الفساد بالقانون

الفساد بالقانون

إذا كان الفساد ضد الإصلاح، فعبثا تحاول الإصلاح مادام هناك فساد قائم، فهي سلسلة مرتبطة بحلقات متواصلة، وأضعف حلقاتها هو ما يهدد ترابطها وتماسكها، فما دام هناك فسادا فكل الوقت والجهد والفكر سيذهب أدراج الرياح، فلا تنمية مستدامة ولا اتقاء للاقتصاد مع الفساد، يزداد الحال خطورة إذا صار الفساد مقننا وبحكم القانون.

فيُنهب المال العام وفق نصوص القانون وأحكامه، وتتدفع الرشوة وتقبض وفقا القانون وأحكامه، وتنتشر الوساطة والمحسوبية وفقا لأحكام القانون، ويتم تصدير الهواء إلينا في حاويات مغلقة بدلا من السلع المدعومة وفقاً لأحكام القانون، وكل ما ذكر فساد بالقانون، وهو أخطر صورةٍ  من صور الفساد.

هذا النوع من الفساد لا يتحقق إلا إذا كان المؤتمن خائنا، لا يرعى في ما اؤتمن عليه إلا ولا ذمة، فبفساد القائمين على إنفاذ القانون والعمل على سيادته وخضوع الجميع لأحكامه، يصبح المصلح كمن يحرث في البحر.

فإذا فسد موظفوا الجوازات والمؤتمون على المصارف ومحطات الوقود والمال العام والجمارك ورجال الأمن وغيرهم.. إلخ أصبحت الحياة بالنسبة للمواطن غابة وجحيما لا يطاق والمعيشة ضنكا ، فلن تتحصل على جواز سفر إلا إذا كنت فاسدا وتعاطيت مع الفاسدين ، إما أن تدفع رشوة أو تتحصل عليه بالوساطة وبالمحسوبية وتأخذ حق مواطن آخر تحصل على حجز فأخذت مكانه وهو لا يزال يقف في طابور طويل وسط الزحام في حر الشمس أو زمهرير البرد  ليخرج إليه موظف فاسد ويخبره بتوقف المنظومة وأن ذاك الانتظار لا فائدة منه وضاع الوقت والجهد.

الفساد بالقانون أن يجتمع الفاسدون من آكلي المال العام في أي مشروع عام يراد أن ينشئ أو أي ميزانية تصرف لأجل الإصلاح، فتجتمع تلك الضباع الفاسدة لتخون الأمانات المسؤولة وتسلم تلك المشاريع لمن سيعطيهم حصة أكبر، لديهم شركات بكل المسميات للحوم والاغنام والحليب ومشتقاته وغيرها، كلما سمعوا بالمال عام  قدموا ملفات شركاتهم ليتحصلو عليه وياكلوه دون عوض أو يحتكروها لتباع باسعار مرتفعة، حتى أصبح الاستغناء من المال العام وسيلة مضمونة لدى الكثيرين ممن تزايدت ثرواتهم وتكدست أرباحهم.

وذاك الوزير السابق في تلك الحكومة  الذي لم ينهي عمله إلا بعد أن تحصل على مكافآت سنوية تجاوزت النصف المليون نظير عضويته فى لجنة لم يكن يحضر اجتماعاتها. أو قام يتحويل مبالغ لصالح شركة يمكلها ابنه أو صهره أو أحد قرابته دون أن يكون لها وجود على أرض الواقع، كيف حدث هذا؟ حدث هذا بموجب لائحة أو قرار. هو لم يخالف القانون بل سرق المال العام وفق أحكام القانون.

وقد يضرب هذا النوع من الفساد صناع القانون أنفسهم ، بأن يصيغوا قوانين يحصنوا فيها ما سينتج عن تطبيقه من قرارات لتكون سرقاتهم أكثر راحة أو اطمئنانا! أو تصاغ القوانين فقط لمصالحهم الشخصية كان يزيدوا من امتيازاتهم وحوافزهم ليستولوا على ما تبقى في خزائن المال العام التي تكاد تصبح خاوية على عروشها! وهذا النوع من الفساد يسميه بعض فقهاء القانون بالفساد الذكي والمراوغ والذي لا يواجه إلا بتشريعات ذكية توقفه عند حده.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً