«الاستقرار» النقدي المفقود في ليبيا

«الاستقرار» النقدي المفقود في ليبيا

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

مجرد الاطلاع علي بيانات المصرف المركزي حول السياسات النقدية التي يقوم من خلال استخدام ادواتها بالحفاظ علي الاستقرار النقدي والمالي في البلاد واجتماعات لجنة السياسة النقدية ، تدرك مدي العجز الواقع فيه المصرف المركزي ، فتحول من صانع للسياسة النقدية الي مجرد مراقب ومطلع علي الاوضاع النقدية والمالية وخصوصا انه بصدور قانون تحريم التعامل بالفائدة المصرفية ، عام 2013 توقف دور المصرف المركزي في توجيه وضبط الاوضاع النقدية والائتمانية بالبلاد وخصوصا انه لم يتم استحداث اي ادوات بديلة لادارة السيولة وتحفيز الائتمان المصرفي ، فقد كانت شهادات الايداع وشهادات الاستثمار والودائع النقدية من قبل البنوك التجارية لدي البنك المركزي تدار من خلال معدل الفائدة والذي يحفز البنوك علي جمع السيولة وتوجيهها الي منح الائتمان والذي يعتمد عليه بشكل اساسي في النهوض بالمشروعات الاقتصادية المختلفة او الي الاستثمار في ودائع وشهادات لدي البنك المركزي وتحول دور لجنة السياسات النقدية الي مجرد الاطلاع علي تقارير عن الانفاق علي الميزانية العامة وبالاشارة في اخر اجتماع لها الي ان المشكلة النقدية في ليبيا هي تركم السيولة خارج الاطار المصرفي والتي تقدر بحوالي 18 مليار دينار ولم توصي حتي كيف يمكن معالجة ذلك، وتحول عمل البنك المركزي الي متابع للاوضاع النقدية والائتمانية بدلا من الحفاظ علي الاستقرار النقدي والمالي لفقدانه اهم هذه الادوات وهي معدل الفائدة علي الودائع وعلي شهادات الاستثمار وغيرها.

المتتبع لبيانات المصرف المركزي حول الائتمان المصرفي يلاحظ ان اجمالي الائتمان في ليبيا ضل تقريبا ثابتا عند مستوي 20 مليار دينار خلال عامي 2014 و2015 ، ويشكل منها السلف الشخصية والسحب علي المكشوف مبلغ 7.209 مليار دينار، والاقراض لغرض تمويل الانشطة الاقتصادية 11.698 مليار دينار ، وللقرض العقاري فقط 1.137مليار دينار ، وهذه البيانات جميعا لم تشهد اي تطور و مرده في تقديري الي حالة الشلل التي تعيشها الاقتصاد الليبي و المصارف الليبية والمصرف المركزي علي وجه الخصوص والذي تتقاذفه الصراعات بين مصرف بالبيضاء الذي لاحول له ولاقوة ولايمكنه فعل شي سوي اصدار البيانات ، واخر في طرابلس يملك مفاتيح العمل ولكنه مكبل بقانون عرقل عمله وايضا بفساد مستشري وضارب اطنابه في جميع اركان القطاع المصرفي الليبي و لكنه يتعامل باسلوب رد الفعل وليس التخطيط والتعامل مع المخاطر المحدقة بالعمل المصرفي وادارتها علي مستوي المصرف اولا، وما اصدار منشور الاعتمادات المستندية التي الزمت المصارف التجارية بقواعد واجراءات تتعارض مع اصول وبديهيات العمل المصرفي خير دليل علي حجم الفساد والاستهتار الذي تعيشه المصارف التجارية، فمن الواجب ان يلعب المصرف المركزي دوره كمراقب ومشرف علي سلامة النظام النقدي والمالي وليس التدخل الي درجة انه يقيد المصارف عن القيام بواجباتها وتتحول الي محقق او مفتش يجمع كم من الوثائق والمتطلبات لكي يفتح اعتماد، وهذا الدور الذي كان من المفروض ان تلعبه وزارة الاقتصاد ويكون سابق لعمليات فتح الاعتمادات المستندية ويبقي دور المصارف فقط دور فني ، فالمصرف دوره تقديم خدمة وليس التفتيش فهذا ليس له علاقة بدور المصارف التجارية او المصرف المركزي .
المشكلة ان المصرف المركزي لم يطور آليات بديلة للتعامل بالفائدة وان قامت بعض المصارف بتطبيق نظام المرابحة والذي حول المصارف الي سماسرة شراء وبيع سيارات ولم تقدم للقطاع المصرفي غيرها من الادوات كالصكوك الاسلامية او عقود المصانعة والمزارعة وعقود الوكالة، ولكنها من وجهة نظري اختزلت مشكلة كبيرة في واقع العمل المصرفي في ضل بحث المصارف التجارية عن سبيل لتحقيق عوائد علي عملياتها خصوصا في ضل تعطل الدور الرئيسي للمصارف وهو خلق الائتمان ، استمرار هذا الوضع المزري في ضل عدم قيام المصرف المركزي بايجاد حلول تساعد المصارف علي تطوير خدمات الائتمان و تشجيع المصارف علي جذب السيولة المتداولة خارج الاطار المصرفي ينذر بتفاقم الازمة المصرفية في ليبيا التي بداءت ملامحها تظهر من خلال العجز الكبير في توفير السيولة في المصارف واصبح صرف المرتبات متوقف علي ما يصل فعلا الي خزائن المصارف عبر تحويلات المصرف المركزي ، واذا استمر هذا الامر دون حل ومعالجة لن يكون امام المصرف المركزي سوي الاستمرار في طبع عملة جديدة وتعويض المفقود من السيولة ولهذا اثار قاسية جدا علي مستوي التضخم وقيمة العملة.

اليابان صدمت العالم خلال اليومين الماضيين عبر تخفيظ معدل الفائدة ليصبح سالب لاول مرة لدي بنوكها وذلك يعني مزيدا من تحفيز الاقتصاد والدفع نحو تحويل الودائع الي استثمارات بدلا من تخزينها في خزائن البنوك ،المعضلة ان في ليبيا لا يوجد معدل فائدة ولا اي محفز يجذب الاموال الي المصارف فالاموال خارج البنوك اساسا وازمة نقص السيولة في البنوك تتفاقم وهذا الامر ينذر بمخاطر انهيار كبير يهز اركان النظام المصرفي الليبي اذا استمر المصرف المركزي في سلبيته وعدم قيامه بما يجب عليه فعله لمواجهة المشكلات المتفاقمة عبر تفعيل آليات السياسة النقدية وصولا الي تحقيق الاستقرار النقدي المنشود، صحيح ان الاوضاع الاقتصادية مرتبكة ونواقيص الخطر دُقت ولكن أن الاوان لفعل شي ملموس والا فان الانهيار النقدي والمالي قادم لامحالة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

التعليقات: 1

  • مالك بن خيال

    شكرا د. سليمان على المقالة ولكن طرحك كان اكاديمي ولا أظن ان جل القراء سوف يعو الفحوى من المقال. أيضا ان انتقادك لقانون تحريم الفائدة لو افصلت فيه بشيئ من التوضيح لكان أفضل.
    الا تظن ان الاعتمادات المستندية كافية بانهاء قضية السيولة او الحد منها وارجاع الدورة المالية الي سابق عهدها؟
    وايضا ما المشكلة في لعب المصارف دور”المفتش” في ظل غياب الاجهزة الرقابية الفاعلة والفعالة وهل لك ان تشرح ماذا فعل الاتحاد الاروبي بعد ازمة اليونان للتأكد من البنية المالية للبنوك في اروبا وشكرا

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً