن، ولهذا لا يمكن لطرف واحد تدبيره مطلقا مهما كان، ولذلك يكون وجبا ولزاما التعاون لتدبير ثمن الترياق بالمشاركة، فهل يعقل ان نقبل بموت وطننا امام اعيننا ونحن على انفراد عاجزون!؟ لاجل ليبيا وعزّتها قدّموا الغالي والنفيس، فها قد حانت ساعة التضحية، فهلموا هلموا مجتمعين لا منقسمين، وادفعوا التضحيات ثمنا باهظا لكنه مستحقا، لنداوي به ليبيا ولتحيا وطنا للجميع، وبعد ان يتعافى الوطن وينهض ويقف شامخا قويا، نتحاور ونتشاور فيما بيننا ويمكننا طلب حقوقنا من بعضنا في مناخ من الوفاق الودّي السليم!

الحل والدواء اذا لن يكون الا بالجميع فاخلعوا عنكم عباءة فبراير وسبتمبر، وارتدوا جميعا عباءة الوطن البهيّة، واجمعوا الترياق الذي نصفه هنا ونصفه الاخر هناك! ثم قدّموه للوطن الذي طال مرضه وعناه، بسبب تفرقكم وانقسامكم وخصوماتكم المشينة، فأعلموا واعترفوا انكم سبب الداء وفيكم الدواء! لتكن تضحياتكم من اجل الوطن بحجم عطائه لكم ، ايقنوا ان التنازل لأجل الوطن تضحية وإيثار، اذا لا مناص من التخلي عن عناد لايفيد وعبث يشمت فينا القريب والبعيد، ولتكن ساعة للخلاص من ذاك القيد للإنطلاق معا مندمجين متعاضدين على قلب واحد في برنامج عمل واحد لا يستثني أحدا من الليبيين فليبيا للجميع وبالجميع.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً