لعبة العسكر والإخوان

لعبة العسكر والإخوان

هنا والآن، لا مجال بأن تفكر بشكل مختلف. أو أن ترفض كل ما يتم تعلـيبه وتسويقه عبر وسائل الاعلام. فإما أن تكون مؤيداً للعسكر للقضاء على الإسلاميين، أو أن تتحالف مع الإسلاميين للقضاء على الجيش. انها لعبة العسكر والاخوان، والتي صنعت في مصر وتم تصديرها لبلدان ما يسمى بالربيع العربي، وقد وجدوا فيها فكرة مثالية للتلاعب بالرأي العام وتضليله. وحصر الجموع ضمن هذه الثنائية الضيقة فإما مع أو ضد أحد هذين الفصيلين الذين لا ثالث لهما.

لعبة العـسكر والإخوان نجحت في اختزال كل مصر في هذه الثنائية، وقد تلاشى كل صوت مغاير، لتقع مصر في أسر حرب “سيزيفية” لا معنى ولا نهاية لها. أما ليبيا التي اعتاد قادتها “قص ولصق” كل ما يحدث في مصر، واقتفاء أثر ساستها منذ بدايات الملك ادريس السنوسي الذي أسس جيشه في مصر، مرورا بحركة الضباط الوحدويين الأحرار، وحتى احداث الربيع العربي التي بدأت في تونس ولم يلتفت الليبيون لها حتى اشتعلت في مصر، وصولاً إلى تغوّل تنظيم الاخوان وسيطرتهم على مقاليد الحكم في مصر، “فتأخوّن” عدد من الليبيين ليلحقوا بركب مصر، وعندما سقط الاخوان، وظهر السيسي لم يتردد الليبيين في خلق “سيسيهم” في نسخته الليبية، وجمعوا حوله جموع البسطاء وهتفوا له وفوضوه لقهر من ادعوا انهم إخوان ليبيا.

ومرة أخرى، الامارات وقطر والسعودية ورفيقهم الحالم العثماني في تركيا، تستهويهم لعبة الحرب والخراب، ليصبحوا طرفاً في لعبة العسكر والإخوان، التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولكنهم كعادتهم، لا ينتظرون مبررا لحشر انوفهم بقدر ما تحركهم غريزة التخريب، وصناعة الموت، والفوضى في بلدان ما سموه بـ “الربيع العربي”. ولم يتأثر الخليج بحربهم جنباً إلى جنب ضد اليمن، على حربهم ضد بعضهم في ليبيا -لا ضير طالما هنالك بيادق بشرية مستعدة للموت من اجلهما- واستمر تدفق السلاح الخليجي للأطراف المتناحرة، وكذلك حملاتهم الاعلامية المكثفة للتحشيد والتحريض وشيطنة كل طرف للآخر.

وكانت جماعة الاخوان الليبية الأسرع في الإعلان عن تنظيمها في ليبيا. ليس لأنهم الأكثر تنظيماً أو الأكثر خبرة والأكثر ولاءاً لقادتها كما يشاع. وانما في الحقيقة هم الجماعة الأكثر كسلاً والأقل تعباً في تكوين حزبها. فلإعلان عن وجودهم لم يتطلب إلا عدد من الطفيلين اللاهثين نحو السلطة وقد اختاروا أقصر الطرق فبايعوا تنظيماً عالمياً جاهزاً منذ عقود. وليس غريباً أنهم نفس الأشخاص الذين أطلقوا مشروع توريث سيف الاسلام وقد راهنوا عليه وبايعوه وريثاً للعرش، وعندما سقط سيف الاسلام انفضوا من حوله ووجدوا في جماعة الاخوان الأكثر قرباً للسلطة والمال والنفود. واستغلوا فزاعة “حكم العسكر” التي تروجها الجزيرة واستقطبوا الشباب المسلحين والخارجين عن القانون وشكلوا بهم ترسانة عسكرية تحميهم وتنفذ مشروعهم. وخاضوا بهم حرب فجر ليبيا التي مكنتهم من اعلان حكومتهم الانفصالية في الغرب الليبي.

أما طرف اللعبة الآخر في ليبيا فهم “العسكر” الذين لم يكن ينقصهم شيء إلا “العسكر”، ولكن، المهم، انهم وجدوا نسختهم الليبية من “السيسي”، ليصبح ذلك الجنرال، المتقاعد رغم انفه، قائدا لمعركة الكرامة لتطهير البلاد من جماعة الاخوان المزعومة. وليصبح لديه جيش من عدم وجد ضالته أيضاً فيما تبقى من مليشيات وعصابات قبلية مسلحة في شرق البلاد وغربها سارعت معه للعب دور العسكر، ولم يتطلب الأمر إلا زياً عسكريا رسمياً وبعض الرتب المجانية، وناطقاً عسكرياً لا يعرف الصمت ولا الصدق، ودائماً نصره المؤزر قادم “قاب قوسين أو أدنى” منذ أكثر من عام ونصف.

لعبة الحرب بين الإخوان والعسكر طُعم ابتلعه الليبيون. وخصوصاً المليشيات الليبية الذين تحولوا إلى مجرد مرتزقة وبيادق في حرب بالوكالة لا تعنيهم في شيء. فلا “الكرامة” هي حرب ضد الاخوان، ولا “فجر ليبيا” هي ضد العسكر، وانما هي حرب من أجل الحرب. ومن أجل استمرار مسلسل الخراب ونهب البلاد في الداخل والخارج. خمس سنوات والليبيون يقتلون بعضهم بعضا، ولا تتبدل إلا شعارات كل حرب، ويتغير الحلفاء وتنقلب المليشيات بعضها على بعض وفي كل حرب تساق الحشود البشرية القبلية كالماعز والخراف لتمتلئ بهم الميادين والساحات مؤيدين وهاتفين دعماً للقتل والتخريب.

سنوات تمضي، ولا تضع حربا اوزارها في ليبيا حتى تشتعل أخرى، وكل ذلك حتى لا تجد هذه البلاد واهلها فرصة لالتقاط الانفاس، أو لإصلاح بعض ما يفسده أمراء الحرب الليبيين من كل الاطراف. وهذا يلعن قطر والامارات وذاك يلعن السعودية وتركيا ومصر، وينسى الجميع ابناءهم بيادق هذه الحروب ووقودها.

لا يمكن أن تلوم الامارات لأنها تحارب قطر في ليبيا، ولا أن تلوم تركيا لأنها تحارب مصر في ليبيا ولا السودان أو الجزائر وتونس لأنهم جعلوا من ليبيا مكباً للإرهابيين من مواطنيهم ثم حفروا الخنادق وحصنوا حدودهم خوفاً من عودة أولئك المجرمين من أبنائهم لوطنهم. فإن الذي يجعل من بيته وكراً للدعارة لا يمكنه لوم طوابير الغرباء في غرفة نومه. والذي يستعين بأجنبي لقتل أهله لا يستغرب أن يشاركه ذلك الأجنبي سرير نومه، فقد دفع الثمن. إن من يدمر ويخرب ليبيا، في الحقيقة، هم أبناءها ممن تصدروا المشهد طيلة هذه السنوات العجاف، وهم من تحوّلت لديهم الاستعانة بالأجنبي ضد أبناء وطنهم إلى مرض لا شفاء منه.

فإما ان ينبذ الليبيين هذين الفصيلين ويترفعوا عن الاصطفافات القبلية والجهوية والأيديولوجية التي يكرسها كلاهما أو أن يستمر هذا البلد وكراً للدعارة السياسية، ومستنقعاً للموت والخراب..!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

  • البيضة اولاً ام الدجاجة

    نقراء ونسمع كل يوم مثل هذا الكلام ليس بجديد ولكن نسأل لماذا حشر دائما قطر وتركيا في الموضع برغم لايوجد دليل على تورطهم في ليبيا بعكس مصر والامارات كل مانعرفة هو تركيا وقطر موقعة عقود كبير (المليارات ) مع النظام السابق وتريد الاستقرار باي ثمن لكي تعود لاستثمراتها في ليبيا اما مصر والامارات ماذا توريد عندما تهاجم بطائراتها في العمق الليبي ….؟

  • رقيب

    كل يوم نقراء ونسمع مثل هذه المواضيع ولكن نود معرفة لماذا حشر دولة قطر وتركيا في الموضع برغم لايوجد دليل على طورتهم في الشأن الليبي بعكس مصر والامارات ، قطر وتركيا موقعة على عقود كبيرة جداً في مشاريع استثمارية في ليبيا مع النظام السابق لهذا هي تريد الاستقرار باي ثمن للعودة بعكس مصر وقطر تدخلة حتى وصل الامر بالضرب بالطائرات في العمق الليبي ……؟

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً