تمرد.. دعوة لثقافة بديلة.. ولاحترام قواعد الديمقراطية

تمرد.. دعوة لثقافة بديلة.. ولاحترام قواعد الديمقراطية

لا شك في أن حركة المجتمع نحو التغيير لا تتوقف مع مرور الزمن بقدر مرورها بمراحل وفترات مخاض عسير تواجه فيه أعدائها الساعيين لإيقافها واعاقة تقدمها نحو بناء مجتمعا تسوده قيم الحق والعدالة الاجتماعية، فالانتفاضة البريئة للجموع التي خرجت قبل سبعة سنوات تطالب بالعدالة الاجتماعية لكل الليبيين وبدولة المؤسسات والقانون والتداول السلمي على السلطة.. لم يكن في امكانية الجموع آنذاك رؤية ما هو قادم من الغيب ولم تكن لتعلم بالأحداث التي ستأتي وبالمقادير ولم تكن لتعلم بأن الكثير من التضحيات كانت في انتظارها سيفقد فيها الوطن السيادة والاستقلال وسيرحل في أحداثها الكثير من الشهداء والضحايا وبأنها ستتكبد الخسائر المادية الفادحة وأن بلادها ستتعرض لأكبر السرقات التاريخية ولأطماع ومؤامرات القوى المريضة في عالم اليوم.. قوى الفساد والاستبداد التي عملت على مدي السنين القريبة الماضية بأخس الوسائل وأخبث الأساليب لسرقة ثورة الجموع وانتفاضتها البريئة وعملت على تزوير ارادة الشعب الليبي والنيل من طموحاته وأماله النبيلة.. فوصلوا اليوم الى تحقيق أهدافا قزمية شخصية وحزبية لم تكن من أهداف الشعب يوما في انتفاضته.. هذه الأهداف التي لا يمكن وصفها الا بأنها جرائم دنيئة قذرة في حق الوطن وفي حق انتفاضة هذا الشعب الأبي الكريم.

بكل مرارة وأسى ولوعة وحزن أقول في ذكرى فبراير الانتفاضة البريئة المجيدة أن القضايا الشرعية و العادلة  للشعب الليبي والتي كانت سببا مباشرا واساسيا لغضب الجموع وانتفاضتها البريئة تلك ..هذه القضايا العادلة الشريفة لم تنتصر بعد وان طريق النضال أمام الجموع  لا يزال طويلا ..فقضية الوطن اليوم ليست قضية انتخابات جديدة  ودستور يحدد العلاقات بين مؤسسات الدولة أو قضية تتعلق بمواجهة خطر الارهاب أو بتوحيد مؤسسات الدويلة الليبية الفاشلة التي تربع على عروشها الوهمية مرضى النفوس من لصوص الديمقراطية والطغاة الجدد ..وليست قضية  شعب يفتقد الى سيولة وكهرباء وماء ووقود أبسط متطلبات الحياة العصرية وليست قضية غلاء أسعار ومعاناة الفقراء أو غياب الأمن والاستقرار عنهم  أو قضية سوق للهجرة غير الشرعية ,وتجارة بالبشر وبكرامتهم وحياتهم.. أبدا.. فهذه قضايا لأزمات عرضية سببتها عقلية المربع الاول وثقافة العهر السياسي وانتشار السلاح..

قضية الشعب الليبي اليوم ليست في ايجاد العلاج والحلول التوافقية الأنية أو العاجلة لهذه القضايا والمشاكل والظواهر السلبية وللخلافات في هذا الصراع المحموم.. بل ان القضية الغاية في الخطورة والأهمية لليبيين هي قضية تمرد على ثقافات الضلال والفساد والطغيان.. قضية ثورة ثقافية تحرر النفوس والعقول وتصحح المفاهيم لولادة ثقافة بديلة تقودنا الى غد أفضل بكثير من معاناة اليوم. تلزم كل القوى السياسية باحترام قواعد الديمقراطية كوسيلة لأجل تحقيق غاية هي العدالة الاجتماعية في حياة الشعب الليبي الكريم.. تمرد بالنسبة لأصحاب الضمائر والعقول هي بمثابة الروح لانتفاضة فبراير التي لن تموت ولن تهزم مهما تعاظمت التحديات ورغم كل الخسائر الفادحة والجسيمة التي تكبده وطن الليبيين العظيم.. تمرد هي قضية الليبيين الحقيقية التي يجب على الجموع الانتصار لها بكل قوة وارادة وايمان لتلبية الاستحقاقات الوطنية والمطالب الشرعية الانسانية العادلة للشعب الليبي في هذا الوجود بعالم اليوم.

انها قضية اخلاص ووفاء بالوعود لكيلا تذهب هدرا دماء الأبرار من الشهداء.

تمرد هي دعوة صادقة لكل الليبيين بتحقيق الانتصار الحقيقي الحاسم للقضايا العادلة. هذه هي قضية الشعب الليبي اليوم فالإنسان اما أن يكون حرا أو لا يكون فلا مكان متاح للحياة بين الحرية والعبودية ولا وجود لحالة شعور وسطية بين الاستمتاع بالنصر ونشوته وبين تذوق مرارة طعم الهزيمة وآلامها!!

فهذه الانتفاضة البريئة التي يحتفل بذكراها أعداء قضيتها العادلة بيينا اليوم ومتسلقيها ولصوصها  قبل ثوارها الحقيقيين من الجموع البسيطة الصادقة , قد قدمت ألاف الشهداء الأبرار من الشرفاء الرجال والشباب في ربوع ليبيا الحبيبة  وطننا حضن الجميع دفاعا عن  الأرض والعرض وعن القيم الانسانية النبيلة وقضاياها العادلة في هذا الوجود .فلا يمكن بأي حال من الأحوال  أن يتنازل الشعب الليبي العظيم اليوم مكرها أو مجبرا عن نصرة قضاياه العادلة في هذه الحياة والوجود أو أن يفرط بأي شكل من الأشكال في حقوقه الشرعية المقدسة في امتلاك وطنه بجدارة  وفي السيادة عليه دون وصاية أو نيابة وفي التمتع والاستفادة بخيراته وثرواته ومقدراته أو يتنازل عن حلمه العظيم برؤية انتصار حلم الشهداء النبيل  في هذا الوجود بعد كل  التضحيات وما تكبده من خسائر وأحزان ومعاناة وألام. بفقدان الارجال الأفذاذ …فمهما طال الليل فللصبح ساعة قادمة ومهما زاد الظلام فللنور قوة تقهره ومهما كان الثمن باهظا لهذا المخاض العسير فان ارادة الشعب من ارادة الله تقهر المستحيل وان للمظلوم دعوة مستجابة من العلي القدير بنصره ولو بعد حين.

في ذكرى فبراير المجيدة أترحم على من رحلوا عنا  وأقول لكل الليبيين ان تحقيق الانتصار ليس بالمستحيل وان تحقيق طموحاتهم وأمالهم وتطلعاتهم في الحياة العزيزة الحرة الكريمة ليست ببعيدة المنال فما ضاع حق ورائه طالب وليس أمامهم  الا التمرد على هذا الواقع المتخلف  المزري والمهين لليبيا ولليبيين ودحر ثقافات الضلال وهزيمة قوى الفساد  والطغيان والعهر السياسي ..فلا وجود لطريق أو سبيل أخر غير النضال الانساني السلمي المشرف لانتصار الرسالة النبيلة للثورة في هذا الوجود ولكي تنتصر الثورة أطالب بالنضال كل الشرفاء الليبيين من القوى الواعية والمثقفة بالعمل على ارساء ثقافة بديلة في حياة الليبيين وبقيادة معالم ثورة ثقافية  تساهم بشكل فعال في تحرير العقول والنفوس من الاضغان والأحقاد  والفساد والطغيان ومن العلو في الأرض بغير الحق وأدعو رجال السلك الدبلوماسي على توحيد صفوفهم والنضال لتلبية  نداء الوطن لإنهاء صلاحية القرار الجائر وتحرير الوطن من تبعية ومذلة البند السابع  وأدعو بكل مصداقية وأطالب بتصعيد الثورة  وللنضال كل الشرفاء بقواتنا المسلحة العربية الليبية  لتحقيق مطلب حل المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون الغير خاضعة لسلطاته وبضرورة أخذ زمام المبادرة العاجلة بتوحيد أجنحة مؤسستنا العسكرية لجيشنا الوطني دون أي تخاذل أو تهاون أو تأخير .. وأدعو بكل قوة ونقاء ضمير كل أنصار انتفاضة فبراير البريئة المجيدة وثوارها الشباب الصادقين الى تصعيد الثورة والعمل الانتصار لشعبهم الكريم بتحقيق مطلب فصل المال عن السياسة ليعود الحق لأصحابه وتتحرر ثروات الشعب وأمواله من قبضة القلة المتصارعة على السلطة.

أقول صادقا لليبيين في الذكرى السابعة بعض النظر عن الأحداث ونتائجها وعن حيثيات وملابسات الصراع الدائر في ليبيا اليوم ان الثورة لا تنتهي الا بتحقيق أهدافها.. وأن هدف فبراير الأساسي طان ولا يزال هدف انساني نبيل وهو تحقيق العدالة الاجتماعية لكل الليبيين.. وان تحقيق هذا الهدف الانساني النبيل لن يتأتى الا بتغيير القانون المالي للدولة ورفع صلاحيات السلطة السياسية بمؤسسات الدولة عن المال العام.. هذه هي حقيقة قضية انتفاضة فبراير البريئة والتي يجب على الليبيين اليوم ادراكها وفهم معانيها ومحتواها ومضامينها..

ختاما اؤكد بأن حركة المجتمع لن تتوقف وستسمر فعالياتها رغم الصعاب والمحن لإحداث التغيير الحقيقي حتى تتحقق طموحات أبناء الوطن وآمالهم العظيمة وتطلعاتهم الجميلة في الحياة الحرة الكريمة. وستبقى ليبيا حضن الجميع وغاية شريفة وهدف عظيم يجب أن يجمعنا للخروج من هذا المأزق اللعين لتبقى ليبيا وطن وتاريخ شعب أصيل كريم ونضال شريف شارك فيه كل أبنائها بولاء للوطن وبإرادة صادقة جمعت كلمتهم ووحدت صفوفهم لمواجهة كل ظلم وعدوان وطغيان تعرضوا له عبر الزمن.. هذا الولاء للوطن وهذه الثقافة البديلة هي من سيجمع الليبيين اليوم بعقليات سليمة ونوايا سليمة صادقة تجاه الوطن لصنع حاضر أفضل لهم ومستقبل زاهر للأجيال. وعندما أؤكد بأن يكون الولاء للوطن والثقافة البديلة هما زادنا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ شعبنا فان ذلك يحثهم علي دعوة الليبيين لتغليب لغة العقل ومصلحة الوطن على لغة الاحتكام للقوة وللمصالح الشخصية والحزبية القزمية ولاستنهاض همم الرجال وتحريضهم على الثورة الثقافية وضرورة الحرص على عدم بناء مؤسسات الدولة الوليدة وأجهزتها التنفيذية المتعددة على الولاء لأفراد بل على الولاء للوطن لأن الافراد بشر ماضون لا يملكون الخلد في هذه الحياة الدنيا…وتبقى تمرد دعوة صادقة لثقافة بديلة ولاحترام قواعد الديمقراطية التي اختارها الشعب الليبي بعد انتصار ارادته ضد الظلم والطغيان أساسا لنظامه السياسي  .كوسيلة  لتحقيق العدالة الاجتماعية  لكل الليبيين في ليبيا اليوم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً