فتش عن “الهوسبتاليين” في ليبيا!

فتش عن “الهوسبتاليين” في ليبيا!

البابا-وفرسان-مالطا

في مقال سابق كتبت عن “داعش”، ذلك الشر الذي إذا اقتربت منه تكتفي، أكدت فيه أن التنظيم مجرد تطبيق إلكتروني يدار من الخارج، عرائس ماريونت ملتحية خيوطها معلقة بأصابع حزمة من أجهزة المخابرات، وسوف لا يختفي قبل أن يُسقطَ الشكل القديم للشرق الأوسط من فوق كتفي الأطلس، ويضع بدلًا منه الشكل الجديد، الذي صُمِّمَ منذ عقود؛ ليليق باستقبال (الملك الألفي)، كما يعتقد أصحاب الحد الأدنى من اليهود ومتطرفو المسيحية الصهيونية!

ما لم يكن الأمر هكذا، لابد أن تندلع في الأذهان حزمة من الأسئلة، بعضها، بحكم شهرة السلفيين في تبجيل الجهل، مبررة، مثلًا: أمام تلك الفيديوهات شاهقة الجودة التي تليق بصناع السينما في “هوليوود”؛ لنا أن نتساءل عن مصدر قدرة “داعش” المذهلة على ترويض التكنولوجيا!

ولنا أن نتساءل عند قراءة خبر يؤكد تقاضي المقاتل الأجنبي 2000 (يورو) شهريًِّا عن مصادر تمويل “داعش”!

والسؤال المتطلب:

ما هي مصادر الأسلحة المتطورة التي تمتلكها؟

مع ذلك، عندما اشتعل الضجيج الكوني عقب إحراق (معاذ الكساسبة)، تجاهلت أفكاري المسبقة عن “داعش” والتمست لها عذرًا؛ إنها قواعد الاشتباك المعروفة، لم يكن “معاذ” ذاهبًا للسمر معهم تحت سحابة من موسيقى “فيروز”، تمطر بأغنية “أسهار بعد أسهار”، ولا ليلقي عليهم سلال الورد؛ بل ليحرقهم قربانًا لمعركة لا تخصه أصلًا، ما هو الغريب في الأمر إذًا؟!

الغريب، بل الأغرب، هو ذبح “داعش” لمصريين، كل ذنبهم أنهم ولدوا عبيدًا لإقطاعيين يسرقون أعمارهم ويرغمونهم بقوة السلاح على التواري في ظلالهم الكبيرة؛ هربوا، للكدح تحت سماء غريبة ومشتعلة ليعودوا في النهاية ببضعة آلاف من الجنيهات، يسكتون بها جوعهم وجوع عائلاتهم، أو يتزوجون زيجاتٍ بائسة لينجبوا عبيدًا جدد يصطحبونهم لحضور القداس في صباحات الآحاد، وهذا كل شيء!

ما هو المبرر؟

ما علاقة “ملح الأرض” هؤلاء بمعركة لا يستطيعون حتى تخيل أبعادها؟

أيُّ دين شرير يُبجِّل ذبحَ هكذا بسطاء؟

ليس الإسلام بالتأكيد، ومن خلفية إسلامية أتحدث!

أنفي أن التنظيم ينبض بالكثير من الإسلاميين المتشددين، هؤلاء، لبساطة عقولهم ربما، وربما، لما ألحقت بهم الأنظمة الاستبدادية من عنف منظم؛ يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة، وأنهم الموكلون بإرغام الآخرين على التسليم بها وإن سحقًا، لكن، هؤلاء يسكنون جيوب التنظيم الجانبية، إنما دائرة صنع القرار حكرٌ على “فرسان مالطا” وعناصر “بلاك ووتر”!

وفي مقال سابق تحدثت عن “فرسان مالطا”، المعروفين تاريخيًَّا بـ “الهوسبتاليين”.

ذاكرة كل من شاهد فيلم “الناصر صلاح الدين” حتمًا تحتفظ بالصورة الذهنية الجميلة لـ “لويزا”، أو “نادية لطفي”؛ إنها واحدة من “الهوسبتاليين”!

بعد ضياع القدس، وبعد أن طردهم الأتراك من رودس، كما طردوا قبلها من صور وعكا وليبيا وقبرص؛ استولى الهوسبتاليون على مالطا، وأسس أستاذهم “جان دي لافاليت” مدينة فاليتا، العاصمة الحالية، قبل أن يفتك “نابليون بونابرت” بهم ويطردهم منها!

على الرغم من أن معاهدة “أميان” اعترفت بحقوقهم في السيادة على مالطا؛ لم يعودوا إليها قط قبل عام 1990، عندما عقدوا اجتماعًا كبيرًا في ميناء العاصمة، حضره نحو 500 شخص من 22 دولة يرتدون حللًا سوداء بصليب أبيض مزدوج الأطراف، تغيَّر على إثره العالم.

قررت المنظمة في ذلك الاجتماع أن تكون أقوى منظمات المرتزقة في العالم، كما قررت التحطيم عن عمد، لقد أصيبوا بعد هزيمتهم في (مالطا) بالنزوع إلى الجريمة، وتناسلت في المهجر أفكارهم مع أفكار كانت رحمًا شهيرًا للعنصرية!

إنهم عندما طردوا من مالطا، استقر معظمهم في سان بطرسبرج الروسية، بينما هاجر بعضهم إلى أمريكا. تزامن وصول هؤلاء مع اشتعال الحرب الأهلية هناك وتأسيس منظمة “الكوكلوكس كلان”، وهي منظمة عنصرية تؤمن بتفوق البيض على الأعراق الأخرى، وبأن الملونين همج، وأن الكاثوليكية هي الطريق الصحيح إلى الربِّ؛ ثم تنحسر كل عقيدة أخرى إلى هرطقة، وولدت على الفور صلات وطيدة بينهم وبين فرسان مالطا!

كان أعضاء (kkk)، تماشيًا مع تعصبهم للبيض، يرتدون ثيابًا بيضاء ويعتمرون قبعات بيضاء أيضًا، ذلك التقليد انتقل إلى الهوسبتاليين؛ فصار رمز القديس يوحنا صليبًا أبيض معلقًا في حبل أسود، وصاروا يعرفون بـ “فرسان الصليب الأبيض”!

من الواضح طبعًا أنهم أذابوا أفكار “الكوكلوكس كلان” في تعاليم المسيحية، هكذا أعتقد، وكل ما صدر عنهم من تصرفات بعد مؤتمر مالطا يؤكد صحة اعتقادي، لقد ثبت ضلوعهم في احتلال العراق، كما أُثيرَ غبارٌ كثيف حول انتماء جورج بوش الأب وأبيه وجده إلى المنظمة!

ثمة شكوك أيضًا حول انتماء “برنار ليفي”، داعية الحريات، إلى فرسان مالطا، كلنا حتمًا سمع باسم هذا الفيلسوف اليهودي الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، كما رفع الأوكرانيون صوره في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس يانوكوفيتش.

لدور الرجل في صناعة الربيع العربي نبض أكيد، فهو عرَّاب الثورات العربية بلا منازع؛ لهذا كان يجب علينا أن نضع “برنار ليفي” في ذروة النقطة عندما نحصي مُلاَّك الجمال الإنساني عبر التاريخ لولا أن مآلات الثورات العربية خرجت عن سياقها بهذا الشكل المروع، والمرشح للتفاقم!

هذا الرجل المثير للجدل، قال، وهو يعي تمامًا ما يقول:

– سوف يصل الربيع العربي إلى الجزائر!

مضى زمن الأحداث الارتجالية، كلُّه حسب الخطة، والمؤامرة أكبر بكثير من أن توضع في إطار تستطيع أذهان البسطاء استساغته أو حتى تخيله!

عندما تضطرب الخريطة برمتها، وتفورُ الحدود، وتندلع المذابح من الأمام ومن الخلف ومن الجانب الآخر، وتتردد في كل البيوت أصداء الفقد، وتزدحم المخيمات باللاجئين العرب ينتظرون عطايا ذوي القلوب الرحيمة في الصليب الأحمر والأمم المتحدة، أي عطايا فرسان مالطا؛ سوف يصل الربيع الأحمر إلى الجزائر، بطريقتهم الخاصة!

لكن، من المستفيد مؤقتًا من مذبحة ليبيا؟!

إنه النظام المصري، ثم تنكمش كل إجابة أخرى إلى مجرد إضافة!

فهو يتصرف مؤخرًا بشجاعة اليائسين، أو المخمورين، أو بمنطق شمشون، عندما استشعر نذر الهزيمة!

وهو حتمًا عندما شعر مؤخرًا بأنه وضع في الركن، واحتلت الثورة المقدمة، وبدأ الثوار يكيلون له اللكمات من كل جانب؛ قرر القفز إلى الأمام على دماء المصريين في حرب أهلية. أمر ببغاواته في الإعلام بترديد نغمة التحريض عليها، عندما مُنيَ هذا المخطط بالخيبة؛ قرر تنشيط أحد سيناريوهاته النائمة والتورط العصبيِّ في حروب خارجية، ليتسع أمامه مجددًا هامش المناورة؛ حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

لذلك، أقسم بالعطر على أن مذبحة الأقباط في ليبيا مخطط مخابراتي لا يقبل القسمة على اثنين، سوف يستدير هذا الكلام في الأذهان عندما ندرك أن علاقة النظام المصري بـفرسان مالطا وطيدة جدًا، ومريبة جدًا.
في الحالتين: الآن فقط، دخلت مصر استراتيجيًَّا حزام سوريا والعراق!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً