الأمة الإسلامية و فصل جديد من استيراد الأمراض الثقافية

الأمة الإسلامية و فصل جديد من استيراد الأمراض الثقافية

محمد سنوسي

باحث أكاديمي جزائري في جامعة معسكر مهتم بالشؤون السياسية و القضايا الدولية.

 السيلفي محل نقاش

“تركنا همّنا وعدنا  نجري وراء الصور…”

“في عملية لإحصاء الظواهر الغير صحية التي تهدد المجتمع العربي و الإسلامي , وجدنا إنها لا تعد و لا تحصى و أن الدول العربية بصفة العموم أضحت متمسكة بوظيفة الاستيراد لثقافة و سلوك العالم الغربي , دون مبالين أن هذه السلوكيات قد تتحول يوما إلى أمراض, و قد نجد الغرب في حد ذاته يتجنبها و يبحث عن حلول بديلة ليحمي شعبه و مواطنيه من شرّها…”

في ظل التسارع ألمعلوماتي و التكنولوجي الذي يعيشه العالم المعاصر, نشهد ظهور منتجات الكترونية كان الغرض منها تفعيل التواصل بين الأفراد و حتى المجتمعات والتجمعات البشرية, قصد بلوغ التفاعل البشري و الاجتماعي, و كذلك ظهور برامج و تطبيقات تساهم في تسهيل و تبسيط الممارسات اليومية, و حتى من الجانب العملي و المهني , فنجد المواقع الالكترونية و نجد وسائل التواصل الاجتماعي من فايسبوك و تويتر و انستغرام , و لا ينكر أي منّا مدى التفاعل الكبير بين الجماهير العربية مع وسائل التواصل الاجتماعي ,و كذلك نرى مدى التجاوب الشبابي مع تطبيقات هذه الوسائل و مدى استفادة شريحة كبيرة من شرائح المجتمع العربي و حتى الغربي من هذه الوسائل و التكنولوجيات في هذا العالم ,و هذا وفق ما تتطلبه الحياة المعاصرة , لكنّ كذلك لا احد ينكر مدى المساوئ التي ألحقها هذا التطور على المجتمعات العربية , من انحلال أخلاقي و انحراف شاب المجتمع الإسلامي, و استيراده لقيم غربية أضحت الأصل و الحضارة و قابلتها قيمنا و تقاليدنا ماركة مسجلة للجهل و التعقيد حسب شريحة مسّها مرض العولمة.

من عادتي أنّي لا أخوض في الظواهر الاجتماعية لأنها ترتبط بالإنسان ,الذي بدوره متقلّب المزاج و متغيّر السلوك, فلن أكون أهلا لتقييم حال الإنسان في مجتمع سمته التغيير و التنوّع البشري , لكنّ لم أستطع المقاومة أمام تفاقم أزمة اضمحلال الهوية الثقافية و موت جذور العزّة في النفوس العربية , أرى في شباب تعاقب على سلوك يقيّد من الفكر و يربك الذات و يجعلهم مرضى نفسيين , ظاهرة السيلفي أو ما يعبّر عليه لغة بالتقاط الصور ذاتيا , ظاهرة اكتسحت العالم الاجتماعي المفترض و ذلك بغزو ألاف الصور اليومية التي تعكس مراحل متعددة من الحياة اليومية للأفراد في اليوم الواحد و بأشكال مختلفة.

سيلفي و وقت الصلاة , سيلفي أمام الكعبة المشرفة , سيلفي مع رهائن , سيلفي مع معتقلين من داعش , حتى أوقات النوم لم تسلم من هذه الظاهرة المرضية التي عصفت بحرمة الحياة الخصوصية و حرمة الشعائر الدينية و سترة أعمالنا و تصرفاتنا , هذا مع إقرار أطباء نفسيين أن هذه الظاهرة دخلت إطار النفسي بشكل رسمي و أن التقاط أكثر من 3 صور سيلفي في اليوم هو بداية أعراض المرض , هذا و نلاحظ تمسّك الشباب العربي و الإسلامي بتقاليد الغرب أكثر من تقاليدنا  كما ذكرنا التي تبدو لهم رموز للتخلّف و التعقّد حسب رأيهم و أن مواكبة العولمة و عصرنه القيم و غربنتها هي متطلب من متطلبات العالم المعاصر ,فهل التقاط الصور بشكل ذاتي و بصورة مفرطة هو نوع من أنواع التقدّم البشري و التطوير المعرفي؟

على الشباب العربي أن يتأكد أن مواقع الواصل الاجتماعي, هي مواقع صحيح أنها للترفيه بالدرجة الأولى و التواصل البشري, لكن إن كان استخدامها علميا و عمليا كان له من السلاسة و السهولة في الحياة العملية,و هذا جانب إيجابي لكن في حدود المعقول , لكن ما نراه أن هذه المواقع تحولت إلى مواطن الهاء و بعث تصرفات و سلوكيات خارجة عن النطاق الأخلاقي هذا من جهة , و من جهة أخرى أنها أضحت سوقا مفتوحا للمعلومات و الصور الشخصية, و كذا مصدر لقتل العمر البشري, و ذلك عن طريق الإدمان المفرط ,و الاستعمال الجانبي و الهامشي لهذه الوسائل التكنولوجية , فاستعمال الهواتف الذكية لالتقاط عشرات الصور اليومية فقط لتناقلها بين صفحات المواقع الاجتماعية هي فعلا ظاهرة علينا دراستها , و دراسة انعكاساتها السلبية على نفسية الأفراد و كذا المجتمعات بصفة عامة , خاصة أن احتسبنا أنّ الزمن الذي يمضيه شباب الأمة هو بمعدل 65 إلى 70 بالمئة على صفحات التواصل الاجتماعي ,و أن أكثر من60 بالمائة من شباب الأمة يمضون الأيام في التقاط صور السيلفي , إذا فعلا نحن أمام معضلة و مشكل ثقافي و اجتماعي , له أبعاد هامة في العمق الثقافي العربي و الإسلامي, و هذا حسب رأيي …

لذا أعتبر مقالي هذا هو رسالة مفتوحة لكلّ شباب الأمة الإسلامية قاطبة و إلى شباب الجزائر بالخصوص و دعوة بعدم الإفراط في تبني هذه السلوكيات المرضية التي تأتي على قيم و عادات و مرتكزات الهوية الثقافية للإنسان و تعمل على تدمير الموروث الحضاري و الثقافي للعرب و المسلمين بشكل عام . لهذا لازلت أتمسّك بطرحي و فلسفتي الخاصة انه ليس لحالنا دواء إلا ثورة فكرية شاملة جديّة يصنعها الشباب الإسلامي و العربي للارتقاء بالكيان الثقافي و تنمية مرد ودية المثقف العربي لمواجهة أمراض و فيروسات المجتمع الغربي….. و إما سلام عليك يا أمةّ الإسلام.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

محمد سنوسي

باحث أكاديمي جزائري في جامعة معسكر مهتم بالشؤون السياسية و القضايا الدولية.

اترك تعليقاً