أزمة ثقة

أزمة ثقة

 

الثقة، كلمة تتكون من خمسة أحرف، قد تضاهيها كلمات كثيرة في عدد الاحرف، ولكن ليس من ناحية القيمة  و المعني الذي تحتويه، فهي أساس الكثير من العلاقات الانسانية التي ظهرت مع ظهور الانسان وساهمت في بقائه و نجاحه، فلا صداقة تستمر بدونها ولا زواج يدوم إذا غابت، ولا علاقة تجارية تستمر إذا فُقدت ، ولا قادة ينتصرون إذا لم تمنحها لهم شعوبهم و جيوشهم.

من أكثر الاشياء التي نفتقدها اليوم، و أتحدث هنا عمّا يدور في وطننا بصفة عامة هو: الثقة، و التي بغيابها تنعدم أية فرص لحل المشكل الليبي مهما جرت من حوارات و ما تبعها من اتفاقيات، و إجراءات و خلافه، و ينطبق  ما ذكرت على العديد من  مستويات المجتمع الليبي، فهناك إنعدام  للثقة بصفة عامة بين القوى و التكتلات السياسية، كما كما بين القبائل والمدن، و حتى في التعامل بين المؤسسات و الأفراد.

إننا نرى بوضوح مسألة إنعدام الثقة في تشكيلة المجلس الرئاسي، والذي وصل إليه كل عضو نتيجة لمعادلة  أساسها انعدام الثقة في الاعضاء الاخرين الممثلين لقوى  مختلفة في تركيبتها و دوافعها و مصالحها، فإثنان منهما ضامنان لحصص مدينتين معينتين، والأخر ليحفظ بقاء قائد عسكري في منصبه، و إثنان آخران يمثلان فكر أيدولوجي عريق، و السادس يرعى مصالح زعيم لمليشيا قوية تتحكم في أحد أهم مصادر دخل الدولة  وهكذا،،،، فكيف تريد من هذ المزيج  الغريب المكونات  أن يتفق و أن يستمر؟!

مصداقاً لما ذكرت آنفاً ،  فقد أتت عقدة المنشار في من  يتولى حقيبة وزارة الدفاع لحكومة الوفاق الوطني المرتقبة، فكل طرف  لايثق في غيره ، و ربما يريد أن يضمن أن يتغدى بالاخر قبل أن يتعشى الاخر به، فالواضح من الصراع ليس اختيار الوزير الاكفأ، لبناء جيش قوي يحمي حدود الدولة و يدافع عن سلامة أراضيها، بل هم يتصارعون و في اعتقادهم أن من يسيطر على وزراة الدفاع، سيتعامل معها  كملك خالص له ، فهو بالتالي سيسيطر  على سلاح و زارة الدفاع  و ميزانية وزارة الدفاع  و جيش وزارة الدفاع ، مما قد يؤهله مستقبلا للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد بالقوة إذا لزم الامر.

قد ينجح هذا النوع من التفكير في تقاسم و توزيع  الحصص و الغنائم ، و التي يعود كل منهم بها إلى منطقته، و يسعد بها هو وأهله و  أبناء عمومته  و ينتهي الامر عند ذلك، و لكنه لن ينجح في تشكيل وزاره تستطيع خلق فِرَق  قادرة على العمل لحل مشاكل البلاد المتراكمة و المتأزمة.

لذا أدعو الجميع إلى التوقف، و التراجع خطوة إلى الوراء، و  إبداء حسن النوايا، ومد جسور الثقة بين بعضهم البعض و بين من يمثلون، و الاتفاق إذا لزم الامر على ضمانات عقلانية غير تقاسم المناصب و الوزارات، فهذه مهما فعلوا لن يتفقوا عليها وسينهار المجلس الرئاسي بسبب هذا التجاذب، إن لم يكن اليوم فبالتأكيد غداً، و ستنهار معه البلاد ، و سيصبح الوقت قد  تأخر لتداركه.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً