من القلب

من القلب

حينما كنت صغيراً ، كنت أحب الاستماع إلى حديث والدي “محمد بشير أفندي” رحمه الله، عن تاريخ ليبيا و الأحداث الجسام التي مرت بها،  والتي عاصرها هو وكان ناشطاً فيها  (من 1925 إلى 1996)، من احتلال إيطالي إلى حرب عالمية أخذت منا و لم تعطنا سوي الدمار والخراب، إلى الفترة الحرجة و التي سبقت و لازمت إعلان الدولة الليبية، ومن ثم الصراع السياسي في بدايات الحكم الملكي والذي حسمه الملك لصالحه، و ما لبث أن خسره لصالح حكم العسكر، الذين جاء دورهم ليسقطوا هم أيضاً و يأتي بعدهم من يحكمون ليبيا اليوم.

ما تعلمته من هذا كله، أنا الحكام بكل ميزاتهم و عيوبهم، يأتون و يذهبون و تبقى ثلاثة أشياء هي: الشعب والأرض و الذكريات، مادام الشعب واقف على أرضه متمسكاً بها فلا خوف عليه و لا خوف على أرضه من أن يفتكّها أحد منه، أما الذكريات فهذا ما نتذكر به من حكم و ما تركه من أعمال، وهي غالباً ليست كثيرة لأن الحاكم في بلادنا أتى ليأخذ لا ليعطي.

أنا أشفق عليهم ، لأنهم كلما أخذوا أكثر إمتلكوا أقل، حتى يأتي اليوم  الذي ينتهون فيه و ما أخذوه إلى العدم.

لا تنزعجوا كثيراً مما يحدث اليوم، و هذا لا يعني أن لا نعمل لتغييره لما هو أفضل، و لكن من تشاهدونهم اليوم يهرولون هنا وهناك، تتجاذبهم أهواؤهم و أطماعهم فيتعرون أمام الجميع حتى من ورقة توت، هم جميعاً ذاهبون في رحلة اللّا عودة، ما عليكم سوى أن تنتظروا قليلا وتصبروا  وسوف يصبحون أثراً بعد عين.

ولتصدق كلماتي، فلنعد قليلاً إلى الوراء بضع سنوات قليلة و لنسأل أنفسنا: أين تلك الأسماء التي سمعناها في بدايات 17 فبراير؟ أين ذلك الطابور الطويل من المناضلين و الفاتحين و المجذفين  والأفاقين و تُجَّار الكلمات، الذين غزوا شاشات التلفاز صباح مساء، هل يذكرهم أحد اليوم ؟ أكاد أنا نفسي أنساهم.

ثقوا في الله، و في إرادتكم و في قدرتكم على التغيير، نحن لا نحتاج إلى الفأل الحسن أو الحظ بقدر ما نحتاج إلى الإيمان بالله و إلى عزائم الرجال، لا تشوشوا أذهانكم بالنظر إلى التفاصيل الصغيرة التافهة، كمن يحكم و إلي متى و ماذا سيجني، بل كونوا أكثر سمواً و أنظروا إلي الصورة كاملة، أنظروا إلي العلياء، أنظروا إلى الوطن.

ولنعلم بأننا لا شيء بدون وطننا، وأن قوتنا تكمن في توحدنا فوق ثراه، كلمات سهلة النطق، صعبة التنفيذ، لكن هذا وطننا ونحن رجاله، فليكن خيارنا جميعاً: بالوطـن من الوطـن وإلى الوطـن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً