الساقزلي: إدماج المحاربين السابقين في المجتمع صعب جداً

 

كريستين بيتريه – المونيتور

قاتل أو تقتل”، هكذا يشرح أشرف المير الوضع الذي كان قائماً في ليبيا خلال الثورة التي قامت ضد نظام معمّر القذافي الذي استمر 42 عاماً. انضمّ المير إلى الثورة في مارس 2011 بهدف حماية عائلته. وبعمر 28 سنة، خضع لأسبوعين من التدريب العسكري وحصل على بندقية كلاشينكوف، ليحارب لمدة ثمانية أشهر في سبيل تحرير وطنه.

بعد سقوط القذافي انضم إلى الجيش، لكن في العام 2012 قرر فجأة أن يتخلّى عن السلاح. وبفضل البرنامج الليبي للإدماج والتنمية، الذي يقوم بتأهيل المحاربين السابقين، اكتشف المير أن القتال ليس الطريقة الوحيدة لإعادة بناء الوطن.

يقول مصطفى الساقزلي، مؤسّس البرنامج الليبي للإدماج والتنمية، “كان علينا أن نبعد الشباب عن السلاح بطريقة سلمية” ويؤكد ابن مدينة بنغازي أن “الشباب يحتاجون إلى فرصة حقيقية تمكّنهم من بناء مستقبل ليبيا”.

على غرار أشرف المير وغالبية الليبيين، حمل الساقزلي السلاح في العام 2011، وانضم إلى أول كتيبة للثوار في بنغازي في 17 فبراير2011، وكان شاهداً حيّاً على تدريب الشباب اليافعين وتسليحهم، علماً أن معظم المحاربين كانوا ما دون الخامسة والثلاثين سنة.

وعندما انتشر الصراع في العام 2011 كان هاجس الساقزلي الأول “كيف سنجمع السلاح من الشباب ونعيد إدماجهم في المجتمع بعد الحرب”؟ في نهاية أكتوبر 2011، بعد سقوط القذافي ومقتله، تخلى مصطفى الساقزلي عن مهنته كمهندس للحاسوب وأسس هيئة شؤون المحاربين التي تغير اسمها لاحقاً إلى البرنامج الليبي للإدماج والتنمية. من خلال التمويل من الحكومة الليبية والمنظمات الدولية، يسعى البرنامج إلى جمع السلاح من المجموعات المسلحة عبر إعادة إدماج المحاربين في المجتمع من خلال التأهيل والتدريب.

استطاع الساقزلي وفريق عمله مقابلة 162 ألف محارب سابق لمعرفة خلفياتهم واهتماماتهم وطموحاتهم ووضعوا برامج تدريبية متخصصة تمكّنهم من تأسيس أعمالهم الخاصة، أو تؤهلهم للانضمام إلى الجيش الليبي أو الشرطة. ووفّر البرنامج فرصاً أكاديمية عدّة كإعطائهم منحاً دراسية إلى الخارج. ومع هذا الدعم استطاع أشرف المير أن يبدأ حياة مهنية جديدة ليصبح الآن رئيس الجهاز الأمني في سفارة ليبيا في لندن. يوضح مصطفى الساقزلي أن “معظم الناس كانوا متحمسين للحصول على فرصتهم، حتى قادة المجموعات المسلّحة أنفسهم”، ويؤكّد إنه “من الأفضل إعطاء للناس فرصة بديلة ليتخلّوا عن السلاح، بدل محاولة انتزاعه بالقوة”.

لكن هذا لا ينفي أن عقبات كثيرة تواجه هذه المهمة، فيقول عبد الرحمن العجيلي من منتدى الشباب الليبي ” لم يحقّق القطاع الخاص نمواً يؤهله لتقديم فرص عمل للمحاربين السابقين، وفي الوقت نفسه لا تستطيع مؤسسات القطاع العام، حتى الكبيرة منها، أن تدمجهم جميعاً، رغم أن القطاع العام في ليبيا هو الأكبر في العالم، إذ يضم نحو 70 في المئة من القوى العاملة في البلاد. وكان ذلك نتيجة لسياسات القذافي التي أرادت وضع عقد اجتماعي مبني على التبعية”. لا يخفي الساقزلي أن الأوضاع تطورت بشكل كبير منذ العام 2012 وأصبحت أكثر تعقيداً. ومن أسباب ذلك، انتشار تنظيم الدولة الإسلامية على الأراضي الليبية. واليوم باتت معظم الجهات الفاعلة في ليبيا تعتبر التنظيم الخطر الأول في البلاد التي تمزقها الحرب. ووفقاً للبنتاجون، هناك نحو 6000 مقاتل من التنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، حيث يستفيد التنظيم من الفراغ في السلطة. ويُظهر تقرير صدر حديثاً عن الأوضاع في سوريا والعراق، أن التنظيم يحوي على نسبة كبيرة من الأعضاء الشباب، حيث يقاتل الأطفال والبالغون جنباً إلى جنب.كذلك، أثار تقرير مجلس الأمن الدولي الأخير الكثير من المخاوف بشأن تجنيد الأطفال وظهور معسكرات لتدريب الشباب. وليس واضحاً بعد إلى أي مدى ينطبق هذا الأمر على ليبيا، لكن الساقزلي لا يخفي قلقه، “فإذا لم تتم معالجة مشكلة الشباب، فإن جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية ستعرف كيف تستغل الأمر”. ويوضح بأن بعض المحاربين السابقين لا تتجاوز أعمارهم 15 أو 18 سنة، ويقول إن معظمهم كانوا ضحايا الجهل والإقصاء، لذلك يأمل الساقزلي بأن يطبق الحوار الوطني في مختلف المناطق والمجتمعات المحلية.وبحسب عبد الرحمن العجيلي فإن تنظيم الدولة الإسلامية يقدم للشباب ما لا تقدمه لهم الدول العربية، وهو منحهم القوّة. لذلك فإن نزع السلاح يبدو صعباً للغاية في هذه المرحلة، لأن السلاح يشعرهم بأنهم أقوياء في المجتمع” لذلك فإن نزع السلاح من دون بديل يمنحهم القوة هو وصفة لكارثة.

ما زال جمع السلاح عقبة أساسية في البلاد، فالكثيرون من أصدقاء أشرف المير ما زالوا يحملون السلاح في ليبيا. “هم يشعرون بأن عليهم الاستمرار في حماية الثورة”، ويقول بعضهم: “حسناً، سأتخلى عن السلاح، لكن ما الذي سيحصل بعد ذلك؟”. لذا، فإن جمع السلاح يأتي من خلال التوافق والحوار، فليبيا تحتاج إلى خطة شاملة”.

يقول مصطفى الساقزلي إن على حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، أن تبدأ في دعوة جميع الأطراف إلى حوار شامل. ويضيف أن على الحكومة الالتزام بالحوار مع الجميع “فكيف يمكنهم أن يوحدوا البلاد إذا لم يستطيعوا توحيد أنفسهم؟يُعتبر الساقزلي من أشد المؤمنين بالمشاركة الكاملة. “يجب أن تتم إعادة تأهيل الجيش والقوى الأمنية. ومن أجل جمع سلاح يجب أن يتم إشراك كل من تسلّح في السنوات الماضية وكل المجموعات المسلحة”. لكن إعادة الإدماج ليست سهلة. “إنها عملية طويلة متعددة الأبعاد وتستغرق سنوات عدة” كما يقول تيموثي ريد، الموظف سابق في الأمم المتحدة في ليبيا. ويضيف “كلما طال الصراع ، كلما أصبح الأمر أصعب” مؤكداً أنه “إذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للصراع ولم تُفرض سلطة القانون في البلاد فإن إعادة الإدماج من الصعب أن تنجح “.ويقول عبد الرحمن العجيلي، “إن تنظيم الدولة الإسلامية لا يشكّل التهديد الأكبر في البلاد إنما المشكلة الأعظم تتمثل بالوضع الاقتصادي، والتحديات الاجتماعية، وانهيار التماسك الاجتماعي”. ويشير إلى أن معظم الانتحاريين في ليبيا هم من الأجانب، خاتماً بأن “اليوم الذي نرى فيه هجمات انتحارية ينفّذها ليبيون يكون اليأس قد تمكّن من السيطرة على الشباب في ليبيا”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً