تفكيك الجيوش العربية هدف إسرائيلي يتحقق ذاتيا!

تفكيك الجيوش العربية هدف إسرائيلي يتحقق ذاتيا!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لقد كانت للعرب دولتهم القوية حينما كانت ركيزتها الإسلام الحق  فأظلت بعزّها الكثير من الأمصار والأوطان وامتلكت من القوة الروحية والمعنوية والمادية ما جعلها مهابة الجانب عزيزة الأطراف ، لكن للتاريخ دورته ، فهاهي الأيام تدور وهاهم العرب يضمحلَون وتتلاشى قوتهم العسكرية بالتدريج ! في زمن اختلف ، لم يتعلموا أبجديات ولوجه ليقفوا على قارعة الطريق مشدوهين متفرجين او خائفين مرجفين! ان ذلك يمكن رده  لازدياد قطَيعة الحكام لشعوبهم حتى كاد ينعدم التواصل بينهم ، فقد خرَب الحكام العرب أقطارهم بأيديهم ، وصيَروها اطلالا تستصرخ المنقذون في زمن لا متطوعون فيه بل سماسرة ومرتزقة!

بالأمس خرَبت العراق بسبب تعنت الحكام المغرورين الواهمين ، فكانت الأيدي العراقية معاول الهدم والتخريب والدمار والقتل ، بعد ان تحول كرههم للحاكم الى غريزة انتقام رهيب طالت حتى البسطاء العاديين من العراقيين! ، فقط لأنهم لم يشاركوهم في حنقهم وانتقامهم ولم يرحبوا مثلهم بالأجنبي الذي اعلن الحرب عليهم وعلى دولتهم العراق! حينما تدافعوا مرحبين بصواريخ وطائرات الأجنبي وهي تدكّ معسكرات جيشهم بنفس القوة التي تدك بها الجسور والثغور والبنية التحتية! لقد اعماهم كرههم ذلك الحاكم حتى انساهم انفسهم وأهلهم فصاروا يتلذذون بمشاهد خراب ألأوطان وجثث القتلى من بني جلدتهم ، دون اعتبار لأرواح تزهق ودماء تسفك وحقوق تنتهك!

للأسف الى متى يستمرالمشهد العربي يختزله موقف عاطفي لا اثر للعقل والبصيرة فيه؟! ، يجسَده المتهورون الحمقى بكرههم شخص ذلك الحاكم المتسلَط ! تدفعهم رغبة الانتقام الشخصي السادي دون نظر لعواقب الامور ، وما قد تجلبه على وطنهم وذويهم من خراب ودمار! ،  اولئك الحمقى والسذج يصدًقون أوهام أنفسهم فيعتقدون انه بنهاية الحاكم المتسلَط ستمطر السماء ذهبا وستفرش الأرض بساطا اخضرا! وسيتنعَمون من بعده بجنَة عرضها خريطة العراق او ليبيا او سوريا او اليمن!..هم لن يفيقوا الا بصدمة الحقيقة المرة ، حين يجدون أنفسهم في جحيم لا يطاق ، فلا امن ولا أمان ولا عيش ولا حياة ولا أوطان! إنها  مشاهد مستمرة من مسلسل الدمار والخراب والقتل والتفجير وكل مظاهر الإرهاب والرعب والبؤس الكبير!

اطيح بصدام حسين بالقوة العسكرية من قبل دول التحالف ، وكان اول القرارات حلَ جيشها بقرار من “بريمر” الحاكم العسكري الأمريكي! ثم تكرر المشهد في نسخة مطوَرة جديدة في ليبيا ، وكان اول اجراء هو تأكيد حل الجيش بطريقة الاحلال الممنهج لسرايا او كتائب الثوار! وفي اليمن هاهي المعارك محتدمة بين مكونات الجيش اليمني السابق بغية استنزافه وتفكيكه نهائيا ! وفي سوريا يتولى ابناؤها  نفس الدور لتفكيك الجيش السوري تسندهم الايدي الخفيَة الخارجية! ، يتساءل المرء ، هل كل هذه القرارات والإجراءات المتعلقة اساسا بالجيوش في هذه البلدان جاءت مصادفة؟! ام انها ضمن اهداف استراتيجية دولية يبتغيها من تشكل جيوش الدول العربية هاجسا امنيا ووجوديا بالنسبة لهم!؟

اذا سلمنا بأن الحكام المستبدين من صدام الى الاسد مرورا بالقذافي وعلي صالح ، هم السبب الرئيسي في ما آلت اليه الامور في هذه الدول الاربع من فوضى ودمار وتخريب ؟! اليس منصفا القول ، بأن المسئولية تقع على الشعوب ايضا وخاصة بعد ما حصل للعراق!؟ اي ان الشعوب في ليبيا واليمن وسوريا كان بإمكانها الاستفادة من الدرس العراقي وتجنب الوقوع في المحظور ، لو تعاملت بوعي وإدراك وبصيرة وتوحدت جميعها حول رؤية واحدة مشتركة لا مجال لاختراقها داخليا او خارجيا ، لكن وللأسف هذه الشعوب لم تستفد من الدرس العراقي الواضح ، بل هي من ساهمت في اذكاء دوَامة الصراع الدموي في بلدانها الذي لا تزال نيرانه تلتهمهم ومقدراتهم حتى الان! ، في ليبيا واليمن وسوريا ومن قبلهم العراق.

ان ما حدث في هذه الدول الاربع من استهداف حقيقي للمنظومة العسكرية التقليدية يؤدي حتما الى نشوء حالة فراغ امني كبير تسعى العديد من التيارات والتشكيلات ذات العقائد الدينية والقبلية والجهوية والحزبية الى سدَه وتتدافع بغرض السيادة على الارض عبر معارك حامية يقتل فيها الاخ اخيه واهله وذويه ،   وفي كل الاحوال فان نتائج هذه التغيرات الجوهرية في البنية الامنية والعسكرية لهذه الدول ستكون خطيرة جدا على مفهوم السيادة الوطنية لكل دولة ، وسيصعب اعادة بناء الجيوش على عقيدة عسكرية مهنيَة في الامد القريب ، مما يخلق حالة من الصراعات قد يطول امدها ويتجاوز العقود! ما لم تستفيق القيادات الفاعلة في هذه الشعوب وتحاول اعادة بناء الوعي بتلك المخاطر الجسيمة وإدراك مدى الحاجة الماسة لإعادة بناء الجيوش والمنظومات الامنية وفق رؤى وطنية بعيدة عن تجاذبات السياسة التي تعصف الآن بهذه البلدان.

اذا في سوريا وكما اليمن ستكون النهاية بنفس النكهة العراقية والليبية ، وهي ان يتلاشى الجيش ومظاهر القوة المنظمة التي ستفتح الباب واسعا امام الفوضى وفقدان السيادة بالمفهوم الامني للدولة وبالتالي فقدان القرار! ..من نلوم اذا؟ هل نلوم حكامنا الذين جلبوا لنا كل هذا الهوان بفعل تسلطهم وطغيانهم!؟ ام نلوم أنفسنا لأننا لم نفرق بين عدونا وصديقنا؟! ام نلوم اعدائنا المتربصين بنا وعلى رأسهم الاسرائيليون !؟ أم كل هذه الاعتبارات مجتمعة؟! يحتار المرء في الأمر ، لكن الثابت هو أننا لازلنا ننساق وراء عواطفنا ونرفض استعمال عقولنا!! وان المستفيد الاكبر من تفكيك الجيوش العربية في هذه الدول هم الاسرائيليون دون غيرهم!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً