العزل السياسي: بين القانون والإرادة الشعبية

العزل السياسي: بين القانون والإرادة الشعبية

ها نحن أولاء، ما كدنا نخرج من أزمة حسم القرار فيما يتعلق بلجنة الدستور، ما بين جعلها تتشكل بالاختيار والتعيين، أو بالانتخاب المباشر، وهي الأزمة التي شغلت مؤتمرنا الوطني على مدى أشهر، ضاعت هباء من الزمن المتاح لنا لإنجاز الاستحقاقات المطلوب إنجازها فيما تبقى من المرحلة الانتقالية، حتى وجدنا أنفسنا نقع في مأزق آخر، الله وحده يعلم كيف ومتى يمكن أن نخرج منه، وما إذا كنا سنخرج منه بسلام، أو بقدر قليل من الضرر. هذا المأزق هو مأزق قانون العزل السياسي. وبعد تلكؤ وتردد وتخوف، ظن إخواننا في المؤتمر الوطني أنهم وجدوا مهرباً من خلال تشكيل لجنة، مهمتها أن تنظر في مختلف مشاريع القوانين التي طرحت للموضوع نفسه، لتخرج منها بمشروع موحد يعرض على المؤتمر ليتخذ بشأنه قرارا.

ولقد تابعنا بأسف وألم كيف تم التعامل مع القانون عندما طرح لأول مرة، إذ بات عرضة لتجاذبات شتى، بين مؤيد ومعارض، بلغت قمتها عندما وجدنا القوى السياسية الممثلة في المؤتمر الوطني تعرض كل منها صياغة للقانون تختلف، قليلاً أو كثيراً، عن الصياغات التي قدمتها القوى الأخرى. وتبين من خلال تلك المشاريع أن المسألة انتهت إلى أن تكون مسألة شخصية، يهدف كل طرف من خلالها إلى تضمين القانون بنوداً تنطبق على أفراد بعينهم، فيتم عزلهم سياسياً، وحرمانهم من البقاء في وظائف معينة، ومن بعد من الترشح لأية مواقع في أية عمليات سياسية قادمة.

وهكذا انتهينا إلى الصياغة المعروضة الآن على المؤتمر الوطني، وهي صياغة أقرب إلى المهزلة منها إلى أي شيء يتسم بحد أدنى من الجدية والمسؤولية، فبعد أن كانت أول صياغة للقانون، منذ أن طرح في مرحلة مبكرة تحت اسم (قانون الوفاء للشهداء)، تتضمن سبعة عشر بنداً، تتعلق بفئات معينة يقترح أن يتم عزلها “سياسياً”، وجدناه في صيغته المعروضة الآن على المؤتمر يتمدد ويتمطط حتى يبلغ ثلاثة وثلاثين بنداً، ووجدناه يوضع في صياغات عامة غامضة، يصعب، إن لم يكن من المستحيل، الاتفاق على مدلول حقيقي لها.

وقد كانت قراءتي لهذه الصياغة منذ الوهلة الأولى أنها وضعت بقصد مبيت كي يكون من المستحيل الاتفاق حولها، لأنها إن وجدت القبول عند هذا الطرق، فإنها لن تجده مطلقاً عند الطرف الآخر. وقد لاحظنا أيضاً منذ أول اصطدام للموضوع بأرض الواقع في المؤتمر الوطني أن هناك نية واضحة لدى أعضاء المؤتمر في عدم السماح بإقرار القانون، من خلال المناورة التي باتت معروفة ومتبعة، وهي الانسحاب من الجلسات قبل الشروع في التصويت على أي قرار، بنية ألا يتوفر النصاب اللازم لصحة انعقاد الجلسة، ومن ثم لصحة التصويت.

فما العمل؟ هل نسمح لهذا القانون المثير للجدل والخلاف، أن يوقعنا في مأزق آخر، شبيه بالمأزق الذي أوقعنا فيه المجلس الوطني الانتقالي، بتعديليه الشهيرين على المادة (30) من الإعلان الدستوري؛ ذلك المأزق الذي ضيع علينا وقتا ثميناً، كان ينبغي أن نستثمره لإنجاز الاستحقاق الوحيد الجوهري للمؤتمر الوطني وهو تشكيل لجنة الدستور، والمضي قدما في إنجاز خطوات في هذه السبيل.

وإني أرى أن الحل الوحيد العملي للخروج من هذا المأزق هو تبني مفهوم جديد للعزل السياسي هو ما أسميه (العزل الشعبي) بدلاً من (العزل القانوني)، بمعنى أن نستبدل بالعزل السياسي الذي يتم بموجب قانون أو تشريع، العزل السياسي الذي يتم بموجب الإرادة الشعبية، من خلال إيجاد حالة من الوعي لدى المواطنين بقدرتهم على ممارسة العزل السياسي على من يرون أنهم كانوا من أعمدة النظام السابق، أو لديهم عليهم شبهات وقرائن بممارسة ما يجدون أنه مدان بممالأة النظام أو التورط في خدمة أغراضه الدنيئة، التي تمثلت في ممارسات الإرهاب والظلم على المواطنين، من قتل وتعذيب وإهانة واغتصاب للحقوق، فيتبنون إزاءهم مواقف صارمة، من قبيل ألا يسمحوا لهم بالمشاركة معهم في أي مظهر من مظاهر الحراك السياسي، كألا يسمحوا لهم بالمشاركة في الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني، وألا يقبلوا تبرعات مالية أو عينية من ذوي الثروات التي يعلمون أو يشكون في أنها قد تكونت لديهم جراء تعاونهم مع النظام وأركانه، وأخيراً ألا يمنحونهم ثقتهم وأصواتهم، لو تمكن أحدهم، بأي شكل من الأشكال، من الترشح في أي انتخابات سياسية.

وإني أرى أن هذا العزل، المبني على وعي وإرادة المواطنين، سيكون هو الأجدى والأكثر فعالية وتأثيراً. وإني آمل أن تجد هذه الدعوة صدى عند المواطنين، وعند من نسميهم ونعتبرهم النخبة السياسية، سواء داخل المؤتمر الوطني العام أو خارجه.. حتى نخرج من هذا المأزق، الذي يسمى (قانون العزل السياسي)، ونتفرغ لاستثمار بقية وقتنا لوضع قانون جيد لانتخابات لجنة الستين، ثم نبذل جهودنا لإنجاح هذه الانتخابات، بحيث تفرز لنا أفضل ستين شخصاً يمكن أن يوجدوا في مناطقنا الثلاث، نخولهم بذل جهودهم للتوافق على دستور، يحظى بثقة أغلبية معتبرة من المواطنين، فنتبناه ونعتمده، ونشرع في بناء دولتنا الجديدة على أساسه.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • عثمان الناجي

    ….وتخيل معنا الجماهير التي اختارت محمود جبريل بنسبة تصل إلى 65 % وانحازت لمصطفى عبد الجليل وعبد الفتاح يونس وغيرهم ممن اختارتهم في المؤتمر الوطني هل نقصيهم لأنهم خطر علي الدولة!!!!!!!!!!!!

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً