الحوارُ الليبي… ترقبٌ محفوفٌ بالهواجس!

الحوارُ الليبي… ترقبٌ محفوفٌ بالهواجس!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

يوم ان كان الحوار والمصالحة مطلبا ملحا رأيناه نحن بعيون الوطن بمجرد ان سقط النظام ، تجاهلته الامم المتحدة وتركت الليبيين يتخبّطون في ازماتهم التي شاركت هي ذاتها في جلبها لهم ، لقد تخلّت الامم المتحدة عن دورها الانساني والتاريخي تجاه الشعب الليبي ، في اللحظة الحرجة التي كان الليبيون احوج ما يكون فيها للحوار والمصالحة ، حينما كان الخلاف سياسياً هشاً ، فقط بين انصار القذافي ومؤيدي 17 فبراير ، ولكنها تقاعست ولم تتواجد في الوقت المناسب مما ادى الى تجذّر ذلك الخلاف وتصلّبه ، بل والى تحوّله الى خلاف جيوسياسي جغرافي اقليمي ، بوصولنا الى حالة من الخلاف بين شرق وغرب وجنوب ، وهو ما يفتح باب تقسيم ليبيا على مصراعيه امام رغبات داخلية ليست مخفيّة! وخارجية قد تكون مبطنة ! تعيد الى اذهاننا حالة من الترقب المحفوف بهواجس مريبة يكتنفها الغموض ، وتثار فيها اسئلة من ابرزها لماذا تأخر المجتمع الدولي كل هذا الوقت؟! ولصالح من؟! ولماذا تحاول بعض الدول حشر انفها بكل قوة لتسييس الحوار الليبي؟!

علينا ان لا ننسى أن المجتمع الدولي هو من اقحم نفسه بقوة في بداية الانتفاضة ، فكان عامل الحسم الاهم في انهاء حكم القذافي ، لكنه تخاذل بعد ذلك ونأى بنفسه مكتفياً بالمراقبة عن بعد! تاركا الليبيين يتخبطون بين متاهات التطرف والقبليّة والجهويّة وحتى الاطماع الشخصيّة الرخيصة. الأمر الذي جعل من ليبيا بلداً يُستنزَف بشريا وماديا طيلة اربعة سنوات عجافٍ ، حتى وصلنا الى ما نحن فيه من اوضاع امنية منفلتة واقتصادية متردية ، تنذر ولا شك بخطر كبير ، لا يعلم كنهه إلا الله سبحانه وتعالى الذي نسأله اللطف والرحمة.

رغم يقيننا ان الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الخلافات والوصول الى ارضية التوافقات ، ورغم دعواتنا المتكررة منذ اندلاع الانتفاضة ، الى تبني اسلوب الحوار والمصالحة وصولا الى حالة توافق تصل بنا الى شاطيء الامان ، رغم كل ذلك ، الا انه ثمة هواجس تعترينا ونحن نضع ايدينا على قلوبنا ترقبا لمجريات الحوار الذي يتواصل اليوم في المغرب وقبله متنقلا من غدامس مرورا بجنيف وعودا لغدامس . نعم يضع الليبيون ايديهم على قلوبهم ترقباً يمتزج فيه الامل بالألم ، والفرح بالحزن ، ويمتزج فيه التفاؤل بالتشاؤم وهم يتابعون مجريات حوار اليوم في “الصخيرات” ، تلك البلدة المغربية التي نتمنى ان تدخل التاريخ من نافذة مشرعة للم شمل الاخوة الاعداء!

لاشك ان الجميع حين يرخي العنان للتمني ، يهتز شوقا للفرح القادم حين تحدث المعجزة ، ويتوافق الفرقاء من اجل الوطن ، فيقدّم الجميع التضحيات سخيّة ، ولو بحجم التنازلات بمنظور الاختلاف والعداء المصطنع الذي فرضه الواقع على الليبيين ، بعد مخاضٍ عسيرٍ لانتفاضة لم يتحرر وليدها من رحم الفوضى حتى الان! لكن الجميع بالمقابل قد يتحسّر الماً ويهتز خوفاً ، من احتمالية ليست مرغوبة ، لكنها قد تكون بحكم الواقع مفروضة ، حين – لا قدر الله – يخفق الحوار ولا يتحقق الالتقاء حول كلمة سواء ، فيعود المشاركون كلٌ على انفراد في قطيعة هي الآن مجسدة على ارض الواقع بأمتياز.

ان ما ينقص حوار اليوم هو ان أطراف الحوار المشاركة ، لا تمثل واقعياً كل اطياف الشعب الليبي ، مما يقلل من فرص نجاح النتائج وان صدقت نوايا المتحاورين ، فالاكتفاء فقط بما يمثله مجلس النواب والمؤتمر الوطني لا يعبّر في الواقع عن شموليّة الحل ، وبالتالي امكانية تطبيقه على الارض. فالشعب الليبي بعد كل تلك التجاذبات السياسية التي حدثت بين ذلكما الجسمين ، لم يعد يثق في كليهما بدرجة تجعله يوافق على ما يسعون اليه ، خاصة وانه يدرك جيدا ان ما اوصلنا الى هذا الوضع هو ذلك “المؤتمر الوطني” بالدرجة الاولى ومن بعده مجلس النواب !

ان مجرد الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية يقبل بها المؤتمر ومجلس النواب تبدو للوهلة الاولى خطوة جوهرية على طريق حل المشكل الليبي ، لكنها قد تكون قاصرة على تحقيق اهدافها اذا ما رفضت بعض الميليشيات الانصياع لها على الارض ، الامر الذي يجعل الامم المتحدة والمجتمع الدولي امام خيار الدعم العسكري المباشر للحكومة لحسم الصراع على الارض والذي بالطبع سيترتب عنه مزيد التقاتل وسفك الدماء الليبية وإهدار الثروات.

ان المشكلة الاساسية في ليبيا اليوم هي انتشار السلاح وتملّكه من قبل ميليشيات بعينها ، منها الجهويّة والقبليّة والدينيّة والتي يُخشى عدم خضوعها لسلطةٍ واحدةٍ طواعيةً ، وهي وبكل اسف لازالت تمتلك كل او بعض الموقف على الارض ! وهذا ما يستوجب ايجاد طرف اخر قوي ، يمكنه جمع السلاح طواعية او كرها من تلك الميليشيات ، ولن يتأتى ذلك إلا بتشكيل قوة دولية تحت مظلة الامم المتحدة ، تسند لها مهمة مراقبة وقف اطلاق النار اولا ، وتجميع السلاح ثانيا، وقياساً على الحالة الليبية يكون مناسباً ان تتكون القوة الدولية من تشكيلات عربية وافريقية.

اذا، تبقى كل احتمالات ما بعد هذا الحوار مفتوحة وعلى درجة من الواقعية السياسية ، فللتفاؤل حظ كما للتشاؤم ايضا ، وليس بمقدور احد الجزم بما ستأتي به قادم الايام من خير او شر على ليبيا الشعب والأرض ، ويرتكز ذلك بالأساس على مدى ادراك الليبيين وحرصهم على مصيرهم قبل اي طرف اخر، فهل يدرك الليبيون حقيقة وخطورة ما ينتظرهم، فينتصرون لأنفسهم وينقذون بلدهم من التشتت والانقسام؟! ام انهم سيختارون خانة وسطاً بين التفاؤل والتشاؤم فيكونون “المتشائلون” كما هي العادة!! وينتظرون ما تخبّئه الايام وهم يراقبون في صمتٍ غريبٍ مجريات الأحداث مفعولا بهم لا فاعلين، ويرددون بندم شديد عبارة “ربي غالب”!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً