تساؤلات حول الجغرافية وعلاقتها بتأزمنا الليبي

تساؤلات حول الجغرافية وعلاقتها بتأزمنا الليبي

في تقديرى، أن المدخل الوحيد لتفكيك تأزمنا الليبيى وعلى نحو قاطع، يمر عبر البوابة الجغرافية للبلاد، وأن الذهاب نحو تجاهل هذه الجغرافيا، هو وبدون شك عودة ورجوع عن ما ثار جل الليبيون، من أجل أن يصير بين يديهم، فالجغرافيا هي الوعاء الطبيعي والموضوعي للوطن،  فمن خلال احتضاننا لها، على نحو ايجابى وبناء بجمّلة ما تضّمه ،  نستطيع بذلك انزال هذا الذى يعّتمل في الصدور، ونسمّيه شعور او حس وطني الى دنيا الواقع ،  فيظهر في هيئة سلوك ايجابى منتج في حراكنا اليومي على نحو محسوس وملموس.

فمثلا عندما يسّعى (الاخر) الغريب نحو وضع  يده على جغرافية بلادك، ليوظف مواردها ،  الطبيعية ،  البشرية ،  الخ ،  او موّقعها الجيد، او كليهما،  لتصير في خدمته، وفى ما قد يعود عليه بالنفع ،  هو في واقع الامر يسعى نحو تجّريدك من وطنك ،  وبقول اخر، هو بفعّله هذا، يصّبوا الى اجّتثاث جغرافيتك – جغرافية بلادك – ليلّحقها في خدمة جغرافيته.

فمثلاً عندما جاء الإيطالي مع العشّرية الثانية للقرن الماضى، غازينا للجغرافيا الليبية، كان يسعى بفعله هذا ،  ليجعل منها شاطئه الرابع ،  ومع نهاية اربعينات ذات القرن ايضا، سعى الإنجليزي بخبثه المعّهود، للوقوف داخل اروقة الهيئة الاممية، مُستند في ذلك على ما عُرف حينها بمشروع (بفن- سيفورزا)، ورفعه في وجه مطالبة الوطنيين الليبيين باستقلال بلادهم، رافضا به عودة جغرافية ليبيا ليد الليبيين  ،  بغّية الّحاق ليبيا بجغرافيته البعيدة، التى يُحيطها الاطلسى من الجهات  الاربع ،  وعندما فشل في مبّتغاه، ذهب للمطالبة ولكن هذه المرة بصيّغة ناعمة، ان تبقى جغرافية ليبيا تحت الانتداب ويد وصايته ،  وقد تمكن من ذلك ،   وبه زرع قواعده ومعسكراته على طول امتداد الساحل الليبيى ،  وقد شاهدناه في خطوة استباقية وفى بقع كثيرة ،  وهو يتخلّى عن قواعده ومعسكراته بمحض اردته ،  بعدما صارت هذه عبأ ماديا ومعنويا عليه ،   من جيهت قيمة الايجار مقابل استغلال وتوظيف هذه الجغرافيات لخدمته ، وما يتّركه ايضا، ظهوره العسكري الفج على هذه (الجغرافيات الملّحقة ) من انّطباع غير حسن في نُفوسها، عندما يُظهر تواجده كمحّتل ومغتصب ،  وقد يدفع هذا، هذه (الجغرافيات الملّحقة) مع الزمن المقرون بزيادة منسوب الوعى لديّها، نحو التمرّد والمقاومة  ،   وقد جاء هذا التحوّل – في تقديرى – عند هذا (الاخر)، بعدما تمكن من صناعة التابع فى بيدقه المحلّى، وكان ذلك مُتلازما مع ظهور حاملات الطائرات العملاقة، وبما تمتلكه هذه، من تخطى قيّد الثبات والشلل بالمكان، الى ميزة حركة التنقل والمناورة ،  كبديل يحرره من كل هذا العبء والذى ليس من ضرورة له،   بل ذهب هذا (الاخر) الى ابعد من ذلك،  حينما سعى نحو توّظيف تخلّيه الإرادي عن قواعده ومعسكراته، لصالح ولخدمة بيادقه وتابعه المحلّي على تلك (الجغرافيات الملحقة) ،   قد شاهدناه  ينّسج  من فعل  تخلّيه هذا، عمائم وطنيّة ،  ويلبسهم اياهم في مهرجانات حاشدة تعج بالصفير والهتاف والتصفيق.

كنت احاول ان اقول بان الجغرافيا هى المدخل الوحيد – في تقديرى- الذى نتمكن من خلاله، انزال هذا الذى يعّتمل فى الصدور، ونسمّه شعور او حس وطني ،  الى مفردات الواقع الذى نصّيغه في حراكنا اليومي ويُصيغنا في الان نفسه ،  ولكن هل يتم ذلك عبر الحركة عكس اتجاه هذا (الاخر) ،  الذى اجّثت جغرافيتنا من محيطها الطبيعى لا لّحاقها بجعرافيته ؟ ،  وبقول اخر، هل ولكى نتمكن من تفريع هده المشاعر الوطنية التى تعّتمل بها الصدور الى دنيا الواقع، يجب اولا اعادة الوعاء الجغرافى الى فضائه وامتداده الطبيعى ؟ ،   الذى تشكل وتخلّق في اتون مفرداته  الديمغرافية والثقافية و الجغرافية ،  وهل هذا ايضا لا يتم الا من خلال وضع الاسس المتينة ؟ ،  التى تساعد الجغرافية الليبية، من واقع، انها تُحسب من مفردات جغرافية غرب المتوسط ، على اعادة ادّماجها وتجدّرها داخل هذا الفضاء،  من خلال المرور عبر جغرافيتة نحو حلّحلة وتفكيك التأزم الليبي ،  لان خليج قابس اقرب لها من خليج ايلات، وذائقة قسنطينة اقرب لها مما تاتى به صلالة عُمان، وامواج المتوسط هي من تغتسل بها اقدام واطراف مُدنها الشاطئية، وليست بأمواج بحر الشمال ،  وهل هذا الفضاء المغاربي المتوسطي ؟ ،  يفّرض نفسه وعلى نحو لا فكاك منه، كأرضية للمجال حيوي للجغرافيا الليبية، وكمدخل طبيعي للاستقرار والامن، وكإمكانيه وحيدة الانطلاق نحو سبل النمو والتقدم ؟ ،  وهل هذا ايضا يفرض ويمّلى على الجغرافيا الليبية، السعي والاجتهاد نحو تنّصيصه داخل متن دستورها ؟ ،   ليكون زبُورها الذى يضبط ايقاع توجهاتها الوطنية ،  واذا كانت هذه التساؤلات تنتهى بعيدا عن لا النافية، وترتمى في حضن الإيجاب لتفّكيك استفهاماتها ،  فهل يكون على الهيئة الاممية بليبيا ان تعّتمد هذا المعّبر الجغرافي كممر أساس لحلّحلة هذا التأزم؟،  ومن ثم لا تسمح لغطائها الأممي، ان يوظّف في غير هذا المدخل الجغرافي،  مهما كانت الذرائع والحجج و الضغوط.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • لبغني

    شكرا على هذا السرد، أزيدك من الشعر بيتا، أن تعريف الهوية نفسها يجب أن تكون جغرافية أي الأرض المتواجد عليها الشعب، وهو الرابط الأكبر المعبر عن الشخصية الليبية وأساس تكوين الدولة الليبية، وبذلك نخرج من التعريف التقليدي للهوية مثل اللغة والدين، وهما لم يستطيعا تكوين هوية واحدة لشعوب غرب أفريقيا مع فرنسا، كما أن عودة ليبيا إلى الحضن المغاربي سيبعد الكثير من أزمات الشرق الأوسط والخليج المربكة للمشهد الليبي، مع الشكر

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً