من أفسد الحياة السياسية في ليبيا؟

من أفسد الحياة السياسية في ليبيا؟

في غضون أسبوع واحد من بداية ثورة 17 فبراير، تم تكوين جسم سياسي أصبح وبسرعة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي، خاطبت ثورة ليبيا من خلاله العالم، لتنهال عليه الاعترافات والتأييدات، وليبداء مشواره السياسي وليكون له تأثير بالغ في الحياة السياسية في ليبيا اليوم، وبالتأكيد لسنين  طويلة قادمة.

قد كان هذا الجسم، وهو ما سُمي بالمجلس الوطني ألإنتقالي، والذي ربما تكوَّن عفوياً وعلى عجل كما يظن الكثيرين، أو ربما كان قد تم الاعداد والترتيب  له وبهدوء سلفاً، إذ أن المشهد يوحي بأنها مسرحية سياسية متقنة، قد تم طبخها في مطبخ أحدى الدول وتم الاسعانة فيها بطابخين ليبيين وأجانب مهرة، ظهروا بسرعة علي المسرح السياسي الليبي، وإستطاعوا أن ينشبوا مخالبهم وأنيابهم في هذا الجسم الوليد وأن يحقنوه بجيناتهم، ليستمر وجودهم فيه وفي الاجسام  التي سيلدها من بعده.

نظرا لبداية ثورة ليبيا بعد ثورتي تونس ومصر بوقت كافي، ومع بروز بوادر ثورتها، أصبح السؤال المُلح، ليس: هل ستقوم الثورة في ليبيا أم لا؟ أوهل ستنجح أولا؟ بل: كيف ومن سيقود الثورة في ليبيا، وكيف ومن سيسيطر على هذه الثورة ويستفيد منها لصالحه؟

منذ الايام ألأولى للثورة، برز أسمين قياديين علي السطح، أولهما: اللواء عبدالفتاح يونس وثانيهما: المستشار مصطفى عبد الجليل، عبد الفتاح يونس رجل عسكري مخضرم، خريج مدرسة القوات الخاصة، معروف بأناقته وجاذبيتة، وهو أمين الللجنة الشعبية للأمن العام، أي أن جميع وحدات الشرطة وقوات الدعم المركزي والامن العام تعرفه وتأتمر بأمره، تم إستبعاد هذا الرجل ولم يولى حتى منصب وزير دفاع وأستعيض عنه بجلال الدغيلي، وهو شخصية مغمورة لا يعرفه أحد وليس له أي تأثير في الوسط العسكري ولا  الامني.

تم تنصيب السيد مصطفى عبد الجليل  كرئيس للمجلس الوطني الانتقالي، وقد كان أمين عام للجنة الشعبية للعدل، هو شخصية متدينة فيها من الطيبة وسهو لة الانقياد أكثر من السياسة والحنكة وهذا ما إعترف به شخصياً في عدة لقاءات له، مما سيكون لذلك عواقب وخيمة علي مسيرة ليبيا السياسية الوليدة.

وضح من اليوم الاول سيطرة الاخوان المسلمين على المجلس، حيث أتضح تأثير د. علي الصلابي، والذي كان كاتب قصص دينية، أستخدمه النظام السابق ليعيد الجماعات الاسلامية إلى حظيرته، فكان هو من أحضر وأقحم الاخوان المسلمين للمجلس خاصة ممثلي المنطقة الغربية  لليبيا، الذين لا يعرفهم عبدالجليل لكنه قبلهم بتزكية من الصلابي، كما تم وأد المجلس العسكري الوليد في بنغازي والذي تشكَّل في الايام الاولى للثورة من ضباط ليبيين شباب من مختلف الاسلحة، مؤمنين بالثورة هدفاً وفكراً وعملا، لكن عبد الجليل همشهم بدعوى أنهم يشكلون خطر علي الثورة، وقد كان هذا بمشورة الصلابي ومن ورائه، ليتركوا عبدالفتاح يونس وحيداً، مقصوص الجانحين، والذي في نهاية الامر تم إغتياله بأيدي لا أعتقد بأنها كانت مجهو لة، ليتم التخلص منه نهائياً.

لاننسى أنه وبتوصية من الصلابي،  تم تعيين السادات البدري وعبدالرزاق العرادي وهما من قيادات الاخوان، والعرادي وهو صهرالبغدادي المحمودي (أمين اللجنة الشعبية العامة الاخير) وأحد مسوقي برنامج سيف الاسلام القذافي الاصلاحي، والذي إستفاد من علاقته بالبغدادي، أيام النظام السابق في الحصول على عقود ضخمة لحفر آبار للنفط وغيره، كما إستفاد بعدها، تم تنصيب السادات والعرادي، على رأس مجلس طرابلس المحلي، ليكونا  ذراع الاخوان وعينهم علي كل ما يدور في العاصمة طرابلس.

كما أن علي الصلابي الممسك بيده بمقبض صمام المساعدات العسكرية القطرية، تعمد توجيهها للميليشيات الاسلامية التي يتزعمها أخوه أسامة الصلابي وفوزي أبوكتف، وحرم منها كتائب الثوار والجيش المنظوية تحت إمرة جلال الدغيلى وزير الدفاع وعبد الفتاح يونس رئيس أركانه، ليخلق بذلك  مشكلة لا زالت بنغازي تعاني منها إلى اليوم.

بالإضافة إلى ما ذكرت، تصدر الخطاب السياسي للمجلس الانتقالي كناطقين رسميين، السيدان ناصر المانع ومحمد الحريزي وهما أخوانيان حتى النخاع، وللتذكير فمحمد الحريزي هو من زور خطاب تكليف علي الصلابي بمهمة التصالح مع رموز النظام السابق، هذا ما صرحت به السيدة سلوى الدغيلي عضوة المجلس يوم 06/05/2012، والذي أضطر الحريزي بعده للإستقالة، ليتولى وهو مرفوع الرأس، لجنة السياسات في حزب العدالة والبناء، واجهة الاخوان السياسية، كما أن ناصر المانع هو من قرأ بيان الاخوان المسلمين الذين أفشلوا به  ملتقى معارضي نظام  القذافي الثاني في لندن، ربيع 2008.

أهم نتاج سياسي للمجلس الوطني الانتقالي والذي وضح فيه تأثير الاخوان المسلمين ولخدمة مصالحهم  كما ذكرت، هو الاعلان الدستوري، وقانون الانتخابات (قانون رقم 4 لسنة 2012).

أكبر عيب في الاعلان الدستوري هو عدم نصه على وجود رئيس منتخب أومعين للبلاد، يفصل في الامور المصيرية  للدولة وتلتف حوله الامة،  كما في جميع  دول العالم، حيث تتكون منظومة عادة الحكم من مثلث بثلاثة أضلاع هي:

1- رأس  الدولة أومن يقوم مقامه (مثل الرئيس أوالملك).
2- الحكومة بأي مسمى لها  (مجلس وزراء، مكتب تنفيذي)
3-  الجسم التشريعي (مجلس نواب، مؤتمر وطني عام، مجلس شعب أوخلافه).

لنضرب مثلا بجارتينا في الثورة وتجربتهما السياسية، في تونس مثلا، بمجرد نجاح الثورة تم تعيين (الباجي قآئد السبسي) رئيس مؤقت للبلاد، ثم تم إنتخاب برلمان مؤقت، نتج عنه رئيس مؤقت وهو (المنصف المرزوقي)، وتم أعداد الدستور، ومن ثم وتحت مظلة الدستورالجديد، تم إنتخاب رئيس دائم للبلاد والذي كان السبسي مرة أخرى، ولتستمر المسيرة السياسية بطريقة صحيحة، أما في مصر فبمجرد سقوط مبارك من عرشه، تم تكليف مجلس عسكري مؤقت كرأس للدولة، ثم تمت العملية الانتخابية للرئيس الدائم كما تم إنتخاب  أعضاء جدد لمجلس الشعب.

في ليبيا وحسب نص الاعلان الدستوري لا يوجد رئيس للدولة، بل هناك فقط حكومة ومؤتمر وطني، فأصبحت بذلك  منظومة الحكم لدينا مَعيبة، أشبهها بطاولة برِجلين فقط لا تستطيع أن تقف لوحدها، بل تبقى مترنحة، تفتقد رِجْلها الثالثة، هذه الرِجْل  التي من المهم وجودها، لخلق التوازن ولتدعيم مؤسسة الحكم وللفصل ما بين السلطتنين النتفيذية والتشريعية، في حالة حدوث خلاف متأزم  بينهما.

قد حاولت لجنة فبراير* مشكورة تصحيح هذا العيب في مقترحها بتعديل الاعلان الدستوري وإيجاد رئيس منتخب للدولة ولكنها فشلت في بسبب معارضة الاخوان المسلمين  وحلفائهم  الشديدة لذلك.

المنتج المعيب الثاني للمجلس الانتقالي الوطني هو العملية الانتخابية الأولى، لإنتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام، والتي تمت وفق (قانون رقم 4  لعام 2012)  وكان بها عيبان بارزين هما:

1-  قبول مشاركة الاحزاب في العملية السياسية والانتخابية في ليبيا دون وجود  قانون ينظم عمل هذه الاحزاب، وهذا لم يحدث إعتباطاً أوسقط سهو اً، حيث أن الاخوان لديهم تنظيم حزبي قوي ومعد سلفاً وله باع طويل في العمل الحزبي سواء العلني، أوتحت الارض (كناية عن  العمل السري)، عمرة عشرات السنين، وهو ما لم يكن متاح لغيرهم، الذين كانت أحزابهم في معظمها مجرد واجهات لأشخاص، مما سيسهل علي الاخوان سيطرتهم على الإتخابات، كما حدث في تونس المرزوقي  ومصر مرسي في ذلك الوقت، هذه العملية هي لعبة سياسية معروفه تسمى الاغراق، حيث يقوم الحزب القوي، (أومرشح رئاسي قوي في حالة الانتخابات الرئاسية) بإعلان نفسه، ثم يتم إغراق الساحة الانتخابية بعدد كبير من الاحزاب الصغيرة أوالمرشحين الضِعاف، فيحصد المرشح القوي النصيب الاكبر من االاصوات وتتقسم  باقي الاصوات بنسب قليلة علي باقي العدد الكبير من  المرشحين الضعفاء ، بذلك يضمن المرشح القوي الفوز بكل سولة ويسر، وقد حدث هذا في الانتخابات الرئاسية في الجزائر والسودان وموريتانيا.

2-  السماح بأن يتقدم  المرشح  المنتمي لحزب،  لنيل مقعد فردي (مستقل)، وعددها 120 مقعد،  مما ينسف  مفهو م أوأساس العضوالبرلماني المستقل  من أساسه، فكيف هو مستقل وهو ينتمي لحزب!!،  وهذا لم يتم أيضاً إعتباطاً  أوسهو ا.

سبب تعمد فعل هذا الخطاء هو أن بعض الدوائر الانتخابية، بها مرشح أخواني معروف وقوي، من المضمون نجاحة ولكن ليس بها قائمة أنتخابية حزبية، أي أن هذا الشخص لا يمكن له أن يترشح إذا تم منع المرشحين المنتمين لأحزاب من الدخول كمرشحين أفراد أومستقلين.

مثال ذلك ترشح  السيد نزار أحمد كعوان، عن دائرة حي الاندلس في طرابلس وفوزه بمقعدها، نزار كعوان منتمي لحزب الاخوان المسلمين ولا يستطيع إخفاء ذلك وإلانتخاب في هذه الدائرة مقصور على الافراد، فتم التلاعب في ذلك وتضليل الرأي العام وللأسف خرج السيد نوري  العبار، رئيس المفوضية العليا للإنتخابات (الذي لا يُخفى تماهيه مع الاخوان) ليعطيهم الشرعية وليقول بأن لا حرج في الخلط بين الاثنين وهذا موقف مشين، سوف لن ينساه لا التاريخ ولا الليبيين.

ينطبق ماذكرت أيضاً على العضوين عبدالقادر  محمد حويلي عن دائرة سبها الانتخابية، والسنوسي محمد الدبري عن دائرة الجفرة الانتخابية، فكلاهما أخوانيان، وقد دخلا ونجحا كمرشحين مستقلين، وغيرهما كثيرين.

من المعروف تجذر فكر العمل الاستخباراتي السري في عقلية وتاريخ الاخوان المسلمين، والذي بداء في مصر بإغتيالهم القاضي أحمد الخزندار في مارس 1948، ثم تلاه أغتيالهم رئيس الوزراء النقراشي، أما في ليبيا، فأن هناك شبهة لتورطهم في مقتل ناظر الخاصة الملكية إبراهيم الشلحي* علي يد الشريف محي الدين السنوسي والتي قام الملك أدريس السنوسي، ملك ليبيا السابق، بعدها مباشرة  بحظر نشاط الاخوان المسلمين في ليبيا، ليكف شرهم عن عرشه وعن مواطنيه.

بعد خسارتهم لمعركة إنتخاب مجلس النواب، ذلك بسبب عزوف الليبيين عن التصويت لهم ورغبة الليبيين في الحداثة والعصرنه، ولرفض الليبيين خاصة الشباب منهم، للخطاب الديني التقليدي المتزمت، الذي ليس لدى الإخوان غيره، فقد ختم الاخوان المسلمين أعمالهم  بتحالفهم مع الاسلام المتطرف المتمثل داخل قاعة  المؤتمر الوطني بعبد الوهاب قايد ومحمد الكيلاني، خريجي مدرسة الارهاب في أفغانستان والجماعة  الليبية المقاتلة، كما تحالفوا خارج قاعته  مع الجماعات الارهابية المسلحة، مثل أنصار الشريعة وغيرهم، ليصنعوا بذلك مزيجاً متفجراً، ما إن إنفجر حتى قضى على الحياة السياسية في ليبيا، وأحالها إلي أشلاء.

قد أثارت إنتباهي اليوم، صفحة حزب العدالة والبناء الذراعي السياسي للأخوان، على شبكة المعلومات الدولية،، هذه الصفحة كانت تخلوا من أي أسماء لقياديي الحزب أوصورهم، ولا حتي أسم رئيسه أوهيئته القيادية العليا أوأسماء أعضاء مكتبه التنفيذي، كما لوأننا نتعامل مع أشباح، وليس مع سياسيين محترمين  من حق اليبيين أن يعرفوهم، كما لاحظت أيضاً  أن بيانات الحزب السياسية  تخلومن أي أسم أوتوقيع، بل مجرد ختم أزرق، مثل بيانهم الاخير المؤرخ في 28 أبريل 2015، حول مبادرة الامم المتحدة لحل الازمة في ليبيا!!، فهل هذا عمل حزبي سياسي  مُحترم، أم عمل إستخباراتي مُحترف؟.

في الختام، ليس الأخوان وحزبهم وحدهم من أفسد الحياة السياسية في ليبيا، ولكن كان لهم النصيب الاكبر في ذلك، بسبب فكرهم السياسي المتخلفو المتعصب وأسلوبهم الاقصائي  وطريقة عملهم المبنية على العمل السري، والذي جرَّ غيرهم للتعامل معهم  بنفس الاسلوب، مما سبب فساد  الحياة  السياسية في ليبيا، وهو ما ندفع ثمنه اليوم وسندفعه لسنين طويلة.

المراجع:

– كتاب التاريخ السياسي ومستقبل المجتمع المدني في ليبيا، للكاتب الليبي إبراهيم عميش، والمنشور صفحات منه علي موقع ليبيا المستقبل. (الرابط)

– مقترح لجنة فبراير بتعديل الاعلان الدستوري (الرابط)

– نتائج إنتخابات المؤتمر الوطني العام من مركز كارتر (الرابط)

– موقع حزب العدالة والبناء علي شيكة المعلومات الدولية (الرابط)

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً