صندوق موازنة الأسعار.. ودوره الإستراتيجي

صندوق موازنة الأسعار.. ودوره الإستراتيجي

جاء إنشاء صندوق موازنة الأسعار (Price Stability Fund) بموجب قرار اللجنة الشعبية العامة (سابقاً) رقم 410 لسنة 2008م  ليحل محل المؤسسة الوطنية للسلع التموينية (National Supply Corporation) المنشأة بموجب القانون رقم 68 لسنة 1971م، لتنقل بالتالي إليه جميع الإختصاصات المؤكلة للمؤسسة (NASCO) بالإضافة إلي دوره الرئيسي الذي أُنشي من أجله و هو تحقيق موازنة أسعار السلع و الخدمات الأساسية الضرورية للمحافظة علي القدرة الشرائية للمواطن و حماية الإقتصاد الوطني من تأثير تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية ، بالإضافة إلي الإحتفاظ بمخزون مناسب من السلع الأساسية المعرضة للتقلبات الحادة في أسعارها العالمية كأسلوب لضمان المحافظة علي الإقتصاد الوطني.

و كون أن قرار إنشاء الصندوق (PSF)  و إلغاء المؤسسة (NASCO) دار حوله جدال واسع في الوسط القانوني و الإقتصادي والمالي الليبي عن صحة وسلامة الإجراء بإلغاء قانون بقرار من حيث أن القانون لا يُلغي أو يُعدل إلا بقانون و القرار لا يلغيه أو يعُدله إلا قرار، وعلي الرغم من الأهداف الطموحة المنشأ من أجلها الصندوق و التي تحققت خلال السنوات القليلة التي تلت إنشاءه بتكلفة متزايدة نسبياً مدرجة تحت بند الدعم السلعي من الموازنة السنوية العامة للدولة الا أن التهميش الغير مدروس إقتصادياً و أمنياً و مالياً لدور الصندوق في الفترة الأخيرة بشعارات براقة مخادعة تدغدغ جيوب كل مواطن من خلال ولادة نهج لا يُحاكي واقعنا الذي نتعايش معه جميعاً و هو نهج إستبدال الدعم السلعي بالدعم النقدي،  الأمر الذي ساهم كثيراً في تدهور الأوضاع الإقتصادية للبلد وزاد من معاناة المواطن في عجزهِ عن توفير أدني مقومات الحياة الكريمة و من بينها رغيف الخبز.

وكان الهدف الرئيسي من إنشاء الصندوق هو تحقيق موازنة حقيقية لأسعار السلع و الخدمات والمقصود هنا من السلع هي السلع الأساسية الضرورية من غذاء و دواء بالإضافة إلي الخدمات الضرورية من كهرباء ووقود ومشتقات نفطية تلبي إحتياجات الفرد اليومية منها بما يتوافق مع قدرته الشرائية مقارنة بمتوسط حجم دخلهِ الشهري مع قيام الدولة بتغطية فروقات أسعار توفير تلك السلع و الخدمات من خلال دعم سلعي يحدد سنوياً في الموازنة العامة و يختلف حجمه بإختلاف تكاليف توفيرها وفقاً للأسواق العالمية، و لكننا نجد أن نشاط الصندوق في السنوات القليلة الماضية أستقر فقط علي توفير السلع الغذائية الأساسية لكافة شرائح المجتمع الليبي عبر قنوات التوزيع الرسمية و المتمثلة في المخابز و الجمعيات الإستهلاكية، ولازالت هذه الآلية تضمن علي أقل تقدير وصول هذه السلع لكافة الشرائح بنسبة لا تقل عن 85% كونه من الصوبة القضاء تماماً علي ظاهرتا التهريب والإتجار بالسلع المدعومة من داخل الأراضي الليبية .

وفي حقيقة الأمر أن غياب الوضوح الصحيح للدور المنوط بالصندوق من خلال سياسة الدعم السلعي يجعل كيل الإتهامات الموجه للصندوق حول ظاهرتا تهريب والإتجار بالسلع المدعومة تعيق و تشوهه آلية تحقيق أهدافه ، و من هنا فإننا نشيد بالذكر توضيحاً علي أن دور الصندوق مقتصر علي توفير السلع الأساسية ذات الجودة العالية و الأسعار التنافسية و التي تتوافق و متطلبات المجتمع الليبي و القيام بصرفها لقنوات التوزيع الرسمية من خلال آلية محكمة الرقابة المستندية و لا علاقة للصندوق بعد إستلام قناة التوزيع لمخصاصاتها الشهرية وفق سياسة الصرف المعتمدة من قبل وزارة الإقتصاد عن الحصة الشهرية لكل مواطن من كل صنف سلعي، و بالتالي فإن عملية تتبع وصول هذه السلع لمستحقيها هو دور جهات ضبطية ورقابية مؤكل إليها رسمياً هذه المهمة.

و يعتمد الصندوق في تسيير نشاطها علي دورة مستندية غاية في الإنضباطية و الدقة و الحرفية المهنية يتحقق معها الحرص الكامل للمحافظة علي المال العام ،  و للصندوق فروع و مكاتب و مخازن و وحدات مبيعات موزعة علي مختلف مدن و مناطق ليبيا يضمن من خلالها إستلام كل مدينة أو منطقة مخصصاتها الشهرية من السلع محل الدعم ، و تعد منظومة عمل الصندوق المالية و المستندية منظومة متكاملة مميزة بسهولة و يسر تتبع بيانتها و صعوبة إختراق إجراءاتها الأمر الذي يستحيل معه التلاعب المستندي لإجراءات إستلام و صرف السلع وفق إختصاصه.

و نظراً لإعتماد الدولة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة علي القطاع الخاص في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن من سلع غذائية و دوائية و تهميشه لمؤسسة خدمية كصندوق موازنة الأسعار و هيئة الإمداد الطبي ساهم كثيراً في تفاقم الأزمة الإقتصادية داخل البلد و زاد من حدة عجز و عوز المواطن عن توفير إحتياجاته و إحتياجات من يعولهم من الغذاء و الدواء بخلاف سوء الخدمات الضرورية الأخري التي غابت عن المواطن و تناسها منذ زمن ، و الكم الهائل من الإعتمادات بالعملة الصعبة من أرصدة البلد و التي مُنحت للقطاع الخاص لم يجني المواطن ثمارها بل علي العكس زادت من معاناته و ذهبت عوائدها لجيوب أصحابها خارج حدود الوطن.

و يبقي المتسأل هنا حائراً عن الإجابة.. هل قامت الدولة فعلاً بتسليم مصير مواطنيها لسطوة أصحاب ومُلاك و منتفعي القطاع الخاص و الإستغناء عن مؤسساتها الخدمية و الإقتصادية التي طالما نالت ثقة المواطن بالرغم من بعض المساوئ التي تعتريها؟

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً