قراءة في حقيقة الصراع الليبي منذ 2011

قراءة في حقيقة الصراع الليبي منذ 2011

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

حين نتحدث عن ليبيا – الدولة الحديثة التي تحصلت على استقلالها باعتراف الامم المتحدة سنة 1951 – لابد لنا من ادراك الدور الذي لعبته الامم المتحدة آنذاك ، وحين نتحدث عن ليبيا مابعد 2011 م لابد لنا من ادراك الدور المحوري الذي لعبته وتلعبه الامم المتحدة في ليبيا حتى الآن ومستقبلا ، ذلك انه لم يكن ممكنا اسقاط نظام القذافي بدون تدخل الامم المتحدة ممثلة في مجلس أمنها ، الذي اصدر قرارات التدخل العسكري وفوّض حلف الناتو  بذلك ، تحت غطاء البند السابع. لقد كانت المهمة تستهدف حماية الشعب الليبي من ظلم وجبروت الحاكم ، ومنعه من ان يرتكب مزيد القتل والدمار بهذا الشعب ! ، لكن بمجرد اسقاط النظام رفع حلف الناتو يده عن الليبيين وتركهم يعانون ويلات وأعراض فوضى لا حدود لها !! بعد ان استعرت نار الحرب الأهلية بين الليبيين وانقسموا على انفسهم قسمين!.

الشيء الذي لم يدركه او يتغافله العالم حول ليبيا! ، هو عدم تعريفه لحقيقة الصراع الليبي الليبي كما هي في الواقع! ، حيث كانوا يعتبرونه صراعا بين الشعب من جهة ، والنظام من جهة اخرى بمفهوم الثورة الشعبية ، غير ان الحقيقة على الارض تقول ان الصراع الليبي لم يكن كذلك ، فقد كان صراعا اهليا طرفاه الشعب ، الذي انقسم على نفسه : جزء منه خلف فبراير والجزء الآخر خلف القذافي ونظامه! ، ولقد تبيّنت الصورة بجلاء خاصة بعد تدخل الناتو المباشر ، وساهم رفض الليبيين للتدخل الخارجي في وقوف البعض ضد الناتو وبالتالي الاصطفاف مع نظام القذافي والتزم البعض الاخر بالحياد كنتيجة لذلك التدخل الاجنبي! مما جعل جذوة الثورة في الغرب الليبي تخمد.

المتتبع للصراع الليبي من الداخل عام 2011 ، لا يمكنه إلا ان يقر بحقيقة الشرخ الاجتماعي وعمق الجرح الذي احدثه الصراع ، ولقد اثبتت الاحداث ذلك بجلاء خاصة بعد انهيار النظام وقتل القذافي ، فقد كان العالم يتوقع ان تضع الحرب اوزارها وينخرط الجميع في مسيرة اعادة الاعمار ، لكن ما شهدته ليبيا من معارك اهلية انتقامية بين القبائل والمدن في الغرب والجنوب الليبي فنّد كل الادعاءات والتوقعات ، فظهر واستبان انها لم تكن ثورة شعبية يخوضها كل الشعب ضد النظام! وإنما هي تقاتل اهلي بين الليبيين وفقا للاصطفاف الطاريء!! لقد كان العالم يستند على رؤى من قادوا تلك المرحلة والتي تصب جميعا في ان الامر مرهون فقط بسقوط النظام وان من يسانده في الغرب والجنوب يقع تحت تأثير جبروت وسطوة النظام لكنهم تفاجأوا بالحقيقة الصادمة وهي ان الانقسام كان طوعيا ولا اكراه فيه!!  الامر الذي يدل على قصور في تحليل وفهم من كانوا يقودون المرحلة من الليبيين مما دفع بالعالم الى التشكيك وعدم الثقة في اولئك القادة العاجزون على قراءة حقيقة الصراع الليبي!

وأمام ذلك الوضع الفوضوي انقسم العالم عن نفسه حيال ليبيا وتضاربت رؤاهم ، وصار كل جزء يدعم طرفا على حساب الآخر لاعتبارات وأجندات خاصة ، وهو ما زاد الامر تعقيدا ودفعا لإطالة عمر الصراع ، الذي امتد حتى الان الى ازيد من اربعة سنوات كاملة ، وهو ما ضاعف من معاناة الليبيين عشرات المرات عما كانوا عليه قبل الانتفاضة اقتصاديا وامنيا واجتماعيا . لم يجد العالم طريقا يمكن اتباعه لإنهاء الازمة الليبية التي طالت وتعقدت الا من خلال بعثته الاممية التي عجزت هي كذلك عن التعامل مع الشأن الليبي بما ينبغي ان يكون ، الى ان وصلت البلد الى مرحلة الانقسام السياسي الرسمي الذي نتج عنه وجود حكومتين ثنتين واحدة في الشرق بطبرق والثانية في الغرب بطرابلس!.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً