حرب 2011 في ليبيا، تمرين ميداني للنيتو! وللعالم درس مستفاد!

حرب 2011 في ليبيا، تمرين ميداني للنيتو! وللعالم درس مستفاد!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

كل الاحداث التي تمر بالدول والشعوب حسنها وسيئها تدوّن في التاريخ لتكون دروسا مستفادة، وما حدث في ليبيا عام 2011 من انتفاضة شعبية استغلتها اطراف خارجية وانتهزنها اطراف داخلية متربّصة كان درسا من دروس التاريخ التي ستبقى في ذاكرة العالم بأسره.

الملفت للنظر في احداث فبراير وما نتج عنها، هو تداخل المواقف الدولية والإقليمية الذي ادى بدوره الى انقسامات خطيرة على المستوى المحلي، ما جعل الليبيون ينقسمون عن انفسهم يمنة ويسرى ويستمرون بالتالي في تأكيد تلك الحالة وتغذيتها عبر معارك خاسرة فقدت وتفقد فيها ليبيا الكثير من ابنائها، مرد ذلك ولا شك حالة اللاوعي الوطني التي سيطرت وتسيطر على الكثير من عامة الليبيين والتي تجعلهم لقمة سائغة في ايد المتربصين بهم داخليا وخارجيا. تلك الحالة التي تسيطر على غالبية الليبيين وتجعلهم لا يقوون على التفكير السليم حيث تضعف لديهم خصلة التأني والتأمل ما يجعلهم يفكرون بعواطفهم بدلا من عقولهم، ويتفاعلون مع الاحداث من زاوية ردة الفعل العاطفية المتسرعة التي تفتقد الموضوعية والتفكير، وهذا ما يجعلهم اسيري العاطفة المغلّفة بحالة من العناد الفطري التي يصعب الفكاك منها فيما بعد.

لقد تدخل النيتو بحجة حماية الليبيين المدنيين من ردود افعال نظام القذافي واستعماله القوة ضد المتظاهرين، على امل اسقاط النظام وبناء نظام ديمقراطي جديد على انقاضه، لكن النتيجة كانت مخالفة تماما فقد انتهت ديكتاتورية سياسية لتحل محلها ديكتاتورية دينية متطرفة سلاحها التكفير والترهيب! وهنا انقسم الليبيون ففريق يناصر المتطرفين ويؤازرهم طمعا وخوفا وآخر يعاديهم طمعا وخوفا!، لتستمر عجلة الصراع تقتل وتشرد وتخرب ليبيا وشعبها في جو فوضوي لا تحكم فيه.

لقد استفاد حلف النيتو من تدخله في ليبيا استفادة عسكرية لا مثيل لها حيث اتيحت له فرصة اجراء مناورات وتدريب ميداني حي في سماء وارض وشواطئ ليبيا، مكّنته من اختبار وتجريب الكثير من اسلحته الجوية والبرية والبحرية على اهداف حقيقية لا وهمية مما اكسبه خبرة حقيقية في التعامل مع تلك الاسلحة وأهدافها وهو ما كان يستحيل تحقيقه من خلال مناورات تدريبية روتينية، اذا الفائدة كانت كبيرة وغير متوقعة للنيتو عسكريا واستراتيجيا سينتج عنها المزيد من التطوير والتخطيط في المجال العسكري بما يجعل حلف النيتو في موقف تنافسي متقدم امام منافسيه من القوى الدولية الاخرى.

العالم ايضا استفاد سياسيا وتعبويا من نتائج الدرس في الحرب الليبية وخاصة فيما يتعلق بأمر طلب التدخل الخارجي عسكريا لمناصرة طرف على آخر ولقد كانت اول الانعكاسات في الحالة السورية اذ قرر العالم عدم التدخل العسكري بناء على ما افرزته الحالة الليبية من فوضى وانفلات واستفادت الكثير من الدول في العالم والتي ربما كانت شعوبها تتوق الى التغيير تماهيا مع ما سمي بالربيع العربي!! ما جعل الكثير من الشعوب تعدل عن التفكير بالمنظور التصادمي وتتخيّرالبقاء تحت انظمة الحكم الحالية بمساوئها، عن التغيير بالصيغة الليبية الذي ثبت انه سيقود لما هو اسوأ!

الخاسر الوحيد في حرب ليبيا اذا هوالشعب الليبي وحده لا غيره، فالذين يقتلون يوميا من هذا الطرف او ذاك هم ابنائه، والتخريب والدمار الذي يصيب الممتلكات هو خراب ودمار لممتلكات الليبيين العامة والخاصة، الخسارة ايضا تتجلى في حالة الانقسام الذي اصاب النسيج الاجتماعي تمزيقا واهتراء، الخسارة ايضا في تدني المركز المالي للدولة وانهيار الاقتصاد الذي يفضي الى كارثة الافلاس والدين والتبعية، الخسارة في تشكّل ثقافة الفوضى التي تزيد من مشاعر الكره والانتقام بين الليبيين وتؤجج الصراعات!

بعد هذا هل يفيق الليبيون ويدركون انهم الخاسر الوحيد؟! هل من فواق ام على قلوب اقفالها!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً