داعش تنحسر في العراق و”دامش” تتمدد في ليبيا

داعش تنحسر في العراق و”دامش” تتمدد في ليبيا

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

ان اغلب التنظيمات التي تدّعي انتمائها للإسلام، منذ ظهورها في نسختها العصرية ابتداء من تنظيم “الاخوان المسلمون” مرورا بـ “القاعدة” وانتهاء بـ “تنظيم الدولة الإسلامية”، كلها تنظيمات ذات صبغة تنظيمية محكمة وذات بناء هيكلي مركزي ينتهي برأس الهرم، وهو اما المرشد العام للإخوان المسلمين، او الخليفة او الأمير لباقي التنظيمات. كل هذه التنظيمات تشترك ايضا في عامل اساسي اخر، وهو مسألة الانتماء للدولة الاسلامية الجامعة، في صورة شاملة لا تعترف بالحدود الجغرافية او الكيانات الوطنية للدول القائمة حاليا، وبالتالي فإن السلطة يجب ان تكون مركزية، وتخضع لاعتبارات التواجد البشري للمسلمين بدون حدود جغرافية، ان ذلك بالطبع، لا يعني تطابق منهجيّات اي من تلك التنظيمات في مبدأ الحكم، ففي حين يعترف تنظيم الاخوان المسلمون بمسألة الانتخابات على الصورة العصرية، ترفض باقي التنظيمات الاخرى ذلك ويذهب بعضها شططا في اعتبار الانتخابات وفق الديمقراطية العصرية كفرا، كونها منهجا يستخدمه “الكفّار” الذين هم من غير امة الاسلام.

ليس تلاعب بالألفاظ والكلمات، بقدر ما هو تفسير لظواهر صارت واقعا مفروضا على الساحة العربية تحديدا، فـ “داعش” وكما يعلم الكثير، هي مصطلح لفظي  لعبارة محددة وهي (الدولة الاسلامية في العراق والشام)، حيث اخذت منها الحروف الاولى لكل كلمة، وعلى نفس السياق يمكن اظهار مصطلح “دامش” من عبارة (الدولة الاسلامية في المغرب العربي وشمال افريقيا). في اعتقادي ان ما يسمى “داعش” الآن، هو مجرد تحوير مظهري لما يسمى القاعدة، كجزء من استراتيجية دولية، تستهدف تغيير الصورة النمطية التي اقترنت بالقاعدة، وخاصة بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وذلك لمحاولة تغيير اتجاهات الرأي العام حول ارتباط التنظيم بالأفكار المتطرفة، ففي حين كان هدف القاعدة المعلن هو ضرب امريكا ومن والاها، أصبح الهدف الآن هو ضرب انظمة الحكم في الدول العربية، وهذا التغيّر الهدفي ربما ساهمت فيه بدرجة كبيرة احداث ثورات ما يسمى بالربيع العربي، التي اُسقطت فيها انظمة اربع دول عربية، ولا تزال الدولة الخامسة تعاني حالة حرب شرسة تأتي على الاخضر واليابس.

ان ظهور تنظيم داعش والإعلان عنه في العراق والشام، جاء كنتيجة لصراع مرير ودامي تشهده العراق منذ اكثر من عقد، بين ابناء البلد الواحد، وفي ظل غياب ملحوظ لسلطة الدولة، بما تحمله من معنى سياسي وقانوني على الارض، الامر الذي ولّد حالة من الفوضى انتجت غبناً اجتماعياً وسياسياً لدى جزء كبير من الشعب، دفع ببعض الشباب الى الانخراط في تنظيم محكم، تم اعداده من قبل دوائر خارجية ذات علاقة بالاستخبارات الدولية، لأجل توجيه وتحريك مسار معين، خدمة لمصالح بعينها لهذا الطرف او ذاك، في ظل سياسة تبادل الادوار وحفظ المصالح. وبالمثل يمكن الآن سحب ذلك على تنظيم “دامش” في ليبيا التي عانت وتعاني ظروفا مشايهة للعراق.

ان تنظيم ما يسمى الدولة الاسلامية، يستهدف بالدرجة الاولى كل الدول في المنطقة العربية، لذلك تم تقسيمها الى ثلاثة مناطق رئيسة: منطقة العراق والشام وتضم دول العراق وسوريا ولبنان والأردن – منطقة الحجاز واليمن وتضم السعودية ودول الخليج واليمن – منطقة المغرب وشمال افريقيا وتضم مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ونظرا لتمكن التنظيم من السيطرة على مناطق كبيرة في العراق والشام اعلن عن نفسه امام العالم، وبدأ بتطبيق منهجه في تلك الاماكن وهذا التنظيم الذي اعلن عن تواجده في ليبيا بعد سيطرته على بعض المناطق فيها، سيعلن عن نفسه بقوة وبإسمه الجديد “دامش” حسب المكان في الوقت المناسب، وسيتلو ذلك باقي المناطق حال فرض تواجده فيها.

ان وقوف المجتمع الدولي وتحالفه المعلن ضد داعش في العراق وسوريا، وخوضه لحرب دولية ضده على الارض ستضعف حتما من قوته هناك، وسينحسر مدّه ولاشك، تحت تأثير الضربات الجويّة العالميّة المركّزة لكنها سوف لن تتمكن من القضاء عليه نهائيا، مثل ما حدث سابقا لتنظيم القاعدة، الذي وان تمكن العالم من التضييق عليه ولجم توغله، فهو لا يزال حيا في العالم . ان الحرب الدولية على داعش في العراق وسوريا، ستضغط حتما على عناصر التنظيم، وتدفعها للخروج الى مناطق اخرى اقل ضغطا، يأتي في مقدمتها اليمن، وليبيا التي تعيش حالة فوضى وعدم استقرار وانفلات امني، يشكل بيئة جاذبة لهم، مما يعني تمدد التنظيم وتوسعه على نطاق كبير في عمق الارض الليبية، وهو ما ينبئ بتصعيد كبير في عملياته النوعية في ليبيا مستقبلا.

ليس امام الليبيين الا خيار الاصطفاف ونبذ الفرقة والانقسام، والوقوف جميعا بحزم وشدة، ضد هذا التيّار الجارف الذي يستهدف ليبيا ارضا وشعبا، وذلك من خلال الجلوس الى مائدة حوار وطني شامل يفضي الى حالة توافق جمعي تصنّف اولويات المخاطر التي تواجه البلد، وتدفع الى تبنّي سياسة وطنيّة تعاضديّة مشتركة، تدفع في اتجاه مواجهة “دامش” وبقوة قبل ان يتمدد مخترقا البنية السكانيّة الليبية ويستفحل، ان الامر في غاية الخطورة مما يتطلب انتباها واستباقا عمليّا قبل فوات الاوان . ان دوامش ليبيا سيعتريهم “الدمش” الذي هو باللهجة الليبية يعني ضبابية الإبصار!، وبالتالي سيفتقدون القدرة تماما على تمييز الليبيين الذين سيكونون اهدافا جماعية لعملياتهم دون استثناء! هل يصحو ضمير الليبيين ويعقلون ؟! ام على قلوب أقفالها!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • ليبيا تنتصر

    سيد عبيد من قال لك عن الصورة التى تحاول بعبقريتك رسمها عن الوضع فى ليبيا هل كنت هناك يوما ام انك من متتبعى قناة العربية وماتابعها , تحليلاتك ومعها كل التحليلات التى يتحدث بها الجميع ليست الا تخيلات وافكار خاطئة تخدم اطراف دولية معينة , اما عند الحديث عن تمدد داعش فى ليبيا لماذا لا تذكر حقيقة ان اكثر من 80 فى المئة من الليبيين يحملون السلاح ولا يبحثون الا على الحرية والعدالة والديمقراطية ولا تستطيع داعش او أنصار الشريعة او أنصار المجرم حفتر من ان يفرضو عل هذا الشعب الذى نال حريته بسوعد ابناءها ومواجهة الظالم أكبر الدكتاتوريات العصر الحديث فما كان منها لا وتهاوت اما اصرار الليبيين على التغيير بقوة السلاح وارادة الليبيين . لا مكان فى ليبيا الا لدولة تحترم الجميع وتساوى بين الجميع تنعم بالديمقراطية ولن يتأتى لا بوحدة الصف وعدم الأنسياق وراء الهجمة الدولية الأعلامية لتضليل حول ليبيا, حيث يتم التسويق للعديد من الأكاذيب لتحقيق اهداف محددة حيث اصبح الكذب الذى تمارسه قناة العربية وقنوات المصرية التى تتبع الأنقلابيين على الشرعية فى مصر والتسريبات التى تتتالى من داخل اروقة مهندس أنقلاب مصر والسعى الحثيث لتدخل المشبوه للمصريين فى ليبيا , حيث ينكر الجميع حقيقة ان مصر كانت السبب الرئيسى فى عدم الأستقرار فى ليبيا حسب تسريبات أروقة الأنقلابيين ولكن ضعف النظر والعقل تجعل من الصعب على المرء ان يجمع هذه الوقائع فى ملخص واضح وجلى وعدا ذلك ليس الا بالتفاصيل الصغير للعبة الكبيرة التى يشارك فيها العديد من الليبيين بغير ادراك ولا وعى لحقيقة المؤامرة التى تتعرض لها ليبيا الحبيبة .

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً