غيمة تحجب الوميض

غيمة تحجب الوميض

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

ما من شك في أن الخطوة الانفرادية التي أقدم عليها رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ستربك المشهد المرتبك في الأصل بسبب تعثر خطوات تشكيل الحكومة.

وبالنظر إلى طبيعتها المفاجئة، وشح المعلومات عن ظروفها، فإن تفسيرها سيكون من الصعوبة بمكان.

إلا أن ذلك لا يمنع من محاولة فحص بعض دلالاتها، قبل التوقف عند تداعياتها المباشرة، وغير المباشرة.

1. يصعب الجزم بأسباب واضحة، ومباشرة، للزيارة، ومع ذلك يمكن الحديث عن بعض النقاط البارزة:

– ليس سرا أن السراج قدم إلى المرج من مصر، التي ذهب إليها قبل ثلاثة أيام، وأن هناك إشاعات خرجت قبل إعلان الزيارة عن لقاء جمعه بحفتر في القاهرة، وعبر وساطة مصرية، وهو ما نفاه السراج في لقائه بأعضاء المجلس الرئاسي.

– تعليق كوبلر على الزيارة اتسم بالدبلوماسية، فقال إن “الجلوس إلى بعضنا والحديث معه لا يعد خرقا للاتفاق”، إذا أضيف إليه صعوبة تصور أن يقرر السراج لقاء حفتر من دون علم كوبلر، أو بعض الأطراف الدولية، فإنه يمكن أن يعد مؤشرا على أن الزيارة جاءت بعلم، وربما بإرادة أكثر من طرف.

– وجود المجبري المحسوب على إبراهيم جضران في اللقاء، مؤشر آخر، لا يمكن إهماله، عند الحديث عن الأسباب؛ فمن الصعب حدوث تقارب بين الجضران، وحفتر دون تدخل طرف ثالث، وما من شك في أن الإمارات منزعجة من تقارب جضران مع معسكر فجر ليبيا.

– لا يمكن إهمال خطاب رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بوسهمين، ورفعه السقف في مواجهة حكومة الوفاق، مع أنه يصعب أن يكون اللقاء رد فعل على هذا الخطاب، فإنه لا يستبعد أن تكون بعض القوى أرادت توجيه رسالة إلى بوسهمين، وأخرى إلى داعمي الاتفاق السياسي في الغرب، إن لم تكن طرابلس، فطبرق ستكون البديل.

يتوقف تقدير دلالة الزيارة بالنسبة لموقع السراج على مدى استقلالية قراره بشأن الزيارة، أو على الأصح حجم تأثيره في القرار، وما دام من غير الممكن تقدير هذا الحضور فيمكن رصد بعض الدواعي الأساسية:

– أنه من الناحية الواقعية يصعب الحديث عن اختراق حقيقي في المنطقة الشرقية دون خليفة حفتر، الذي أثبتت الأحداث لحد الساعة أنه ما زال يمسك بأغلب الأوراق في المنطقة الشرقية، سواء كان ذلك بتدبيره، أو بتدبير قوى إقليمية ودولية تدعمه، وما البرعصي والوكواك والحجازي والغيثي ومحدودية تأثير القبائل أمام نفوذه، عنا ببعيد.

– يجد السراج نفسه من دون عمق كبير في المجلس الرئاسي الذي يضم إلى جانبه مجموعة من الشخصيات القوية أو التي تقف خلفها قوى ذات حضور على الأرض، شرقا وغربا، ومن الطبيعي أن يبحث عن تقوية مركزه داخل المجلس، فإذا أضفنا إلى هذه الزيارة بيانه الذي أثار الجدل بتماهيه مع موقف حفتر من أحداث بنغازي، تعزز لدينا احتمال بحث السراج عن مصدر قوة يعزز موقعه في الحكومة.

– ظهور برقة موحدة خلف حفتر ربما يكون أحد المؤشرات التي حاولت الصورة أمس إبرازها.

– الصورة أيضا أظهرت حفتر الرجل القوي الذي تأتيه الحكومة المدعومة دوليا إلى مكتبه، ومركز قيادته، وليس مجرد شخصية يتم اللقاء بها في مدينة طبرق أو البيضاء، أو عاصمة عربية أو عالمية.

– ربما أظهرت الصورة أيضا رئيس الحكومة في موضع مهزوز، يُجري لقاءات غير متشاور عليها، وتجري في الظلام، بعيدا عن أعين الصحافة.

– مما أظهرته الصورة أيضا غياب المهدي البرغثي المسمى لوزارة الدفاع في حكومة السراج، والذي لا يُخفي أنه لربما لديه خلافات مع حفتر، وهو ما يعزز هذا الخلاف. ينضاف إليه ما تسرب من أن حفتر طلب من كوبلر أن يسميه لوزارة الدفاع، وصرح في لقائه مع صحيفة اليوم السعودية، بأن المهدي البرغثي عسكري يجب عليه تنفيذ الأوامر الموجهة إليه من قيادته.

كما أن هناك تسريبات تقول بأنه حدد للسراج اسم وزير للدفاع واشترط أن يكون على رأس رئاسة الأركان.

– من رسائل الصورة ما بدأ في ترويجه بعض المعلقين المحسوبين على الكرامة، من مقارنة زيارة المرج مع زيارة زليتن، بأنه دخل المرج وخرج منها كما دخلها معززا مكرما، في حين أن أكبر المدن الداعمة للاتفاق في الغرب (مصراتة) لم تستطع تأمينه.

النتائج:

– لم يخض المراقبون في نوع النقاش الذي دار داخل اللقاء، ولم يتسرب شيء عما دار فيه، باستثناء ما ذكرت أعلاه، وما نشرته الصفحة التي تنسب إلى المكتب الإعلامي لرئاسة الحكومة، من أن النقاش دار بشأن السبل العملية لإنهاء القتال في بنغازي.

ولم يعرف شيء عن التعهدات التي قدمها السراج، أو التي قدمها حفتر، ولا على ما ذا اتفقا، وإن كان يصعب بالنظر إلى السياق وصيغة الإخراج، وصورة حفتر والسراج في اللقاء، إلا أن يكون السراج هو من قدم تعهدات لحفتر، وليس العكس. دون أن يكون هناك إمكان للجزم بشأن هذا.

التداعيات:

– أول المحرجين من الزيارة هي قوى الثورة التي رمت كل بيضها في سلة الاتفاق السياسي، وخاصمت بعض حلفائها السابقين على أساسه، وأعطت ثقتها للسراج؛ وسيكون حرجها مضاعفا؛ فمن جهة سيستخدمها أنصار بوسهمين، ومناوئوا الحوار في المنطقة الغربية، للتدليل على أن الاتفاق السياسي من أساسه كان خطأ. ومن جهة أخرى سيكون عليها أن تبرر لأنصارها ثقتها في المسار.

– ستصعب الزيارة من إعادة بناء الثقة بين أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وهي ثقة هشة أصلا.

– سيعرقل المضي في تنفيذ الاتفاق السياسي؛ خاصة خطوات تشكيل الحكومة، نهيك أن تؤدي عملها من طرابلس.

– سيهز ثقة الشارع في المجلس الذي لم يصمد حتى الآن في مواجهة أي موقف.

في الختام

أولى الخطوات التي يجب القيام بها هي الفصل التام بين السراج والاتفاق السياسي، والتركيز على أن الاتفاق ثابت، والأشخاص مهما كانت مواقعهم متغيرون، ولا يمكن أن تعود مواقفهم بالنقض على الاتفاق.

حال توضيح السراج للزيارة، يتحدد الحاجة إلى المطالبة بتغيير الأشخاص من عدمه، كما سيتضح مدى قوة الاتفاق السياسي وتماسكه، وحينما تكون الغيمة غيمة شتاء، حينها يمكن الرجوع إلى طرابلس وأداء صلاة الغائب على روح الإتفاق، ولا بأس من الجلوس في أحد المقاهي بطرابلس والإستمتاع بثقافة “البونتو” في إنتظار وميضاً أخراً، قد لا يلمع.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً