“القرضـابية ” بين زمنين

“القرضـابية ” بين زمنين

تهدُر اليوم آلاف الاحصنة الميكانيكية، بمحركات المِئات من سيارات الدفع الرُباعي، كما في العربات المُصفحة وغيرها من الآليات، حاملةً لأبناء ليبيـا، وهُم يتجمعون بعدتهم وعتادهم في فيافي خليج “السدرة”، في طريقهم نحو عاصمته سرت، تلك المدينة التي وإن كانت حديثة في معمارها فهي قديمة في تاريخها المُشرِّف، المُضمَّخ بدماء الشهداء من أبناء الوطن، في معارك فاصلة شهدتها باديتها، كآخرها قبل مائة عام وعام من اليوم، عِند” قصر أبوهادي” والتي نعرفها جميعاً باسم “معركة القرضـابية”.

لا أود أن أتطرق كثيراً لتفاصيل تلك المعركة، فقد كتب فيها وعنها الكثير من البُحَّاث والمُهتمين ،ولكنني تأمَّلت في هذا المساء، المُحمَّل بلفح رياح القِبلي،،، إنها آتيه هذه المرة  بالغبار وحده، دون بعض من رائحة محاصيل وديان سرت والتي عادة ما يكون هذا موسم حصادها، لكنها مُنعت  من الجود به اليوم، لغزو أسراب جراد “داعش” لها، والتي داهمتها في غفلة مِنّا،  لتلتهم ليس فقط  خيرة أبناء المدينة ، بل لتُهدد بوبائها كافة ربوع وطننا ووجودنا فيه، محاولة مسخ عقولنا و تغليف قلوبنا بمزيج من العنف والحقد والكراهية، هو كل ما لديها، والذي  ليس في أخلاقنا ولا في عاداتنا شيء منه.

لست أدري لماذا نهضت من جلستي ونظرت وأبتسمت، ربما لثقتي بأنه وكما حدث قبل قرن من الزمن، حين لم يخُن الليبيـون بعضهم، ولم يقاتوا مع عدوهم ضد أبناء وطنهم،  وإذ لم يفعلوها ذاك الزمان رغم جوعهم وفقرهم وحاجتهم، فلن يفعلوها اليوم وهم أغنياء عن كلّ ذلك، كما أنني لا أظن بأن أياً من أبناء وطني سيرضى أن يصِمه الخزي والعار أبد الدهر، لمجرد التفكير بالوقوف مع خفافيش البغدادي، فكيف إن فعلها،، تلك الخفافيش  التي  ما حلَّت  إلّا لتمتص دِماءنا ، و تُهلك زرعنا وضرعنا ، و تستفرد بمُدننا الواحدة تلو الاخرى، فإن  لم نجتثها اليوم من “سرتنا”، فستصل أسرابها إلى غيرها من مدن ليبيــا، ولن تترك لا القريبة ولا البعيدة منها، ولن تجعلها إلا خراباً ودمارا.

وكلماتي لأبناء وطني في هذه المُناسبة الجليلة: فليعلم كل واحد منهم بأن أبن وطنه، مهما أختلف معه، لن يعدم الوسيلة للجلوس والحديث والتفاهم معه، متي حسُنت النية، وسلُمت السريرة، أما عدو الوطن والدين فلا أمان عنده و لا كلمة له  ولا مكان له بيننا، وأُذَكِّرهم جميعاً بكلمات حكيمة من أدبنا العربي الجميل قد قيلت في موقف ليس ببعيد عن موقفنا اليوم:

“قد قُتلت يوم قُتل الثور الابيض”

حفظ الله ليبيــا ورعاها وحمي أبناءها وجنَّبها كل سوء

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً