ماذا نريد من الحوار وماذا تحقق؟

ماذا نريد من الحوار وماذا تحقق؟

بدأ الحوار الحالي الذي ترعاه الأمم المتحدة في ظل حرب أهلية وانقسام سياسي وصراع مسلح وظهور انقسام في مؤسسات الدولة والحكم في ليبيا وفي ظل تدهور في الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية وانهيار لقدرة الدولة الليبية على التحكم في حدودها وتقديم الخدمات الاساسية لمواطنيها في الداخل ورعاية المهجّرين والنازحين في الخارج.

لقد كان الحوار منطلقاً من أسس تحقيق التوافق الوطني والإتفاق على إنهاء الحرب ومعالجة الأزمة ويعمل على تحقيق أربعة أهداف أساسية:

أولاً: العودة إلى شرعية الإختيار الشعبي المبني على العملية الديموقراطية والتداول السلمي على السلطة واعتباره حجر الأساس الذي تقوم عليه الدولة الليبية ومؤسساتها.

ثانياً: توحيد المؤسسة التنفيذية (الحكومة) الجهاز التنفيذي الحاكم والتوصل إلى حكومة وحدة وطنية واحدة وقوية تمثل كل الليبيين وترعى شؤونهم وتقدم الخدمات وترعى الاقتصاد وتحقق الأمن والاستقرار وتحفظ الحدود وتدير شؤون الدولة الليبية وتكون الجهة الليبية الوحيدة التي تمثل الليبيين في الداخل والخارج.

ثالثاً: التعامل مع التسيب الأمني والتحديات الأمنية وانتشار السلاح والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار وبناء وتقوية المؤسسات الأمنية والعسكرية آلت تحفظ الأمن وتأمّن الحدود وتحارب الخارجين على سلطة الدولة والذين يشكلون الخطر على أمن وسلامة الوطن والمواطن. ويكون ذلك عبر الترتيبات الأمنية المناسبة التي تشرف عليها الحكومة ومؤسسات الدولة.

رابعاً: خلق آلية توافق وطني وإجماع يواجه التشرذم والاقصاء والعزل والفكر الاستئصالي والتوصل إلى آليات للتشاور وخلق الاجماع الوطني داخل إطار الدولة وقطع الطريق على أية تحركات خارج إطار الاجماع الوطني ومحاربة كل أشكال الهيمنة أو الاقصاء أو الاستئصال. واعتبار الدولة الليبية ومؤسساتها هي الإطار الذي تُمارس من خلاله عمليات التشاور والتعاون والتوافق ورفض استخدام العنف بغض النظر عن مصدره أو عن مبراراته.

ويمكننا أن نقول أنه وبعد عدة اشهر من الحوار والصبر والرغبة الصادقة من الاطراف وقبل كل ذلك إرادة ورغبة الشعب وإشارته الواضحة لكل الاطراف أنه لابد من إنهاء حالة الاحتراب وحمامات الدم والتدمير المستمر لمقدرات الشعب الليبي. لقد استوعبت الاطراف هذه التوجيهات والاشارات من شعبنا وكانت النتيجة ما شاهدنا مؤخراً من مسودات للحوار جمعت بين دفاتها هذه التوافقات.

لقد حققنا ولله الحمد التوافقات الاساسية على الأهداف الأربعة التي ذكرناها… فقد اتفق الجميع على:

اولا: أن مرجعية الشعب عبر آلية الانتخاب والتداول السلمي على السلطة لا يمكن تجاوزها ولا القفز فوقها ولا يمكن استخدام العنف والمغالبة المسلحة من أجل قتلها وفرض واقع آخر عبر استخدام للقوة العسكرية تحت أي مسمى أو سبب. وهذا هدف هام قد تحقق بتوافق ورضى الجميع بعد هذه الأزمة. وهذا يعني تأكيد وتجذير للمبادئ الديموقراطية لتكون الأساس الذي تقوم عليه دولتنا الليبية بإذن الله.

ثانياً: الاتفاق على تشكيل حكومة ليبية. حكومة وحدة وطنية قوية وقادرة وتنهي حالة الانقسام والشلل والفشل الذي يعاني منه الجهاز التنفيذي للدولة الليبية نتيجة للصراع المسلح.

ثالثاً: الاتفاق على الترتيبات الأمنية التي تضمن تحقيق الأمن والامان والاستقرار ودعم وبناء المؤسسات الأمنية والعسكرية المطلوبة وجمع السلاح وانهاء حالة الفوضى المسلحة وحل التشكيلات المسلحة. وتمكين الحكومة من السيطرة على الملف الأمني وأمن الوطن والحدود ومحاربة الاٍرهاب والجريمة المنظمة وكل ما من شأنه تهديد أمن وسلامة الوطن والمواطن.

رابعاً: التوافق الوطني عبر تشكيل مجلس الدولة الاستشاري والذي سيلعب دوراً هاماً في صناعة التوافق والتشاور في شؤون البلاد. وتجتمع فيه كل فئات المجتمع التي تتفق على بناء الدولة والالتزام بمصلحة الوطن والتي ترفض العنف في حل الاختلافات وتلتزم بالحوار وتتحلى بالمسؤولية والرغبة في إنجاح هذه المرحلة الانتقالية الهامة والخطيرة في حياة بلادنا دون تهميش أو عزل أو إقصاء أو استئصال في إطار المواطنة وإحترام القانون.

لقد حققت المسودات التي طرحت سواء الثالثة أو الاخيرة هذه الأهداف، ولله الحمد. وانا اعتبر ذلك نصر مهم وتقدم رائع وشعور كبير وهام بالمسؤولية الوطنية من قبل كل الاطراف التي تشارك في الحوار وتلتزم بمخرجاته.

تبقى حالياً بعض القضايا التفصيلية والمحددة مثل عدد أعضاء مجلس الدولة الاستشاري ودوره التفصيلي في بعض القضايا وعلاقته بالحكومة كجهاز استشاري لها. ودور لجنة الحوار كلجنة فض النزاعات والتحكيم في حالة حدوث خلاف ولكي تكون لدينا آلية فض النزاعات. وبعض القضايا التفصيلية الاخرى.

لابد أن ندرك اننا كليبيون وبمساعدة المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة قد حققنا الأهداف الاساسية لحوارنا ونجحنا في التوافق عليها… وعلينا ان نعي قيمة الظروف والوقت والتحديات التي تواجهنا وتهددنا… إننا نواجه تهديداً ارهابيا يهدد وجودنا ونواجه أزمة اقتصادية وانسانية واجتماعية خطيرة تعصف ببلدنا ومجتمعنا. نواجه تحديات إعداد دستورنا وإقراره. نواجه تحديات.

وفي الوقت الذي يجب ان نتوصل فيه الى توافقات في النقاط القليلة المحددة الباقية لا يجب ولا نقبل بنسف ما توصلنا إلى عبر مكابدات شعبنا واهلنا خلال الأزمة الطاحنة التي كانت ولا تزال قد تودي بنا جميعاً.

إنه من المهم جداً بل إنه من الأهمية بمكان أن نضع الأمور في نصابها ونحدد ما هو الأساسي والأهم وما هو المهم ونحدد أين يجب أن نتوافق ونعاون ونتحرك إلى الأمام.

عبر هذا الاتفاق سيكون لنا جهازنا التشريعي المنتخب وحكومتنا القوية الوطنية وقضائنا المستقل وغير المسيس وترتيباتنا الأمنية المطلوبة وإطارنا التوافقي التشاوري الجامع الهام.

لدينا الآن ولله الحمد الوصفة والأساس الذي يجمعنا بعد فرقة ويوحدنا بعد احتراب ويكون أساسا لنا لبناء دولة المواطنة والعدل والقانون والحرية والديموقراطية التي نريدها ونحلم بها.

هل نجحنا في تحقيق أهداف هذا الحوار؟

نعم… لقد توافقنا فيما بيننا على مبادئ حاكمة هي اروع ما يمكن الاتفاق عليه. ستحكم عملنا وسلوكنا جميعاً. وعلى جملة من آليات هامة لبناء الثقة لابد أن نعمل على تنفيذها… لقد كان شهر رمضان في العام الماضي صعباً ومؤلماً لشعبنا فلم يستطع أن يحتفل بعيد الفطر ولا بعيد الاضحي. حيث تشردت العائلات وتيتم البنين والبنات، وترملت العفيفات الليبيات وفقد الآباء والامهات فلذات الاكباد. وانهارت مؤسسات دولتنا ودمرت مقدراتنا وسرت الشحناء والكراهية فيما بيننا. اصبح الليبيون والليبيات لاجئين في مطارات العالم وشوارع العواصم. تغوّل علينا غربان الإرهاب وتدخل في شؤوننا القريب والبعيد.

القيادة تعني المسؤولية والقدرة على اتخاذ القرارات الهامة والصعبة وعلى التوافق والنظر للمستقبل. القيادة يدفعها الأمل لان أعينها على بناء المستقبل… القيادة تعي قيمة الزمن والحال والظرف والمسؤولية… القيادة المسؤولة والناجحة تصنع المستقبل.

تلك هي القيادة التي تحتاجها ليبيا اليوم… فليكن بداية شهر رمضان المبارك هو فاتحة خير واتفاق فيما بيننا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 4

  • عبدالرزاق العرادي

    اتفق معك تمام. وللخروج من الأزمة والمسارعة في توقيع الإتفاق وتشكيل حكومة وفاق وطني علينا ألا نتعرض لمن كان الشرعي في الفترة المتنازع عليها ولا لمن يصدر التعديل الثامن.
    يكفي الإشارة إلى أن الأطراف عليهما إصدار الإجراءات القانونية التي تضع الإتفاق موضع التنفيذ. ولا ضرر أن يكون لدين تعديلين تنظر الدائرة الدستورية في أيهما هو التعديل الدستوري وذلك بعد تسلم الأجسام الجديدة لصلاحياتها وتشكيل الحكومة وفقاً للإتفاق.

  • امين صادق

    تقول نحن اتفقنا وهذه مغلوطة تاريخية فالمتحاورين لم يكن حوارهم مباشر كما ان كل شىء ياتى من قبل المبعوت الاممى بدليل حتى المسودات تاتى وتفتح فى يوم اللقاء على مجموعات الحوار الشكلية ويبداء الرفض والتعديل وفى المسودة الاخيرة اصبح الامر لا يحتمل الا ان المتحاورين الشكليين ان يوقعو بدون كلام ولا حول ولا قوة ، انها الوصاية الاممية كما كانت ليبيا يوما ما تحت الوصاية.
    من تقصد انه روع الليبيون وهجرهم فى رمضان الماضي ؟

  • karim manssor

    لايمكن ان تبني ليبيا وتحل جميع مشاكلها الا بالتوافق والحوار المباشر

  • الناجح

    اذا اتفقتم ونجحتم في الاتفاق السياسي بالصخيرات لماذا فشلتم في تقديم ابسط الحلول للمزاطنيين في ليبيا

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً