عشق الحكام، من الملك الصالح إلى الشهيد الصائم!

عشق الحكام، من الملك الصالح إلى الشهيد الصائم!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

العشق اصطلاحا هو الانجذاب إلى الشيء بدرجة الوله والتوهان، إذ الدافع عاطفة جياشة صماء خرساء! وحين يحدث ذلك يصعب انفكاك العاشق عن المعشوق وخاصة عندما يكون من طرف واحد! إذ أن شدة الوله تعمي العاشق عن أي عيوب في معشوقه وينشأ ستار عازل يحجب الصورة الحقيقية لتحل محلها صورة اخرى وهمية يصير من خلالها ذلك المعشوق ملاكا سرمديا يمشي على الأرض!
في مضمار السياسة اعتقد ان بعض الليبيين اكثر تميزا من غيرهم في ممارسة العشق الموجّه للحاكم!، وهو بالطبع ذلك الحاكم الذي يحكمهم لمدة من الزمن تتعدى العقد من السنوات، وأن شدة العشق تتناسب طرديا مع طول فترة الحكم التي يقضيها الحاكم، الذي تعودوا أن لا يغادر كرسيّه الا ميتا أو معتقلا في احسن الأحوال!، إن العاشقين للحاكم في ليبيا ينقسمون الى صنفين، صنف يعشق لأول مرة ويستمر متمسكا بحاكمه الى ما بعد موته!، وصنف آخر يتنقل بعشقه بين الحكام حسب القائم! والغريب أن هذا الصنف يرفض الحاكم الجديد بشدة في باديء الأمر، ثم سرعان ما ينقلب ذلك الرفض الى عشق مركب بمجرد تأكدهم من سيطرته على الأمور وبقائه في السلطة!
شاهد القول، عندما تحاول اسقاط ذلك الأمر على الواقع السياسي الليبي الآن، تجد أنه اصبح لدينا في ليبيا 3 مجموعات للعشق السياسي المتعلق بالحكام، وذلك حسب اعداد من توالوا على حكم ليبيا في فترة ما بعد الاستقلال، وهذه المجموعات هي: مجموعة الملك الصالح! ومجموعة الشهيد الصائم! ومجموعة فبراير المجيدة! هذه المجاميع العشقية الثلاثة تسير في خطوط متوازية ولا تلتقي مهما امتدت حسب نظرية التوازي! والغريب في الأمر أن عشق الحاكم في ليبيا يستمر وقد يورّث للأجيال! ولهذا تجد الكثير ممن يعشقون ذلك الحاكم عن بعد أو بمجرد السماع! اذ لم يكونوا حاضرين لفترة حكمه التي انقضت وفي احسن الأحوال ربما كانوا آنذاك اطفالا صغار!
هذا يعني ان مسألة عشق الحاكم في ليبيا اصبحت ظاهرة حقيقية، وتأصلت في الثقافة السياسية الليبية وهو ما ينبيء باستمرار ممارسة العشق الحاكمي بنكهة السياسة عبرالاجيال! فالذي لم يعش عصر الملك من الشباب والكهول تجدهم اليوم اكثر عشقا لعصره وبالمثل للشهيد الصائم وسيكون كذلك لفبراير المجيدة! لكن الملفت للنظر هنا هو اختلاف الحالة الثالثة وهي عهد فبرايرعن سابقها من حيث عدم وجود حاكم واحد رمز يمكن توجيه زخم العشق له، مما يعني تشتت كمية العشق وبالتالي سيؤدي ذلك الى تفريغ لا ارادي لشحنة العشق المكتسبة!
قد تكون انتفاضة فبراير بمثابة الصدمة التي توقظ العشاق من نرجسيتهم، وتعيدهم الى حالة من التفكير المتوازن، لا الاندفاع العاطفي!، قد تعيد هذه الصدمة تشكيل حالة الادراك لدى عشّاق الحكام في ليبيا، وبالتالي اعادة توجيه سهام عشقهم لما هو ثابت ولم يتغير بتغير الحكام الا وهو الوطن! فهل ننتظر نشوء حالة من وعي سياسي جديد تفضي الى تطوير حالة العشق للحكام الى حالة أسمى وهي حالة حب الوطن “ليبيا”، ونتخلص بذلك من اجترار ثقافة عشق تائهة لنتجاوز تراكمات ماضي ولىّ ويستبدل انصار الملك الصالح والشهيد الصائم عشقهم القائم للشخوص بحب دافق منبعه القلب والعقل موجه لليبيا وليبيا فقط!؟

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • عبدالحق عبدالجبار

    اخي الدكتور عبيد الرقيق المحترم لقد صدقت لانه لا عشق لفبراير 17 وإنما لعاب يسيل علي الأموال و الكراسي الذين عشقوا فبراير 15 اما استشهدوا او رجعوا لعشق الله و الوطن و اهله …. عشاق فبراير الذي ذكرت هم ليسوا عشاق وإنما عبيد لغير الله وخدام لغير الوطن و القوم ….. خفافيش اللهم ترفعهم عنا كما رفعت الذين قبلهم ولكن أسرع

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً