الصراع في ليبيا، وسيناريوهات من وحي الواقع!

الصراع في ليبيا، وسيناريوهات من وحي الواقع!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لا يخفى على متتبع الشأن الليبي منذ 2011 مآلات الواقع الليبي المضطرب ، الذي يعيش حالة من الاحتراب السياسي والعسكري والاجتماعي .. وبنظرة من رحم الاحداث يمكن القول ان الوضع الليبي يحتوي الآن على ثلاثة انواع رئيسة للصراع : 1- صراع سياسي بين مؤيدي فبراير ومناصري النظام السابق ، 2- صراع اجتماعي بين قبائل ومدن ، 3- صراع ديني سياسي بين تيارات دينية وأخرى وطنية. هذا هو التشريح الواقعي لكينونة الصراع القائم في ليبيا ما بعد سقوط نظام القذافي ، وان أطراف هذا الصراع تكاد تكون تمتلك نفس مصادر القوة من السلاح باعتبار ان تسليحها النوعي يرجع لمصدر واحد وهو ما احتوته الترسانة العسكرية الليبية خلال عهد القذافي ، لذلك امكانية تغلب طرف على آخر تبدو بعيدة المنال في الوقت الحاضر! ، ما يعني اطالة  مدة الصراع في ليبيا! .

ان الصراع الظاهر الان على السطح والذي يمثل قطبي ما يسمى بالكرامة وفجر ليبيا ، ما هو في الواقع الا صراع مرحلي مؤقت ، ذلك ان الاطراف المكونة لكل قطب لا يحملون عقيدة واحدة وبالتالي فان اهدافهم مختلفة الا انهم التقوا مرحليا لاعتبارات المصلحة المشتركة التي فرضها الواقع بغية اثبات الوجود امام الطرف الآخر ، ولهذا يبدو ظاهريا اختفاء حسابات الرؤية والتوجه السياسي او العقائدي ، ونجد مثلا ان قطب الكرامة يجمع تحته من لهم ولاءات قبلية وجهوية وسياسية وحتى دينية!  في حين يجمع قطب الفجر اصحاب الولاءات الدينية والسياسية والجهوية ايضا! . هذا يعني ان الصراع بين هذين القطبين ليس صراعا جوهريا كونه لا ينتمي الى اي من انواع الصراعات الثلاثة التي ذكرت اعلاه ، فهو عبارة عن مزيج مركب صنعته متطلبات مرحلية في شكل تحالفات وقتية هشة تستغل فيها الفرص ، الامر الذي يجعل من امكانية انفراط عقدها شيئا حتميا. ونستطيع القول ان ثنائية الصراع المؤقتة هذه تتفاعل على الارض الليبية الان وهي غير ثابتة الاتجاهات اذ تتشكل اتجاهاتها حسب ما تمليه مصلحة كل طرف وان اصطفافها في الواقع رهين بما تؤول اليه مجريات الامور على الارض.

من خلال ما تقدم يمكن القول ان احتمالات مشهد الصراع الليبي بعين الواقع ستتكشف على ما يلي:

بالنسبة لقطب ما يسمى بالكرامة ، اذا ما حسمت المعركة في بنغازي لصالحه ، وبمجرد اعلان ذلك سيتصدع هذا القطب وستنشأ عنه انشقاقات تخضع بالطبع للاصطفاف القبلي والجهوي في المنطقة الشرقية (المكون الاصل)، سيعلن كل طرف عن حقيقة توجهه وهدفه ، ولعل من ابرز ذلك انصار التيار الفيدرالي الذي سينتج عنه ولا شك اصطفاف قبلي مما قد يهدد اللحمة الوطنية المتماسكة في الشرق الليبي!  لو يحدث ذلك سينتج صراع بين طرفين وهما انصار حفتر وأنصار الفيدرالية!  وهنا سيكون عسيرا على حفتر الاستمرار في مقارعة خصمه اذ سيكون للقبلية والجهوية بصماتها الواضحة بما قد يرجح كفة الفيدراليين ما سيدفع بحفتر الى البحث عن حلفاء جدد والذين حتما سيكونون من المنطقة الغربية والجنوبية ! قد يكون ممكنا حينئذ لحفتر  المناورة وتقديم بعض التنازلات وخاصة لمصراتة التي تعتبر ميليشياتها الاكثر قوة وتأثيرا في المنطقة الغربية وما يسمى بعملية الفجر . وقد تختلط الاوراق وتلعب الزنتان نفسها هذا الدور مع مصراتة وغيرها ممن يدعمون حاليا عملية الفجر لمحاولة تحييد اكبر قدر ممكن من الاطراف وعزل الاخوان ومن يساندونهم من الجماعات الاسلامية.  واذا ما تم ذلك التفاهم مع مصراتة وهو ما يبدو قريبا من الواقع فان فعل التفكيك لمجموعة الفجر يكون قد تم فعلا لتنحصر المعركة فيما بعد بين ذوي التيار الاسلامي السياسي والتيار الوطني!

اما بالنسبة لقطب ما يسمى الفجر وفي ظل الانقسامات التي حدثت فيه فان الامر سيزداد تعقيدا ولذلك سيحاول الدفاع عن ما تبقى له من معاقل في بعض المدن باستماتة مما يفاقم من حدة الازمة الليبية ، وخاصة بعد التحول الكبير في موقف بعض مكونات مصراتة والتي تعتبر ركيزة ومحور الاصطفاف المكون لقطب الفجر اساسا! ، ناهيك عن جملة التفاهمات والمصالحات التي شملت كل مدن ومناطق المنطقة الغربية والتي كانت تشكل قواعد دعم ومناصرة لقطب الفجر.

ان خطر الارهاب من قبل ما يسمى بالدولة الاسلامية سيكون العامل المشترك الوحيد الذي سيجمع اغلب الليبيين ويجعلهم يلتفون حول محاربته وخاصة تحت تأثير الضغوط الدولية التي تزداد كل يوم على الليبيين في هذا الشأن وحين يحدث ذلك سيكون بمثابة تغير مفاجيء كبير يخلط الاوراق ويفصح عن مآلات جديدة غير متوقعة للأمور! لكنها حتما ستصب في تسريع وتيرة عودة الاستقرار الى ليبيا وقطع الطريق عن محاولات تقسيم البلد تحت اي ظرف او مسمى! وسيفرض الصراع الديني السياسي نفسه على الساحة لتتراجع  الصراعات الاخرى الاجتماعية  “القبلية”  والسياسية المتمثلة في مؤيدي فبراير وأنصار النظام السابق.

ان معركة الليبيين القادمة من اجل الاستقرار وعودة هيبة الدولة ستتطلب مزيدا من التضحيات والصبر ومن وجهة نظري ، ليس هناك بد من  التدخل الاجنبي لحسم الصراع في ليبيا وذلك لاعتبارات كثيرة لعل ابرزها تغلغل الجماعات المسلحة الاسلامية في كل المدن الليبية ما يعني وجود مناصرين لها في كل مكان وهو ما يخشاه العالم ولا يسمح به ، كما ان عودة الاستقرار في ليبيا مرهون بمسألة جمع السلاح والسيطرة عليه ، وهذه المهمة ليس ممكنا تحقيقها محليا الان ، وهو ما يتطلب التدخل الخارجي ولو في شكل مساندة جزئية ميدانية على الارض ، فالليبيين وحدهم وان اجتمعوا على محاربة المتطرفين ، لكنهم  لن يتوافقوا على  قوة ليبية محلية مهما كانت ويثقون فيها ويسلمون اسلحتهم! ، هذا ما يقود الى انه لحل للازمة الليبية لامناص من تدخل عسكري دولي محدود ، تكون مهمته المساعدة في ضرب المتطرفين والقضاء عليهم ، ومن ثم جمع السلاح الثقيل والمتوسط من كل الميليشيات المسلحة دون استثناء ، من خلال برنامج زمني مدروس يتضمن تسليم الاسلحة طوعا او كرها ، ان صورة ذلك التدخل ستكون على الارجح قوة عربية افريقية ومن دول الجوار (مصر والجزائر وتشاد والنيجر).

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً