إلى قبيلتي القذاذفة و أولاد سليمان، كلام لا بد أن يقال

إلى قبيلتي القذاذفة و أولاد سليمان، كلام لا بد أن يقال

هذه الأيام، وفي جنوب البلاد يدور قتال عنيف بين جماعات قبلية مسلحة متناحرة، أفراد هذه الجماعات، هم في معظمهم ليسوا من الليبيين، إنما هم في الحقيقة مهاجرون غير شرعيون، وفدوا للبلاد من بلدان مجاورة، كتشاد والنيجر والسودان ومالي، ولأسباب عِدَّة، فمنهم من قدِم هارباً من آتون صراعات مشابهة في بلدانهم، ومنهم من أتى بحثاً عن عمل ولقمة عيش شريفة، ومنهم من جذبته فوضى ليبيا وسهولة الحصول علي المغانم سواء بالسطو أو بالتهريب أو غيرها من النشاطات الغير مشروعة، يحدث كل هذا في غياب كامل للدولة الليبية العاجزة والمنقسمة بين حكومتين إحداهما في شرق البلاد و أخرى في غربها.

لكن ما هو دور سكان الجنوب  من الليبيين فيما يحدث؟ ولماذا لا يحرك معظمهم ساكناً لدرء الخطر عن بلادهم والدفاع عن ممتلكاتهم وأرواحهم، بل تجد أن معظمهم  يكتفون  بالصمت، أو ببعض المناشدات الخجولة للحكومة التي لا تأبه لهم، ولا تفعل شيء أكثر من نشر  بعض  البيانات المكتوبة وبدون حتى الاكتراث حتى بقرائتها وبثها في أحدى القنوات أو حتى بتوقيعها أو كتابة أسم المسؤول عنها.

وهذا الوضع  بالتأكيد له أسبابه، وبمعرفتنا للأسباب وتسليطنا الضوء عليها، ودراستها وفهمها، سنتمكن من إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة، وهي مشكلة السلبية واللامبالاة، التي هي نتاج وعامل أساسي في نفس الوقت، في المشكلة الاكبر ألا وهي الصراعات القبلية المسلحة بين أبناء الجنوب أنفسهم، والتي يكتفي أهل الخير، قدر جهدهم بتهدئتها، ذلك بإرسال وفود المصالحة القبلية والجهوية، والتي لا تحل المشكلة من أساسها، بل إنها  فقط تقوم بتسكينها وتؤخر إشتعالها  لبعض الوقت، لتعود أقوى و أشد خطراً من ذي قبل.

تعود جذور مشكلة الجنوب إلى أسباب تاريخية، بدأت منتصف القرن الماضي، وبالتحديد بعد إعلان إستقلال الدولة الليبية سنة 1951، حيث عاد معظم الليبيون المهاجرون إلى بلادهم، والذين غادروها غصباً عنهم، بسبب جبروت و طغيان الاستعمار الايطالي البغيظ ، وقد حدث ذلك في كافة ربوع ليبيا وليس الجنوب وحده، ولكن الجنوب كانت له خصوصية تميزه عن غيره. كانت سبها في ذلك الوقت مجردثلاث واحات صغيرة  تبعد بينها  كيلومترات قليلة، هي الجديد والقرضه وحجاره، والتي هي اليوم أحياء سكنية في سبها  اليوم.

تركز معظم العائدون من المهجر  وهم ليبيون أصليون، ما في ذلك شك، في منطقة المنشية، الواقعة بين منطقتي الجديد والقرضه، والتي سميت في ذلك الوقت البناية الحمراء، وسكنوها، وكانوا في معظمهم من قبائل إولاد سليمان والقذاذفه وقبائل أخرى كانت حليفتهم ورفيقتهم في رحلتي الهجرة إلى تشاد ومصر  والعودة منهما.

هاتين القبيلتين بالذات، تربطهما علاقات وتحالفات قديمة جداً تعود لمئات السنين، وقد إختلطت دمائهم سواء بالتجاور والمصاهرة أو في ميادين الشرف ضد الإستعمار الايطالي البغيظ، وقد كانوا ينعتون بعضهم ومن حالفهم من قبائل وسط ليبيا، بإسم  الصف الفوقي أو أمة محمد، دليلا على كثرتهم و قوتهم و تمسكهم بدينهم الاسلامي الحنيف.

(يضم تحالف الصف الفوقي قبائل عديدة أخرى كان لها دور هام أيضاً في مرحلة الجهاد، لكن لا يسعني ذكرها في هذا المقال)… كانت الزعامة لهذا التحالف تعود لأفراد عائلة من قبيلة أولاد سليمان وهي عائلة سيف النصر، والذين حازوا علي ذلك ليس فقط بسبب شجاعتهم أو كثرة عدد أفراد قبيلتهم، وإنما أيضاً، بسبب حكمتهم  ورويتهم ومعرفتهم بطبائع الناس، و حسن إدارتهم لأمورهم.

وقد إستمر ذلك حتى تغير الاوضاع في البلاد بعد تولي العقيد معمر القذافي سدة الحكم في  البلاد، في الاول من سبتمبر سنة  1969، حيث إزدادت تبعاً لذلك قوة  قبيلة القذاذفه بحُكم قربها من سدة الحكم في ليبيا.

ومع مرور الزمن تغيرت خريطة التحالفات في المنطقة بصفة عامة ودخلت في مرحلة جديدة وهي الولاء للنظام  ولزعيم البلاد الجديد ولم تعد كما كانت من ذي قبل حكراً على القبيلتين التي ذكرتهما من قبل، ومن حالفهم، فخلال ما يزيد عن أربعين سنة تغيرت الخارطة السكانية للمنطقة بالكامل، فمن ناحية لم يعد التحالف القديم قوياً كما كان سابقاً، بسبب التغيرات السكانية والاقتصادية، ولم تعد مكوناته هي الغالبة في المنطقة، (وإن إستمر لهم دورهم المؤثر فيها)، ومن ناحية أخرى سعى زعيم البلاد لتثبيت حكمه للبلاد وذلك بتوسيع قاعدة المشاركة فيه بإشراك كل من آمن بمبادئه و ناصره مهما كانت قبيلته أو عرقه أو أصله، مع ترك مسافة واسعة تفصل بينه وبين الجميع، وهذا ما ساعد في إستمرار حكمه لعشرات السنين.

مع سقوط نظام الحكم في ليبيا سنة 2011، سعى من تزعم المشهد من الجيل الجديد من القبيلتين، إلى محاولة العودة بالزمن إلى الوراء وتولي زمام الامور بالقوة، مما لم يوافقه فيه الاخرين بصفة عامة، حتي من العقلاء من أهلهم  المدركين لخطورة الامر، فحدثت المناوشات وكثرت الاتهامات، وحمل كل طرف السلاح وتقاتلوا، وسالت الدماء بين أخوة الامس و أبناء الصف الواحد، وأنشق الصف، وإختلطت الامور.

وأصبح الحال علي مانراه عليه اليوم، فهذا متألم مما حدث له  ويرى أن ألآخر قد غدر به، وهذا متمسك برأيه يرى أنه أحق بالزعامة كما كانت عنده من ذي قبل، هذامتفرج وشامت،  والاخر بعد أن خسر حليفه القديم، أصبح  يتلقى الصفعات، الواحدة تلو الاخرى وهو يحاول عبثاً صنع تحالفات جديدة مع آخرين، تتسم في غالبها بطابع الضعف والهشاشة، وإنعكس ذلكالامر على سكان الجنوب بصفة عامة، إذ أن لكل من القبيلتين أحلافهما وأعدائهما، اّلذين أصبحوا طرفاً في هذه العداوة بشكل أو بآخر، ونتج عن ذلك إنقسام المجتمع، ليس في مدينة سبها فقط، بل في كل الجنوب بصفة عامة، وكثرت السلبية واللامبالاة وسط الناس، وأصبحت الأمور تزداد سوء يوم بعد يوم، إلى أن  وصلت  إلى ما وصلت إليه.

مهما  حدثت من محاولات للتصالح هنا وهناك في جنوب ليبيا، فهي مجرد مسكنات، وحلول وقتية لن يطول عمرها، فمالم يتم حدوث مصالحة حقيقية ورأب للصدع بين  بين قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفه، يُرد فيه الاعتبار لمن أُهين، وتجبر فيه الخواطر، ويعترف المخطيء بخطئه، ويتم التعويض العادل لمن تضرر من الطرفين، فإن الامور سوف لن تستقيم، ولن تقوم لا لهما ولا للجنوب برمته قائمة.

ليس هناك خيار آخر لهما سوى التصالح، مهما حاول الطرفين التملص من ذلك، وأن الجنوب كما ليبيا، يسع الجميع، وعلى شيوخ وعقلاء و أبناء هاتين القبيلتين العريقتين، أن يعلموا بأن ألاوضاع قد تغيرت وأن الزمن قد تبدَّل، فلا عودة للوراء، لا لزمن الولاة والولايات ولا  لزمن الجماهير وعصرها وقائدها، وأنه لابد من تصالحهما، ووجب عليهما أن يقدما التنازلات لبعضهم البعض، وهي بالتأكيد ستكون مؤلمة، وأن يتحملوا ما خسروه،  قبل أن يخسروا كل شيء، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة، فإن لم يفعلوا، فلن  يطول الأمر حتى تحكمهم جميعاً، إما الجموع الغازية من المهاجرين غير الشرعيين، أو التنظيمات الارهابية المسلحة، التي تتحين الفرصة للإنقضاض عليهم، حين ذاك سوف لن يجدي تصالحهم من عدمه نفعاً، لأنهم سيكونون وسكان الجنوب الليبيون جميعاً  في خبر كان.

أما عن  الحكومتين الموقرتين  (الإنقاذ و المؤقتة) واللتين لا تساهمان في حل المشكلة بقدر زيادتها، فعليهما على الاقل التوقف عن فعل  الدسائس، وتوتير الاجواء ومحاولة تغليب أي من أطراف نزاعات الجنوب بصفة عامة على الاخر، فإن ذلك لن يجدي نفعاً، وأن الجميع في النهاية خاسرين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً