الرواية الإعلامية بين تنمية الوعي وتزييفه

الرواية الإعلامية بين تنمية الوعي وتزييفه

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

لا للتمديد، والإسلاميون خسروا الانتخابات، وحكم المحكمة لا يعني انعدام مجلس النواب؛ روايات ثلاثة بثها خصوم سياسيون يؤمنون بالحكم المدني، لكنهم كفروا به ولجؤوا إلى الحل العسكري، لحسم خلافهم مع خصومهم. سيجد القاري في هذا المقال أن هذه النخبة نجحت في تزييف الوعي وساهمت في تهيئة المسرح، لحرب سالت فيها دماء شباب في عمر الزهور، ودمرت فيها مدن على ساكنيها…ستكتب رواياتهم ويسألون.

الرواية أو السرد أو (القصة) هي حكاية لأحداث متصلة، سواء كانت تحمل حقائق وتعكس واقعا، أو خليطا من الحقائق والأكاذيب المفبركة، تقدم، للقارئ أو السامع أو المشاهد، في سلسلة من الكلمات المكتوبة أو المنطوقة، أو في تسلسل (نقل) الصور.

كل عناصر الرواية لديها وظيفة معينة، أو تخدم غرضاً محدداً، لتحقيق آثار في وعي الناس لتنمية الوعي أو لتزييفه. يعتمد كل ذلك على الأهداف التي يريدها كاتب الرواية؛ فالكاتب إما أن  يكون جندياً في معركة أو مهندساً في مشروع بناء، وكذلك الرواية إما أن تكون سلاحاً للهدم أو رافعةً للبناء.

يستخدم المال الفاسد لشراء الأقلام المأجورة لكتابة هذه الروايات التي تستخدم لتزييف الوعي وتحشد لهذا المهمة، الأموال والطاقات المختلفة. تجد الأغاني التي تمجد الرواية وتجد رسام الكاريكاتير الذي يبدع في تأييده للرواية، ويشهر كُتاب الأعمدة أقلامهم مستشهدين بها، ويستضاف في القنوات محاورون دائمون للتكرار والتحليل الداعم لنفس الفكرة.

تجذب الرواية المفبركة نشطاء المجتمع المدني والنشطاء السياسيين الصادقين والنفعيين؛ فينشطوا في الدفاع عنها تحت سطوة هذه الرواية وطغيان المال الفاسد. ويجد هؤلاء الناشطون أنفسهم يتنقلون من استوديوا إلى آخر، دون أي اختبار لصدق هذه الرواية، حتى يصدموا يوماً ما، بأنهم كانوا ضحايا شراك المال الفاسد أو ضحايا لعمليات نصب واحتيال الساسة يستخدمونهم كجسور إلى السلطة.

كاتب الرواية التي يستهدف تزييف الوعي عادة ما تعطى له الرسائل جاهزة من مراكز ومطابخ تعمل كغرف عمليات لتحقيق أهدافها الدنيئة، ويقوم هذا الكاتب بفبركة القصة ونشرها.

يتلقف هذه الرواية جيش من الأقلام المأجورة، وينفخ فيها لتتحول مع مرور الوقت إلى أذهان القارئ كقضية رأي عام، ويستقبلها المستمع أو المشاهد تلقائيا بوصفها حقائق لكثرة رواتها، والحشد الهائل من المحللين والنشطاء المؤيدين لها إلى أن تدحض يوماً ما، باعترافات أو بتسريبات.

في ذلك الحين تكون الحقيقة غير ذات جدوى، فقد حققت الرواية أهدافها المقصودة، وأوقعت الضرر المستهدف. وينتقل الراوي إلى رواية أخرى، لتحقيق ضرر آخر وهكذا دواليك.. حتى ينتحر المجتمع ببطء بهذا السم الذي تنفثه النخبة المفسدة للوعي.

رواية “لا للتمديد”:

في الرابع من شهر يوليو 2013م أعلن تحالف القوى الوطنية فك ارتباطه بأعضائه في المؤتمر الوطني العام، وأعلن رئيس اللجنة التسيرية للتحالف أن المؤتمر الوطني العام تنتهي ولايته في السابع من فبراير 2014م، مستنداً في ذلك إلى التوقيتات المذكورة في الإعلان الدستوري، متناسياً أن المؤتمر الوطني العام هو أعلى سلطة في البلاد ويملك وحده دون غيره حق تعديل الإعلان الدستوري، استناداً إلى السلطة التي منحه إياها الشعب الليبي في الانتخابات العامة التي أجريت في السابع من يوليو 2012م.

قام التحالف من خلال وسائل إعلامه ببث هذه الرواية وحشد كل مأجور، بل وصادق انطلت عليه هذه الفرية. عقدت الندوات والحوارات التي تؤيد هذه الرواية وتطمس كل رواية مخالفة.

نصبت العدادات في القنوات العسكرية وحرضت على اقتحام المؤتمر واستخدمت صياغة تقول إن المؤتمر تنتهي ولايته في السابع من شهر فبراير، ثم بعد هذا التاريخ استخدمت صياغة؛ المؤتمر المنتهية ولايته. بهذا الزخم من التزييف استطاعت هذه الآلة الإعلامية خلق حراك في الشارع يحمل هذه الرواية؛ فخرج علينا حراك “9 نوفمبر”، وحراك “لا للتمديد”، وانضم إليهم شباب وثق في نخبته التي عبثث بوعيه.

مما يحسب للمؤتمر الوطني العام أنه استجاب لهذا الحراك ودعا إلى انتخابات مبكرة، وهذا ما كان يتطلع إليه منتجو الرواية، والدعاية، مستندين في ذلك إلى قدرتهم في تزييف إرادة الشعب كما فعلوها أول مرة.

لم ينطق التحالف ببنت شفة عن النص الواضح بشأن نهاية العمر القانوني للهيئة التأسيسية لصياغة الدستور  الذي ينتهي في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من أول اجتماع لها، وأن أعمالها بعد هذه المدة لم تعُد دستورية بل سكت عنها لأنها تخدم روايته.

رواية “الإسلاميون خسروا الانتخابات”:

جاءت مقترحات فبراير وجاء في مادتها الأولى أن يتولى السلطة التشريعية مجلس نواب ينتخب بالاقتراع العام الحر السري المباشر، وفق قانون انتخاب يصدره المؤتمر الوطني العام خلال أسبوعين من تاريخ إقرار هذا التعديل. هذه المادة هي السند الدستوري الوحيد التي تم بناء عليه إصدار القانون رقم عشرة لسنة 2014م بشأن انتخاب مجلس النواب في المرحلة الانتقالية.

نصت المادة (18) من قانون انتخاب مجلس النواب، على أن “يعتمد النظام الانتخابي الفردي في انتخاب أعضاء مجلس النواب وفقاً لنظام الصوت الواحد غير المتحول”، مما يعني أن القانون لا يسمح للكتل بالتنافس على هذه المقاعد وفق نظام القائمة الذي كان معمولا به في قانون انتخاب المؤتمر الوطني العام فأي فرية أكبر من القول أن كتلة خسرت الإنتخابات والقانون لا يسمح بمنافسة الكتل.

رواية أن الإسلاميين خسروا الانتخاب فانقلبوا على السلطة، فرية وفجور في الخصومة وتغطية لمخطط الانقلاب على السلطة الذي بدأه اللواء المتقاعد خليفة بلقاسم حفتر بـ”انقلابه التلفزيوني”، حين أعلن في عيد الحب في 14 فبراير 2014م من مدينة بنغازي، إسقاط الإعلان الدستوري، وتهديد كل أعضاء المؤتمر الوطني العام وأنهم أهداف مشروعة سيتم القبض عليهم.

تبع ذلك الخطاب بيان مايو المشهور بمهلة “الساعات الخمس”؛ إذ منحت مليشيات القعقاع والصواعق المؤتمر الوطني العام خمسة ساعات لتسليم السلطة وإلا سيطرت على العاصمة طرابلس.

تحالف القوى الوطني أيضاً رفض الحوار الذي كان يرعاه الدكتور طارق متري رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والذي كاد أن ينجح في مسعاه لولا أنهم شنوا عليه حرباً لإفشاله لأنهم ظنوا بأن نجاح انقلابهم، الذي جر على البلاد الويلات، كان قاب قوسين أو أدنى.

كل ذلك قبل انتخابات مجلس النواب التي أجريت في 26 يونيو 2014م. أي أن من بدأ الانقلاب هو من يقود الحرب الدموية على شعبه الآن، وبحجة هذه الفرية ثم بحجة الحرب على الإرهاب الذي أسقطها الرقم 166 (الكتيبة التي حاربت الإرهاب فعلاً لا إدعاء).

اللواء المتقاعد استمر يقود انقلابه دونما أي صفة حتى ألحقت به الصفة لاحقاً من مجلس النواب المنعدم طبقاً لحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.

رواية “أن حكم الدائرة الدستورية لا يعني انعدام مجلس النواب”:

ويستمر الانقلابيون في انقلابهم بإحكام السيطرة على مجلس النواب وبنقله إلى مدينة غير المدينة التي نص عليها قانون انتخابه. ثم الإخلال بإجراءات الاستلام والتسليم، بحجة أنه إجراء شكلي، وبهذا التصرف ضيعوا على الشعب الليبي فرصة تاريخية للعبور بالبلاد إلى بر الأمان.

وتلاعب الانقلابيون بإرادة الناخب وبإرادة المنتخب بحشد كل وسائل التأثير من وسائل إعلام، ومن علاقات الدول الداعمة للانقلاب، والأموال والمناصب، بهدف التأثير على أعضاء المجلس، لتسيير دفته كما يريده الانقلابيون وداعمومهم.

أمام هذه العبث بالإعلان الدستوري، تقدم عضو بمجلس النواب وعضو بالمؤتمر الوطني العام، بطعن إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، في دستورية انتخاب مجلس النواب. كان هذا الطعن هو آخر وسيلة لتصحيح الوضع الدستوري، وكان بإمكان أعضاء مجلس النواب التفاوض، من أجل تصحيح الوضع وسحب الدعوة، ولكن ضغط حفتر والمتحالفين معه بحجة أن الحل قد أصبح عسكرياً، وقف حائلاً أمام هذا الأتجاه السلمي.

أصدرت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا قراراها بانعدام مجلس النواب وبقبول الطعن في عدم دستورية جلساته بحكم أن الخصومة منتهية، وهذا قرار غير قابل للتعقيب قانونياً.

انقلب المنادون بالحكم المدني عسكرياً على المسار السياسي وحشدوا البراهين والأدلة على أن الحكم الصادر لا يعني انعدام مجلس النواب، وأن القانون الذي انتخب على أساسه مجلس النواب ما زال قائماً، ولم يلغه حكم المحكمة. للأسف سقطت في هذا الامتحان “قامات” أو من كنا نراها كذلك.

قانون انتخاب مجلس النواب لم يأت ذكره إلا في المادة الأولى في مقترح فبراير. ومقترح فبراير لم يأت ذكره إلا في الفقرة (11) من المادة (30) من الإعلان الدستوري. الحكم رقم 17/63 ق قضى ببطلان الفقرة رقم (11)، وبطلان كل الآثار المترتبة عليها، مما يتطلب من هذه النخبة أن تراجع أي طالب في السنة الأولى قانون، ليبين لهم أن السقف قد خر على هذا القانون.

هؤلاء المنتسبون للنخبة علموا أبناءهم الطلبة أن السمو للدستور، وأن النص الدستوري لا بد أن يجاز بطريقة دستورية، وأن الطعن يكون في إجراءات إصداره، فإن صدر بطريقة دستورية أصبح حجة غير قابلة للطعن، ولكنه ليس كذلك إذا صدر بطريقة غير دستورية.

علموهم أن بطلان النص الدستوري يعني بطلان كل الآثار المترتبة عليه. هؤلاء الطلبة تعلموا من هؤلاء الأساتذة أنفسهم، أن مجلس النواب صار منعدماً بهذا الحكم.

لم يتطرق أي من هذه النخبة إلى حكم الدائرة الدستورية رقم 16/63 ق والقاضي بأن الخصومة منتهية، أي لا وجود لمجلس النواب لتستمر الخصومة وذُكر في حيثيات الحكم أن الجلسة الأولى لمجلس النواب وما بعدها المطعون بعدم دستوريتها قد تم بناء على التعديل الدستوري الذي قضي بعدم دستوريته، وكان لهذا القضاء حجية مطلقة، حسمت الخصومة الدستورية. وعليه فإن الخصومة الماثلة تكون غير ذات موضوع، الأمر الذي يتعين معه الحكم باعتبارها منتهية.

وهناك من قال إن الحكم صدر تحت تهديد السلاح وهي إهانة للقضاة الذين شاركوا في إصدار هذا الحكم وللقضاء الليبي. هذه المحكمة لم تذعن لحاملي السلاح في حكم مماثل عندما قضت بقبول الطعن في قضية انتخاب أحمد معتيق رئيساً للحكومة المؤقتة. صاحب هذه الفرية لم يطلع على حيثيات الحكم وكيف أنه استند إلى أدلة لا تقبل التأويل.

بهذه الرويات الثلاثة؛ فرية انتهاء ولاية المؤتمر الوطني العام؛ وفرية أن الإسلاميين انقلبوا على السلطة لخسارتهم في انتخابات لا تسمح أصلاً بنظام القائمة؛ وبتصدي النخبة لتمييع حكم المحكمة العليا بحجج واهية، تم التلاعب في المسار السياسي.

هذه الفريات أدخلت البلاد في شلال من الدماء ودمار للمدن، لن تنفعهم هذه الروايات الكاذبة عندما يجتمع الخصوم يوم القيامة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

التعليقات: 2

  • مواطن ليبي

    لماذا لم تبث المحكمة حرة الارادة في قانون العزل السياسي حتى هذا اليوم ؟
    هل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا مختصة بالنضر في تعديل الدستور ( الاعلان الدستوري ) ؟ ام هى مختصة بالنضر في مدى توافق القوانين الصادرة من الجهة التشريعية مع الدستور ؟
    الاسلاميون خسروا الانتخايات كمرشحين فرديين للاحزاب الاسلامية و ليس بالضرورة ان يكونوا مرشحين على قوائم حزبية ، و من الاشخاص المنتمين للتيار الاسلامي الذين خسروا / محمد بوسدرة / مصطفي التريكي / خالد المشري و غيرهم ربما لا اعرفهم .
    قرار بوسهمين بإنعقاد جلسة البرلمان الاولى اوكلها لرئيس ديوان المؤتمر بتحديد مكان اجتماع البرلمان و هو من حدد طبرق للإجتماع لعدم وجود الامن في طرابلس مقر المؤتمر المنتهية ولايته ( كتاب مدير امن طرابلس يؤكد عدم وجود ام بالعاصمة ) و لا في بنغازي حسب الدستور التى كانت تحت سيطرة الخوارج .
    مليشيات مصراتة و الزاوية و غريان وزوارة هاجمت طرابلس بقيادة صلاح بادي و احرقت المطار و دمرت الطائرات و احرقت خزانات النفط بطريق المطار و دمرت بيوت ورشفانة و هجرتهم من بيوتهم و غيرها لم تشر إليها ((( قصدا ))

    حصل الاسلاميين على 11 او 12 مقعد بفعل الصوت الواحد غير المتحول و لو تمت الانتخابات بالصوت المتحول فربما لن تحصلوا على مقعد .
    الان و في إنتخابات قادمة فأعتقد أنكم لن تحصلوا علي شئ بسبب نبذكم من الشارع الليبي و كراهيته لكم بسبب وقوفكم مع الخوارج الذين كانوا يقتلون أبناء الوطن و انتم تهللون لهم و تسمونهم ثوار

  • مواطن ليبى

    السلام عليكم
    لقد اصاب الكاتب عين الحقيقة لقد كان الانقلابى حفر يخطط ومعه اتباعه امثال جبريل للانقضاض على السلطة مند فترة وقبل حتى انتخاب المؤتمر وظهر هذا واضحا لكل من له بصيرة ولكن نظرة الليبين قصيرة نسو بسرعة ايام الطاغية وحكمه العسكرى الذى دمر البلاد والعباد وهاهم يلهتون وارء هذا العجوز الخرف ليحكمهم بالحديد والنار مرة اخرى .

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً