المؤسسات السيادية في طرابلس تبعث الأمل والتفاؤل

cbl_3

سامي رضوان 

لا شك أن تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل جميع الليبيين مهمة صعبة. إلا أن الأسوأ من ذلك أن إقتصاد البلاد يتردي مع مرور الوقت يوما بعد يوم. والمؤلم حقا أن المواطنين هم الذين يعانون. فرجال السياسة يتلاعبون بمصير الشعب الذي يقاسي الأمرين.

ورغم ذلك كله، فمن الرماد تنبت براعم الأمل والخير. ومن المشجع أن نرى أن المؤسسات السيادية المستقلة الموجودة في طرابلس تأخذ بالمبادرة لإعادة البلاد الى مسيرتها والتحرك الى الأمام بخطى ثابتة.

ومن الأمثلة على ذلك مثلا ما يبذله مصرف ليبيا المركزي من جهود لمحاربة الفساد المالي الذي ينخر في بنية الدولة الليبية. فقد أصدر المصرف أوائل الشهر الحالي رسالة بعثت الى جميع المصارف التجارية في البلاد، وضعت شروطا متشددة على الإعتمادات المستندية التي تصدرها المصارف، وذلك في محاولة للحد من نشاطات السوق السوداء في البلاد. كما يضمن هذا الإجراء الحفاظ علي سلامة الأرصدة الليبية في الخارج وحمايتها ضد تقلبات العملة الليبية الرسمية، التي تعرضت مؤخرا لتردي مستويات تصدير النفط الليبي وهبوط الأسعار بشكل كبير عالميا.

ولكن تساؤلات هامة تستمر تفرض نفسها. منها على سبيل المثال حاجة الليبيين إلى معلومات واضحة وحيوية حول الوضع المالي للدولة الليبية، وما هو حجم دخل الدولة وما هو حجم مصروفاتها للسنة المقبلة. ولا شك هناك الكثير مما هو مطلوب لتفعيل الشفافية في آداء مؤسسات الدولة. وتعد الخطوة التي اتخذها المصرف المركزي تجاه الفساد عملية هامة لتصحيح مسيرة الوطن.

وفي السياق نفسه ناشد السيد عبدالمجيد بريش، رئيس المؤسسة الليبية للإستثمار، المجتمع الدولي أن يحافظ على استمرار العقوبات الدولية المفروضة حاليا بتجميد نحو 85٪ من الأصول الليبية في خارج البلاد، وتعتبر خطوة حكيمة في ظل الظروف الراهنة في ليبيا. فلا يزال خطر التلاعب بأموال البلاد من قبل جماعات انتهازية متربصة قائما، ورفع التجميد عن هذه الأصول سيكون سابقا لأوانه ويشكل خطرا علي سلامة الأموال الليبية.

وتقع تحت سيطرة وتحكم المؤسسة حاليا أصول تقدر قيمتها بمبلغ 67 مليار دولار، والتي يجب أن تظل مجمدة دوليا دون أن يرفع عنها التجميد إلا إذا أصبح بالإمكان  تسليمها لحكومة وحدة وطنية مستقرة.

كما اتخدت المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، في الآونة الآخيرة اجراءات سليمة وفي غاية الحكمة. فبرغم التخمة التي يعاني منها سوق النفط العالمي حاليا فإن إعادة تشغيل الصناعات النفطية في ليبيا أمر في غاية الأهمية. فيجب الترحيب بما أقدمت عليه المؤسسة من توقيع صفقات هامة مع شركات ضخمة مثل جلينكور وفايتول، وما تعكف عليه حاليا من مفاوضات حول صفقات أخرى في اسطنبول مع شركات عالمية كبرى مثل البي بي (BP)البريطانية.

إن المحافظة على الإنطلاق في هذه الأعمال سيكون صعبا، خاصة في ظل الإشتباكات بين عصابات ما يعرف بداعش (دولة الاسلام في العراق والشام) والقوات الحكوميه التي تقوم بحراسة مواني النفط الليبية الحيوية في السدرة وراس لانوف. ومما زاد من العنف على الارض المحاولات اليائسة التي تقوم بها الفلول المنشقة في طبرق للإستيلاء على نقاط تصدير النفط والتحكم فيها مما يؤثر بشكل مباشر على الصفقات التي تعكف مؤسسة النفط في طرابلس على تحقيقها والتوقيع عليها.

إلا أنه بمجرد الإتفاق على حكومة وحدة وطنيه فبإمكانها ممارسة سيطرة مركزية أقوي على منشاءات النفط الليبية ومساندة مؤسسة النفط في تحقيق ما تصبو إليه من الدفع بمعدل الإنتاج الليبي من 380 ألف برميل الى 1.5 مليون برميل يوميا.

ورغم أن هذه التطورات تبعث على الأمل مع التحفظ الشديد، إلا أنها لا تعني خروج ليبيا من النفق المظلم الي تعيش فيه حاليا. وفي الوقت الذي نتوق فيه الى الوحدة الوطنية في كافة أرجاء ليبيا، بعد ما يقرب من خمس سنوات من القضاء على عقود من الدكتاتورية، تظل أمامنا تحديات صعبة كثيرة. ولكن عندما يكون الأمر متعلقا بمحاربة الفساد وحماية ثروة بلادنا وتعزيز قطاع النفط، فإنه مما يثلج صدورنا أن نرى مؤسساتنا السيادية المستقلة ـ من مصرف ليبيا المركزي الى المؤسسة الليبية للإستثمار والمؤسسة الوطنية للنفط ـ في مقدمة المؤسسات التي تقود عملية عودة البلاد إلي الأمن والإستقرار.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً