كوكاكولا: إعلان “لاطائفيّ” ساذج يذكّر بالطائفية فقط

من الإعلان (عن اليوتيوب)
من الإعلان (عن اليوتيوب)

 

العربي الجديد

في السنوات الأخيرة بدا المعلنون في لبنان أكثر ذكاءً. هربوا من الكليشيهات ونزلوا إلى أرض الواقع. نزل الإعلان اللبناني إلى أرض الواقع، فتحدّث عن خوف الأم على طفلها في إعلان لشركة الهواتف الخلوية “ألفا”، وتحدّث عن غيرة المرأة والرجل في إعلانات لشركة المشروبات “باز”، وتحدّث عن “ثِقَل” زيارات الأهل إذا كثرت، في إعلان لمصرف “البحر المتوسّط”، وعن المغتربين وعلاقتهم بلبنان بعد اتصالات الصوت والصورة في إعلان لقهوة “نجّار”.

بدا أنّ كتّاب الإعلانات باتوا أكثر ذكاءً من كتّاب المسلسلات اللبنانية. تلك التي تهرب من “الواقع” لتتحدّث عن عائلات أرستقراطية، أسماء أفرادها تتراوح بين جاد وكريم وسامي وسامر، ولا إشارات إلى مذهبهم. تلك المسلسلات التي لا يشاهدها أحد لكثرة غرقها في كليشيهات “العيش المشترك” إلى درجة أنّها قد تصلح لتكون عن بلد يقع على جزيرة منعزلة في أقاصي القطب المتجمّد الشمالي.

إعلان كوكاكولا الأخير جاء ليعيد خلط الأوراق. فهو يبدأ من حيث انتهت قصص الدراما اللبنانية المملّة. يحكي عن أنّ “حلاوتنا نحنا اللبنانية إننا كلّنا على قلب واحد”. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة: “الفرحة ع طول بتجمعنا”. وهذا “كذبٌ” رسميّ. فاللبنانيون منقسمون على كلّ شيء: “ومهما اختلفنا ما مننقسم”. يا للهول. هل يتحدّث هذا الإعلان عن لبنان حتّى؟

ثم تبتكر “كوكاكولا” أسماء فتطبعها على عبواتها التنكية، وهي تقتصر على “فادي” و”جاد” و”سامي” و”داد” و”مام” و”خيّي” و”رنا” و”حبيبي” و”ليا” ولبنان”. أي تلك الأسماء “البيضاء” التي لا تدلّ على هويّة حاملها، ولا على انتمائه الديني والمذهبي. وربّما تلك الأسماء التي لا تجمع اللبنانيين، بل تجمع قلّة قليلة منهم تختارها هرباً من “الفضيحة” الانتمائية بدءًا من الاسم.

مشكلة هذا الإعلان ليست فقط في ابتعاده عن الواقع، وادّعائه وجود واقع مغاير، والكذب العلنيّ حول أنّ اللبنانيين “لا ينقسمون” وهم “على قلب واحد” و”الفرحة تجمعهم”. أبداً. هذه كذبات نعرفها من ألسنة السياسيين، وها هي واحدة من أكبر شركات لبنان التجارية تقرّر أن يكون لسانها “سياسياً” وليس واقعياً.

يذهب بنا الإعلان إلى كذبات أخرى. فهو تمّ تصويره في أجزاء من بيروت لا تمثّل بيروت الحقيقية ولا تمثّل لبنان فعلا: شاب يدقّ الغيتار على شاطىء يبدو مجّانياً، في واجهة بحرية ما عادت ممكنة رؤية البحر فيها من دون دفع الأموال لحيتان الأموال. شوارع قديمة وسيّارة عتيقة، كما لو أنّ بيروت ما زالت تحتفظ بروح ما في داخلها. ووجوه مبتسمة وضاحكة أبداً.

هو إعلان “خياليّ” من ألفه إلى يائه. و”الكليشيّه” التي ظنّت أنّها “تهرب” من الطائفية والمذهبية، تقع فيها من حيث تدري أو لا تدري. لأنّ المذهبية التي جهد كاتب النصّ والمخرج في إخفائها، ازدادت حضوراً في الغياب. وبدا الإعلان “لاطائفياً” ساذجاً على منوال بسمة “الهلال والصليب” الساذجة، الذي تذكّر بالهلال، وبالصليب وليس بانتفاء الحاجة إلى الحديث عنهما.

https://www.youtube.com/watch?v=zwGG5CqOdOs

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً