فجر الكرامة أم كرامة الفجر

فجر الكرامة أم كرامة الفجر

الثورة ليست ربا وبالتالي ليست مقدسة فهي عمل بشري قد يبدأ سفاحا وينتهي نكاحا والعكس صحيح وبالتالي مسألة الاقبال عليها والانخراط او الاستمرار فيها مرهون بمألاتها فالعبرة بالخواتيم والامر بنواياه ومنتهاه.

سيادة الفوضى التي نراها ببلادنا هي دليل على فاقة ذهنية اسمها غياب الوعي فلو زدنا التمحيص لوجدنا ان اساس مشروع17  فبراير لم يكن مخططا  له من قبل اغلب المنخرطين فيه سواء اسلاميين او علمانيين وايضا وفي نفس الوقت كان مشروعا مخططا له من لدن عدة اطراف (إسلاميين وعلمانيين) تشاركت في نسج خيوطه لمأرب واهداف لاعلاقة لها بما انخرطت فيه الجموع .

غياب الفكر لدى المنخرطين جماعات ووحدانا في الثورة جعل من السهولة بمكان الاستيلاء على الحكم بغطاء الثورة …الموضوع بالنسبة لمن خطط له كان انقلابا واستطاع  بطريقة واخرى خداع جموع الناس وصور لها  الامر على انه ثورة فضمن بهذا الخداع جر الناس الى مشروعه وهم يظنون انهم يحققون مشروعهم …مشروعهم كان عاطفيا بينما مشروع المخططين كان عقليا وقد شارك فيه ايضا الكثير من رجالات القذافي (وهؤلاء صنفان صنف هرب وصنف انشق وكليهما يجمعهما نادي سارقي المال العام والتي لم يستطيعوا استعمالها خوفا ورهبة من القذافي وهم انفسهم اليوم يقومون بدور الموتور)….وبالتالي امر المواجهة بين الشركاء في المشروع الظاهري الواحد كان حتميا واقول بل ضروريا وان تأجل بعض الوقت لانشغال الاطراف في اقتسام الغنائم.

في تصوري هذا الطرح يقود الى فهم ان الاهداف الكبيرة التي يمكن ان يتشارك في تحقيقها الاضداد وبنجاح لايمكن لنا ضمان استمراريتها ما لم نعالج مواطن الخلل التي تركب فيها او بالاصح حل التناقضات التي تحملها تلك الاطراف نتيجة الثقافة والبيئة والتطلعات.

التفاصيل الدقيقة المرتبطة بالعيش المشترك والتي لا نولي لها بالا في خضم حركة الحياة السريعة بسبب انخراطنا في المشروع الجامع قد تكون مسكنا مؤقتا ولكنه غير كاف للاجتياز بنا ناحية الضفة الاخرى ما لم ننتهز فرصة توحدنا على هذا المشروع لنخلق ارضية تفاهمية تستطيع صياغة عقد اجتماعي يطمئن الجميع يكون اساسه العدل الذي امرنا الله سبحانه وتعالى به.

الاستبداد يلعب دورا بطريقة ما في جعل الامور تستمر دون تحريك ذلك الساكن من القضايا ربما يعود للخشية من الفوضى والصراعات لو انه ذهب لتلك الاشكاليات الصغيرة والمحفورة بعمق لمعالجتها لهذا نراه يجتهد كثيرا في اثارة المواضيع الكبيرة التي عليها اجماع شعبي كمحاربة الاستعمار ومناهضة عدو على الحدود اوكشف اوكار الفساد وغيرها من المواضيع التي قلما يختلف عليها الشعب التواق دائما لصب جام غضبه على عدو ما  يحمله كل اخفاقاته.

هناك ناموس يقول…. اذا رزق احدهم من الفراغ فلا شك انه سيدافع عن الفراغ لان فيه رزقه ومن رزق من باب الفتنة فلا شك انه سيلزمه ولايتركه ففيه حياته ومن رزق من باب الفوضى واختلال الموازين وتلفيق المكانات فلا شك انه سيحافظ على تلك الاوضاع التي تغطي وضاعته وقلة حيلته فاستقرار الامور فيها فضيحته ان لم نقل هلاكه.

الصراع بين الاطراف سيستمر ما لم يجلسوا ليناقشوا حقيقة ما هم فيه والنقاش سيقود لزاما لمناقشة المقاسمة ……. انما الخطأ سيستمر اذا اصر المقتسمون على ان القسمة حق لمن حضر أي لغلبة السلاح بداعي انهم وحدهم من يملك قوة الالزام ….الصحيح ان تكون القسمة على اساس تقديم المفضول القادر المستنير على الفاضل المتعثر وليس العكس وهذا لايكون الا بعد ان يتفق المسلحون ثوار ومليشيات على الخروج من كافة المدن ونزع السلاح من العاصمة وتجريم حمله وضمان منع دخوله عبر بوابات خارج المدن…..القسمة مهما كانت لن نخشاها اذا كانت تخشى الله …بحيث لاتكون الدولة مستباحة لاي طرف  فيكون هناك نظام انتخابي عادل يضمن مشاركة الجميع وصياغة لدستور غير خادع ولايحوي في بطنه قنابل موقوته ….. العدالة والنزاهة فقط لا  واسطة ولا احتكار ولا ابتزاز …..لايشغلنا ما يتفاهم حوله المؤتمر والبرلمان فجر وكرامة في الصخيرات او واشنطن اذا لم تكن على حساب السيادة ولا التفريط في الارض او التأمر على بني البلد ولاتفضيل مدينة على مدينة ولا مكون على مكون حيث العدالة تصيب الجميع عبر قضاء مستقل لايخشى لومة لائم …ان مانخشاه ان تذهب تلك المقاسمة الى حيث يريد العدو تمرير مواد مبهمة في الدستور القادم تتم بصياغة خبيثة الى خلق ما يشبه التقسيمات الفيدرالية كمقترح المحافظات حيث القصد منها وضع النفط بيد فصيل معين وهو تخطيط خارجي الهدف منه ضمان الهيمنةعلى ليبيا ومن فيها بمساعدة عملاء وخونة.

نحن لدينا سنة بشرية تقول ان بعد أي حرب لابد ان يقع تقسيم وهذا التقسيم قد يكون له عدة اوجه ومن هنا لو تمعنا لوجدنا الحرب التي تغمرنا في ليبيا تنتابها الافتعالية والغرضية أي ان بعضها لاعلاقة له بالثوابت بل الهدف هو ترسيخ واقع معين سواء للمقايضة به مستقبلا او تثبيته  وهذا التصور هو الذي يجيب على الاستفهام الذي يدور بعقول كثير من الليبيين حول  تغول بعض الاطراف الصغيرة والقليلة وظهورها بمظهر القوة الكبيرة والفاعلة وهي في الحقيقة مجموعة من التحالفات تعمل بطريقة التوالي لتلعب دور اكبر من حجمها لتأدية مهام موكولة لها.

اذا ما تتبعنا ادبيات اخواننا في الفجر والكرامة اسلامييهم وعلمانييهم نجدهم جميعا يرفضون رفضا قاطعا اتهامهم بانهم يخالفون الشريعة او انهم غير ملتزمون بها ولكن الحقيقة  تقول ان الدين الاسلامي ليس شعارات نرفعها او حجج واتهامات نرميها على بعضنا البعض بل هي ممارسات تنفذ اوامر الله دون لبس او تلبيس …فلو اننا عدنا الى تقريري ديواني المحاسبة بطرابلس وطبرق لوجدنا انهما  يقولان  …. ان الاسلاميين والعلمانيين  في المؤتمر الوطني وحكوماته والبرلمان وحكومته وما يتبعهما من شعب وادارات ومؤسسات  خالفوا نهج الله واكلوا الحرام من امامهم ومن خلفهم ومن تحت ارجلهم …اي انهم كلهم شركاء في الاجهاز على الوطن.

العدل ليس كمثله دواء بالامس ساد الاستقرار الدولة الاسلامية المترامية.. سلاح سلطانها ذرة كانت بيد عمر رضي الله عنه وارضاه يلوح بها في وجوه العصاة حتى صار الشعب يقول عندما واجه الاستبداد …. لذرة عمر اهيب من سيفكم ……الاستقرار لايحتاج للقوة المفرطة بل قليل من الضبط ..والظلم لن تنفع معه وسائل الارهاب …فالعدل مع الطغيان رغم تناقضه الا انه يحدث في فترة تاريخية تتقاطع فيها المصالح قد يكون اقل مئونة من الظلم في ظل الثورة والحرية …سادت حالة من الانسجام بين سيدنا عمر رضي الله عنه وبين شعبه ضمنت له الاستقرار السياسي الذي جعل له هذا التاريخ الناصع.

الاستقرار السياسي رسخه سيدنا عمر بعدله وانصاف الناس من ذاته اولا فتصالحت الرعية وايضا بسياساته الصائبة فجعل بعد العدل من المشروع العام والقضية الام جعل منها هما يخص الجميع فأتجه الناس الى القضية المشتركة تاركين وراءهم تحفظات بعضهم تجاه بعض اذ باتت  تلك التناقضات امرا ثانويا لايستطيع العدو التسرب من خلالها كونه حرسها بالعدل وانني اقول ان كل من سار على هذا الطريق ولو جزئيا نجح وبأمتياز بغض النظر عن نواياه ( نجح في ادارة عهده ومن يأتي بعده عليه ان يقرأ اللحظة التي هو فيها فلا يعالجها بما عالج بها سلفه كون الامراض والاسقام تغيرت وربما اكتسبت مناعة من ترياقها السابق فتحتاج الى علاجات جديدة) …فعبد الناصر مثلا كانت له مكانة رغم محاربته للدين تحصل عليها من خلال شحن وحشد المجتمع لقضية فلسطين وبث الحماس لدرجة انه استطاع ان ينتصر على السعودية صاحبة القوة الروحية داخل الامة الاسلامية ….ورأينا نصر الله الشيعي كيف استحوذ على اعجاب اهل السنة فحملوا صوره بمقارعته لاسرائيل رغم العداوة بين اهل المذهبين  بل حتى القذافي استطاع النجاح من خلال ايجاد العدو الخارجي الذي تحشد الامكانيات لاجل محاربته … امريكا وبريطانيا … فسارت الجماهير خلفه دون ان تسئل عن التنمية او البنى التحتية وصارت هذه المطالبات من هم النخب ولما جاءت ثورة 17 فبراير تولت تلك النخب القيادة فسارت على نهجه تماما فصار محاربة القذافي وعهده ورموزه هي تلك الشماعه التي تواري سؤة اولئك الخونة اللصوص.

هذا المقال لايعبر سوى عن رأي كاتبه كما أنه لا يعبر بالضرورة عن عين ليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المنتصر خلاصة

كاتب ليبي

اترك تعليقاً